شفقنا-خاص :
لا نريد ان نشمت ، كما فعل الناقمون على سياسة السعودية في المنطقة ، بقادة هذا البلد ، بعد ان كشف الرئيس الامريكي دونالد ترامب عن حقيقة مضمون المكالمة الهاتفية التي اجراها مع الملك السعودي سلمان ، قبل ايام ، والتي تناقضت بالمرة مع الرواية السعودية ، حيث تحدث ترامب ، مع سلمان ، بطريقة أقل ما يمكن وصفها بالمهينة والمعيبة.
رغم ان كاتب المقال لا يكن اي ود للسياسة السعودية في المنطقة ، وكثيرا ما انتقدها ، خاصة على خلفية العدوان الذي تشنه منذ ما يقارب الاربعة اعوام على الشعب اليمني المظلوم ، الا انه شعر ، كمسلم ، بخجل واحراج ، عندما كان ترامب يتحدث بتلك الطريقة البلطجية مع رجل يقود بلدا يعتبر حليفا تاريخيا واستراتيجيا وثيقا للولايات المتحدة ، ولم تبخل بلاده ، بإي شيء من اجل ارضاء ترامب ، حتى انها تماهت مع مجرم الحرب نتنياهو، في كل شيء ، وناصبت العداء لكل بلد او حزب او تنظيم او شخصية ، تناصب “اسرائيل” العداء .
قال ترامب وبصريح العبارة للملك السعودي ، إنك تمتلك تريليونات من الدولارات، والله وحده يعلم ماذا سيحدث للمملكة في حالة تعرضت لهجوم ، ربما لن تكون قادرا على الاحتفاظ بطائراتك ، داعيا الملك الى ان يدفع ثمن الحماية الامريكية ، لانه سيكون في أمان معه .
المراقبون لسياسة ترامب ، ومزاج الرجل ، وابعاد شخصيته ، يجزمون انه لن يترك السعودية لحالها ، فلن يكف عن ابتزازها الا بعد ان يُخلي خزينتها من آخر ريال ، ويشفط نفطها حتى آخر قطرة ، ولن تنفع معه هذه السياسة التي يتبعها معه ابن سلمان ، فلا التقرب من “اسرائيل” ،و لا زيادة انتاج النفط ، ولا شراء الاسلحة وتكديسها ، ولا اشعال المنطقة بالفتن الطائفية ، وتفتيت دولها ، من اجل ابعاد كل تهديد عن “اسرائيل” ، فكل هذه الاشياء قامت بها السعودية واكثر ، فالسعودية كانت رأس حربة امريكا منذ اربعينيات القرن الماضي وحتى اليوم ، فكانت هي من ناصبت الحركة القومية العربية العداء ، وهي التي حاربت عبد الناصر ، وهي التي اسست طالبان والقاعدة لمحاربة السوفيت ، وهي التي مولت وحرضت وشجعت الدكتاتور صدام حسين ليشن عدوانه على الجمهورية الاسلامية في ايران، على مدى ثماني سنوات ، وهي التي ساعدت امريكا على غزو العراق ، وهي التي تقف وراء كل المآسي في ليبيا وسوريا واليمن ، وهي التي انفقت نحو تريليون دولار على نشر الوهابية التكفيرية في العالم ، بهدف تمزيق الامة ، وهي اخيرا كانت وراء صناعة”داعش” في العراق وسوريا.
المعروف ان هذه الخدمات التي قدمتها السعودية لامريكا و”اسرائيل” ، لم تكن بالمجان ، فقد فتحت السعودية خزائنها من اجل تمويل هذه الخدمات ، لذلك ما كان يجب على ترامب ان يخاطب قادة السعودية ، بهذه الطريقة السوقية ، فهؤلاء القادة قدموا لامريكا ما لا تحلم به ، حتى انهم قدموا لترامب نصف تريليون دولار كهدية لانه اختار بلادهم كاول بلد يزوره بعد توليه الرئاسة.
استنادا الى ما تقدم ، فان ترامب مصمم ، ليس على اقتسام عائدات النفط مع السعودية ، بل على شفط القسم الاكبر من هذه العائدات ، لذلك على قادة السعودية ان يقفوا ولو للحظات ، ويفكروا بالاسباب الحقيقية التي تقف وراء ابتزاز ترامب المتواصل والمذل لهم.
لا يحتاج هذا السؤال الى تفكير معمق ، فالجواب هو : ايران. ايران التي حولتها السعودية من بلد مسلم جار ، الى عدو وتهديد وجودي لها ، رغم ان ، كل الوقائع التاريخية والجغرافية والسياسية والدينية ، تؤكد خلاف النظرة السعودية . ونحن عندما نشير الى هذا السبب الذي يقف وراء ابتزاز ترامب للسعودية ، لا ننسى بالمقابل الدور الخبيث للثنائي الامريكي الاسرائيلي ، في تكثيف وطأة هذا السبب في عقلية القيادة السعودية ، التي باتت تعتقد ، انه يمكن من خلال تجنيد كل امكانياتها الاقتصادية والسياسية والاعلامية ، ضد ايران ، والارتماء كليا في الحضن الامريكي ، والتماهي مع “اسرائيل” ، وتجنيد هذا الثنائي ضد ايران ، ان تستيقظ في صباح احد الايام ، فاذا بايرن اختفت من خارطة العالم!!.
على قادة السعودية ان يستيقظوا من سباتهم العميق ، وينفضوا عنهم غبار الحقد غير المبرر ضد ايران ، والذي تثيره امريكا و”اسرائيل” ، وان يكسروا افخاخ امريكا و”اسرائيل” وان يتعاملوا مع هذا البلد الاسلامي الكبير ، كبلد جار و مسلم لا يضمر السوء للسعودية وشعبها ، ولطالما مد يد الاخوة الاسلامية اليها.
على هؤلاء القادة ان يعلموا ، ان لا امريكا ولا “اسرائيل” ، يمكنهما محاربة ايران نيابة عنهم ، والسبب بسيط جدا ، وهو ان هذا الثنائي يعلم علم اليقين ان التعرض لايران له عواقب وخيمة تخرج عن نطاق كل تصور. كما ان ترامب السمسار البشع ، لن يكون بهذه الدرجة من الغباء ان يقضي على “التهديد” الايراني الزائف ، ويحرم بلده من تدفق تريليونات الدولارات على امريكا ، بفضل اكذوبة “التهديد الايراني”.
اقصر الطرق امام قادة السعودية للوقوف في وجه ابتزاز ترامب ، ووقف مسلسل الاهانات والاذلال المستمر ، والذي اثار حفيظة حتى الناقمين على سياسة السعودية ، هو وضع يدهم في يد ايران الممتدة دوما ، والا فان جشع ترامب ، “شايلوك” امريكا ، لن يشبع ببضع تريليونات من الدولارات ، ولا حتى بزيادة مليوني برميل نفط يوميا.
*نبيل لطيف