الناصرة – “رأي اليوم” :
في الوقت الذي قدّمت فيه صحيفة (يديعوت أحرونوت)، وهي من أوسع الصحف العبريّة انتشارًا في إسرائيل، تغطيةً كاملةً لجائزة نوبل في مجال الكيمياء هذا العام، متحدثةً عن إنجازات العلماء الثلاثة الذين حازوا على الجائزة، اختارت أنْ تُخصّص مقالاً مستقلاً للبروفيسور الأمريكيّ جورج سميث، (77 عامًا)، بسبب خصوصيته كمعادٍ للصهيونيّة وأحد المُطالِبين بإنهاء الاحتلال.
وذكرت الصحيفة العبريّة في تقريرها أنّ سميث أحد أقوى مؤيّدي حركة المُقاطعة وسحب الاستثمارات BDS وكان مرشحًا للتدريس في جامعةٍ إسرائيليّةٍ غير أنّ هذا تم إلغاؤه بسبب احتجاجات في الدولة العبريّة وصفته بأنّه يدعم تدمير الدولة اليهوديّة.
بالإضافة إلى ذلك، أبرزت الصحيفة العبريّة تصريح البروفيسور سميث حين قال إنّ مُناهضة الصهيونيّة هي حركة عدالة اجتماعية للمحرومين والمضطهدين، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ الفائز بجائزة نوبل قام بنشر العديد من المقالات حول موضوع مُناهضتِه للاحتلال الإسرائيليّ للأراضي العربيّة.
وشدّدّت الصحيفة العبريّة على أنّ البروفيسور سميث كان قد كتب ونشر هذا الكلام ردًا على مقال في صحيفةٍ أمريكيّةٍ محليّةٍ في ميزوري حيث يعمل، ووصف حركة المقاطعة بأنّها حملة حقوقية رافضًا المُساواة بين مُعاداة الصهيونيّة ومُعاداة الساميّة وقال حينها إنّ المماثلة التشهيرية مُعاداة الصهيونيّة ومُعاداة السامية هي تكتيك استُخدِم لسنواتٍ عديدةٍ من قبل الدعاية الصهيونيّة، مُوضحًا في الوقت عينه أنّ مُعاداة الصهيونيّة هي حركة العدالة الاجتماعيّة ومتجذرة ومتأصلة في حملةٍ من أجل حقوق الإنسان في الولايات المُتحدّة الأمريكيّة والحملة المُناهِضة للفصل العنصريّ الذي كان سائدًا في جنوب إفريقيا، على حدّ تعبيره.
ووفقًا للبروفيسور سميث فإنّ السبب الأساسيّ لمعاداة الصهيونيّة هو الامتناع عن منح حقوقٍ مُتساويةٍ لجميع الأشخاص الخاضعين اليوم للنظام اليهوديّ في إسرائيل، نصف هؤلاء الناس هم الفلسطينيون العرب ويُعانون من التمييز ضدّهم، وأيضًا إخلاؤهم وقمعهم من قبل الحكومة العسكريّة في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، وأيضًا أولئك الذين يُعانون من الحصار المستمر والهجمات الاقتصادية والدموية في قطاع غزّة، على حدّ قوله.
وأشارت الصحيفة العبريّة أيضًا إلى أنّ البروفيسور سميث كتب في مقالٍ آخرٍ إنّ مُعاداة الصهيونية في حملة BDS غير عنيفة وتلتزم بالقانون الدوليّ. وتابع قائلاً إنّ مُعاداة الصهيونية تتعارض تمامًا مع مُعاداة الساميّة وتهدف إلى استبدال الحكومة الاثنوقراطية اليهوديّة الحاكمة بدولةٍ ديمقراطيّةٍ ليبراليّةٍ تضمن حقوق الإنسان لكل المواطنين، مُشدّدًا على أنّه سيكون سعيدًا لرؤية نهاية للنظام التمييزي في فلسطين، بحسب تعبيره.
جديرٌ بالذكر أنّه قبل ثلاث سنوات، كان البروفيسور سميث ينوي تدريس دورةً بعنوان “وجهات نظر في الصهيونية”، لكنّ الاحتجاجات اليمينيّة الصهيونيّة أدت إلى إلغاء الدورة. وأوضحت الصحيفة العبريّة أنّ محاضراته كانت سترتكّز على كتابين أحدهما “التطهير العرقي للفلسطينيين” للبروفيسور الإسرائيليّ، إيلان بابيه، المُعادي للدولة العبريّة، والتي هاجر منها إلى إنجلترا، بعد تضييق الحيّز عليه في المؤسسة الأكاديميّة الإسرائيليّة بسبب مواقفه المُناهِضة للصهيونيّة وموبقاتها.
ونقلت الصحيفة العبريّة عن الكاتب دانيال سويندل قوله عن البروفيسور سميث: إنّه ليس فقط أنّه يُعلّم التخلص من الصهيونيّة، بل أكثر من ذلك، إنّه يعتقد أنّه يجب تدمير كل شيء أؤمن به، على حدّ تعبيره.
وردّ عليه سميث قائلاً: أنا لا أعارِض اليهود أوْ اليهود الذين يعيشون في فلسطين، بل أنا أعارض السيادة العرقيّة اليهوديّة على بقية الناس، وأنا بالتأكيد لست مُعاديًا للسامية. وأردف قائلاً إنّه لا يؤيد “طرد اليهود”، ولكنّه أضاف في المقال نفسه: أُحّب أن نرى نهاية للنظام التمييزيّ في فلسطين، مُشدّدًا على أنّ اليهود والفلسطينيين يجب أنْ يعيشوا معًا على قدم المساواة في الأرض، بحسب وصفه.
إلى ذلك، قالت صحيفة (هآرتس) العبريّة إنّ! البروفيسور سميت انضمّ إلى منظمة “الحُريّة في المُقاطعة” في ميزوري، حيث يُدرّس هناك في جامعتها، وندّدّ بشكل واضحٍ لا لبس فيه العمليات التي تقوم فيها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين العُزّل في قطاع غزّة، ودرج وما زال على نشر المقالات ورسائل للصحف، تتضمّن نقدا لاذِعًا وسافِرًا لسياسات الاحتلال الإسرائيليّ ضدّ قطاع غزّة.
وتابع (هآرتس) العبريّة قائلةً إنّه في شهر نيسان (أبريل) الأخير نشر البروفيسور سميت مقالاً في صحيفة (كولومبيا ديلي تريبيون)، وصف فيه حركة المُقاطعة (BDS) كحركةٍ تابعةٍ للمُجتمع المدنيّ، التي تتوجّه إلى الضمائر الحيّة في جميع أرجاء العالم، بهدف مُقاطعة المؤسسات الاقتصاديّة الإسرائيليّة، والمؤسسات الأخرى، حتى يحصل الشعب العربيّ الفلسطينيّ، بما في ذلك اللاجئين المُشرّدين في العالم على مُساواةٍ كاملةٍ من قبل اليهود في مُوطنهم المُشترَك، على حدّ قوله.
يُشار إلى أنّ البروفيسور سميت حصل على جائزة نوبل في الكيمياء قام بتطوير طريقةٍ تُعرَف باسم عرض الملتهمة، حيث يمكن استخدام البكتيريا، وهو فيروس يصيب البكتيريا، لتطوير بروتيناتٍ جديدةٍ.
اقرأ أيضاً :
مناهض للصهيونية ومُدافع شرس عن فلسطين.. الوجه الآخر لجورج سميث الفائز بنوبل للكيمياء
احتفى تلامذة وزملاء سميث بفوزه، معبّرين عن استحقاقه للجائزة “التي تأخرت”، والتي حصل عليها، مع زميلين آخرين في الكيمياء، لبحثهم الذي يستخدم أسلوب التطور الموجه لإنتاج إنزيمات لكيميائيات وعقاقير جديدة، يمكنها تطوير اللقاحات في المستقبل.
لكن في الضفة الأخرى لـ”نوبل” وكل ما تمثّله، كان ثمة غضب عارم من فوز سميث. هو غضب إسرائيلي لفوز من يفضّل، أولاً وقبل الكيمياء ربما، التعريف عن نفسه كـ”مناهض للصهيونية، وداعم للقضية الفلسطينية ولحركات مقاطعة إسرائيل”.
وبينما كان زملاء سميث (77 عاماً)، وبينهم من يعرفه منذ أكثر من أربعين عاماً، يتحدثون عن “إبداعه” و”عبقريته” و”تواضعه”، لافتين إلى أن الرسائل الجامعية التي يُشرف عليها تُنشر دائماً في كتب، كان الإسرائيليون يستحضرون صفات أخرى في سميث باعتباره “داعماً لتدمير الدولة اليهودية”.
الفوز المزعج لإسرائيل
فور إعلان فوز سميث، فتحت الصحف الإسرائيلية ملفه بغضب شديد، فهو لم يترك موقفاً وتصريحاً أو نشاطاً قد يدفع إسرائيل للتعامل مع هذا الفوز بغضب أقل.
علقت “هآرتس” الإسرائيلية بالقول إن نشاط سميث السياسي جعله شخصية مثيرة للجدل في جامعة ميسوري، وهدفاً للجماعات الموالية لإسرائيل.
واشتكت الكاتبة في الصحيفة آليسون سومر من ورود اسم سميث على الموقع المسمى “بعثة الكناري”، والمعروف بأنه ينشر عادة ملفات على الإنترنت حول أساتذة وطلاب ومتحدثين في الجامعة مؤيدين للفلسطينيين ويدعون لسحب الاستثمارات من إسرائيل، بينما أشارت إلى اعتماد المسؤولين الإسرائيليين على هذا الموقع كمرجع عند التدقيق في هويات من يدخلون إسرائيل، ومنعهم من الدخول في حال كانوا من الناشطين مع حركة المقاطعة.
وفي السياق ذاته، لفتت “تايمز أوف إسرائيل” إلى “حب” العالمين الآخرين – اللذين شاركا سميث بالجائزة – لإسرائيل وعن تعاونهما معها.
شاركغردفي الضفة الأخرى لـ”نوبل” وكل ما تمثّله، كان ثمة غضب عارم من فوز سميث. هو غضب إسرائيلي لفوز من يفضّل، أولاً وقبل الكيمياء ربما، التعريف عن نفسه كـ”مناهض للصهيونية، وداعم للقضية الفلسطينية ولحركات مقاطعة إسرائيل”
شاركغردمنذ فترة طويلة، ينشط سميث لصالح القضية الفلسطينية، وقد اعتاد توجيه انتقادات حادة إلى إسرائيل نتيجة انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، ولديه تصريحات ومواقف عديدة أزعجت الفلسطينيين منها وصفه لوعد بلفور مرة بـ “فصل خسيس في الظلم الاستعماري الاستيطاني”
وجاء في الصحيفة أن “العالمة الأمريكية فرانسيس أرنولد، من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، مختلفة في هذا الشأن عن سميث. في يونيو، زارت إسرائيل في مؤتمر برعاية الدولة حول الكيمياء في القدس”.
والحال نفسه مع الفائز الثالث وهو غريغوري وينتر، من مختبر مختبر البيولوجيا الجزيئية في كامبريدج، لأنه عضو في مجلس العلوم المشترك للمملكة المتحدة وإسرائيل، والذي يضم خبراء من الجهتين.
وهكذا ركزت الصحيفة على اختلافهما عن سميث، “كاره إسرائيل”، وعرّفت عنه بأنه “محاضر متقاعد في علم الأحياء، وصف نفسه بأنه ما بعد الصهيونية…كتب العديد من المقالات ضد الدولة اليهودية وهو عضو في العديد من المنظمات اليهودية المناهضة لإسرائيل، رغم أنه ليس يهودياً”.
بالنسبة لسميث… فلسطين أولاً
ما يزعج الإسرائيليين وما جعلهم يبرزونه كاعتراض على فوز سميث، هو نفسه ما يدعو العالم الأمريكي للفخر، وما يحرّك حياته وأفكاره، كما يقول.
“أنا لا ديني ولست يهودياً بالميلاد، لكن زوجتي يهودية وأبناءنا تعمدوا وفق الديانة اليهودية، وأنا مُنخرط في الثقافة والسياسة اليهودية”، يقول أستاذ علم الأحياء والبيولوجيا في جامعة ميسوري، مؤكداً على عمله الدؤوب لـ”تحقيق العدالة لفلسطين”.
منذ فترة طويلة، ينشط سميث لصالح القضية الفلسطينية، وقد اعتاد توجيه انتقادات حادة إلى إسرائيل نتيجة انتهاكاتها ضد الفلسطينيين، ولديه تصريحات ومواقف عديدة أزعجت الفلسطينيين منها وصفه لوعد بلفور مرة بـ “فصل خسيس في الظلم الاستعماري الاستيطاني”.
ومعروف عن سميث أنه عضو في منظمة “صوت اليهود من أجل السلام”، وهي منظمة يسارية الميول تهدف إلى وضع حد للاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. كما يُعتبر من المؤيدين المتحمسين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS)، كجزء من نشاطه المؤيد لفلسطين.
واعتاد إثارة غضب الجماعات المؤيدة لإسرائيل، كونه يدعو دائماً إلى “وضع حد للنظام التمييزي في فلسطين” وإنهاء “السيادة العرقية اليهودية على الشعوب الأخرى”.
“ادعموا حركة المقاطعة”
ذكرت التقارير الصحفية بقيام سميث بانتقاد أغنية الشاعرة نعومي شيمر الشهيرة التي حملت عنوان “القدس الذهبية”، معلقاً بالقول إن “وصمة التفوق اليهودي… متأصلة في كلمات شيمر”.
ويبقى البارز في مسار سميث مقالات كتبها، ومنها ما نشره في أبريل الماضي في صحيفة محلية أمريكية اسمها “كولومبيا تريبيون”، وناقش من خلاله أبرز التواريخ المهمة في تطورات القضية الفلسطينية منذ النكبة، مُنتقداً الخطاب السياسي الإسرائيلي المتكرر الذي يرى الفلسطينيين “تهديداً ديموغرافياً أبدياً”.
من بين ما جاء في المقال، كان رأي سميث أن ما تسميه إسرائيل “حرب الاستقلال” عن بريطانيا عام 1948 هو تسمية “مشوهة”، متسائلاً “هل كانت حرب استقلال أم حرباً للتهجير وانتزاع الأراضي؟”، ليجيب “كانت حقاً حرب تجريد للشعب الفلسطيني من أرضه”.
وأنهى سميث مقالته بإعلانه دعم حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، داعياً المجتمع العالمي لنبذ التعامل مع الشركات والمؤسسات الإسرائيلية والدعوة لعودة المنفيين من الشعب الفلسطيني وتحقيق المساواة الكاملة مع الإسرائيليين.
مواصلة المسار
في عام 2015، أعلن سميث (77 عاماً) اعتزامه تحليل “التصورات الصهيونية”. وكان من المفترض أن ينظم فعالية للحديث عن “التطهير العرقي في فلسطين”، مُعتمداً على ما ورده في كتاب المؤرخ الإسرائيلي المناهض للصهيونية إيلان بابيه.
وكانت محاولة سميث تنظيم المحاضرة واحدة من أكثر الحوادث إثارة للجدل في حياته، إذ واجه احتجاجات ضخمة في جامعة ميسوري من الجماعات الطلابية الموالية لإسرائيل، وهو ما اضطرالجامعة لتأجيلها ومن ثم إلغائها بحجة “عدم تسجيل الكثيرين” لحضور الفعالية.
وفي تقرير صحفي، عقّب سميث على إلغاء المحاضرة بالقول إنه لا يعارض اليهود، ولا اليهود الذين يعيشون في فلسطين، بل “يعارض سيادة عرق اليهود على الأعراق والشعوب الأخرى”.
ما حدث وما يحدث لا يبدو أنه يثني سميث عن مواصلة نشاطه المؤيد لفلسطين ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وقد استمر في كتابة آرائه ورسائله للصحف والمجلات حول القضية الفلسطينية، بينما تسجل سيرته الذاتية على موقع “mondoweiss” المناهض للصهيونية، تقليله من إنجازاته كعالم كيمياء على حساب الظهور بموقف “الداعم لحركة العدالة في فلسطين” والتي تأسست داخل جامعة ميسوري الأمريكية.