أما الدبلوماسية الرقمية، فهو مفهوم جديد بدأ مع الانتشار الواسع لشبكات التواصل الاجتماعي، والدور الذي بدأت تلعبه هذه الشبكات في التأثير الثقافي والفكري في حياة المجتمعات، ما شكّل فرصة أمام الدول لاستخدام هذه القنوات التكنولوجية من أجل تعزيز علاقاتها ونفوذها على الحكومات والشعوب الأخرى.
فمع الانتشار الواسع للدبلوماسية الرقمية لم يعد السفير أو المبعوث الثقافي للسفارة بحاجة أن يتوجه بشكل مباشر للمشاركة في الفعاليات الاجتماعية المتعددة في الدولة التي تستضيفه، واستخدام مهاراته اللغوية ومعرفته الواسعة بثقافة تلك الدولة من أجل تمرير الرسائل السياسية المختلفة التي تصبّ في مصلحة تعزيز نفوذ بلاده في ذاك المجتمع، كل ما هو بحاجته اليوم هو قناة رسمية على أحد الشبكات الاجتماعية واسعة الانتشار، والعمل على جذب عدد كبير من المتابعين، واستغلال المناسبات المتعددة للتعبير عن المواقف ومحاولة توجيه الرأي العام بما يخدم سياسات بلاده.
بالطبع هذه الدبلوماسية الرقمية لا تشكل بديلاً عن الدبلوماسية التقليدية، لكنها تعززها إلى حد كبير خاصة في إطار العلاقات الشعبية، إذ إن التسارع الكبير الذي يشهده العالم الرقمي اليوم مع تزايد الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبح يستخدمها أكثر من مليارين من البشر والتي تعدّ وسيلة إعلامية سهلة ومنخفضة التكاليف، يجعل منها أداة فاعلة في العمل الدبلوماسي وتوجيه السياسات وتحقيق الأهداف، ولا شك بأن تجربة التحولات التي أصابت المنطقة منذ عام 2011 والثورات في كل من مصر وتونس، تشكل أكبر دليل على الدور الذي يمكن أن تلعبه تلك الوسائل في حياة الشعوب.
فالدبلوماسية الرقمية اليوم قد أصبحت من أهم أدوات الدبلوماسية لأي دولة، وهو ما تأخذه الدول على محمل الجد، فوزارة الخارجية الأمريكية مثلاً، بلغ عدد حساباتها علي تويتر أكثر من 300 حساب يتم التغريد عليها بـ 11 لغة مختلفة، ولها حوالي 400 صفحة على ” فيس بوك ” ووصل عدد الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يستخدمون الدبلوماسية الرقمية حوالي 1000 دبلوماسي.
موقع الكيان الإسرائيلي في الدبلوماسية الرقمية
احتفت وزارة خارجية الكيان الاسرائيلي مؤخراً بحصولها على المرتبة الرابعة عالمياً كأقوى ارتباط رقمي مع العالم، معربة عن آمالها بنيل مرتبة الصدارة في هذا المجال، حيث تمكّنت إحدى الصفحات الإسرائيلية على فيسبوك بجذب أكثر من 1.6 مليون متابع عربي، فيما بلغ عدد المتفاعلين مع القنوات الإسرائيلية على الشبكة الاجتماعية بما يقرب من 220 مليوناً من العالم العربي.
وكان الكيان الإسرائيلي قد قرر إنشاء فرع للدبلوماسية الرقمية مع بدء الثورات في تونس ومصر، حيث تم تنشيط حسابات المتحدثين الرسميين للوزارات الإسرائيلية على وسائل التواصل الاجتماعي بصورة ملحوظة، فيما يبدي المتابعون العرب تفاعلاً يومياً مع هذه الحسابات التي يعرض أصحابها مدى تسامح “إسرائيل” ورغبتها في تحقيق الخير لجيرانها وأنها ضحية للإرهاب العربي والإسلامي وكلها بالطبع مزاعم يحقق منها الكيان الصهيوني هدفاً واضحاً في إطار منهج الدبلوماسية الرقمية.
الجدير بالذكر أن الدبلوماسية الرقمية الإسرائيلية لا تعتمد على وزارة الخارجية فحسب، بل إن المساهمة الأكثر فعالية فيها تقع على عاتق جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقوم بتجنيد مئات الناشطين على الشبكة الافتراضية، الذين يتولون مهمة التواصل مع الشباب العربي عبر عدة حسابات، إلا أن هذا التواصل لا يتم بصورة اعتباطية، وإنما بحرفية عالية جداً، حيث يعتمد على علم الهندسة الاجتماعية الذي يعنى بتغيير قناعات الشعوب تدريجياً من خلال دراسة خصائصها النفسية وتقديم محتوى إعلامي مقبول لديها.
لا شك أن أحد أسباب تركيز الكيان الإسرائيلي على الدبلوماسية الرقمية، هو التعويض عن الضرر الذي لحق بدبلوماسيته التقليدية نتيجة حركات المقاطعة، التي أسهمت إلى حد كبير بإلحاق الضرر بهذا الكيان على شتى الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية والأكاديمية لدرجة تشكيلها تهديداً استراتيجياً للكيان الإسرائيلي وفق تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، دفعت اللوبي الصهيوني في أمريكا والدول الأوروبية لعقد مؤتمرات هنا وهناك للتصدي لها، فعلى سبيل المثال حققت حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (بي دي اس)، استجابة واسعة ضمن الأوساط الأوروبية، ودول أمريكا الجنوبية لمقاطعة الفعاليات المرتبطة بالكيان الاسرائيلي، ما حدا بهذا الكيان للبحث عن بدائل، والتي تشكل الدبلوماسية الرقمية إحداها.
معركة الإعلام الجديد
في هذه الأثناء لا بد من اتخاذ إجراءات فاعلة لمواجهة هذه المساعي الصهيوني، وأخذها على محمل الجد، إذ إن تغيّر معطيات الميدان الاعلامي، والتحرك المضطرد من العدو اللإسرائيلي ضمن هذا الميدان، يتطلب من حركات المقاومة الاستعداد الجيد لهذا الأمر، حيث أكد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، خلال اللقاء الذي جمعه مع العاملين في إذاعة النور، على ضرورة التنبه إلى ميدان الإعلام الجديد، والوجود الفعال في معركة هذا الميدان، مؤكداً أن معركة الوعي هي الأساس لمواجهة المشاريع التي تستهدف لبنان والمقاومة، ولا شك بأن المقاومة التي أثبتت قدرتها وتفوقها في المواجهة المباشرة وفي الحرب النفسية والاستخباراتية ضد العدو الاسرائيلي، والتي قامت على الدوام بتحديث وسائلها، وتطوير جهوزيتها، لا شك أنها قادرة على التصدي للتحركات الاسرائيلية في الميدان الجديد، وتسجيل نصر في هذا المجال أيضاً.