شفقنا :
ثمة سؤال يطرح: ما هي منزلة العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام؟ وقد جاء الرد على هذا السؤال في الموقع الالكتروني لمركز الابحاث العقائدية الذي يشرف عليه مكتب المرجع الديني السيد علي الحسيني السيستاني.
السؤال: هل يمكن القول بأن مقام ابا الفضل العباس عليه السلام اعلى من كل من هم دون المعصومين الاربعة عشر؟
الجواب: إن المتتبع لتأريخ حياة أبي الفضل عليه السلام يلمس بوضوح بلوغ العباس بن علي عليهما السلام درجة عاليه من الالتزام بالشريعة وطاعة أولي الأمر المتمثلين بالأئمة المعصومين عليهم السلام بأن يوكل اليه مهمة حمل رايته في واقعة الطف وقيادة البيت الهاشمي في تلك المعركة، وفي فقرات الزيارة الواردة عن الامام الصادق عليه السلام بسند معتبر ـ والتي يذكرها الشيخ القمي في مفاتيح الجنان ـ يلمس القارئ سمو منزلة أبي الفضل عليه السلام وشهادة المعصوم عليه السلام بحقّه في بلوغه مراتب عدة كما هو المستفاد، من هذه الفقرات:
“أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أشهد أنك قتلت مظلوماً وأن الله منجز لكم ما وعدكم. أشهد وأشهد الله أنك مضيت على ما مضى عليه البدريون والمجاهدون في سبيل الله. أشهد أنك لم تهن ولم تنكل وأنك مضيت على بصيرة من أمرك.
وغيرها من الفقرات التي يستفاد منها أن أبا الفضل العباس عليه السلام يعد في المرتبة الأولى بعد المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام.
وأما تحديد هذه المرتبة ومقدارها فعلمها عند الله، لان العصمة لطف إلهي وملكة نفسانية لا يتسنى الاطلاع عليها، نعم يمكن للمعصوم أن يخبر عنها.
شفقنا
اقرأ أيضا :
عاشوراء العباس
في الفناء الحسيني
{ يا ساقي عُطاشى كربلاء }
مهما كتبت الأقلام فلم تفي جزأً من حق العباس عليه السلام .
لم تكن واقعة الطف لولا وجود أبا الفضل العباس عليه السلام وهذا ما كان مُخططاً له منذ ولادته لإن أمير المؤمنين عليه السلام كان مدركا منذ البداية لحجم الخطر المُحيط بالإسلام وحجم الواقعة الاليمة التي ستحدث في كربلاء ويرى أن ولده الحسين عليه السلام بحاجة إلي نصير وظهير . لذلك إختار امرأة من فرسان العرب وشجعانهم تزوجها لتلد له اولادا يكونوا سندا وظهيرا لمواجهة المرحلة القادمة الخطيرة . ويكونوا سندا وعونا للإمام الحسين عليه السلام في قضيته الإلهية . لذلك زواج الامام علي عليه السلام من السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام الكلابية أم البنين بتوصية منه عليه السلام لأخيه عقيل بن أبي طالب ليجدها له لأنه كان نسابة العرب في حينه أن ينظر له في إمرأة قد ولدتها الفحول من العرب ليتزوجها فتلد له فرساناً ينصروا الحسين عليه السلام فولدت له أربعة فرسان على رأسهم أبو الفضل العباس عليه السلام ليكون عوناً وسنداً ويذود عن أخيه الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء في كربلاء . وحدث ما كان لذلك الأمر وكانت كربلاء حاضرةً بكل قوة .
إن العباس عليه السلام أفنى كل وجوده الشريف في الوجود الحسيني المقدَّس
كما أفنى الحسين أرواحنا فداه كل وجوده في الذات الإلهية المقدّسة .
فقد إستغنى أبا الفضل عن كل شيءٍ في الوجود في سبيل الحسين سلام الله تعالى عليه لأنه عرف الحسبن عليه السلام . فالعباس عليه السلام كان في حالة ذوبان مطلق في الذات الحسينية المقدّسة فقد إندكَّ إندكاكاً كاملاً وإنصهر انصهاراً تامّاً في الحسين عليه السلام . فصار رمزاً من رموز الفناء الذي قلَّ نظيره . فلم يخاطبه قط بكلمة أخي بل كان يخاطبه بسيدي ومولاي إلا في لحظة إستشهاده عليه السلام فقال له أخي أبا عبد الله. لذلك ألبسه الحسين عليه السلام جميع أسمائه وصفاته والتي هي تجليات الحق تعالى في ذات الحسين عليه السلام . فصار العباس عليه السلام حُسيني الوجود بكل صفاته وأفعاله . فكان العباس عليه السلام صورة طبق الأصل من الحسين أرواحنا فداه لذلك فقد كان الحسين عليه السلام يُخاطبه بمقاماته ومراتبه العرفانية التي نالها وكما قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام
( إن عمّي العباس كان نافذ البصيرة ) وهي إشارةً الى مقاماته العرفانية .
فالعباس عليه السلام كان مرآة الحسين عليه السلام . وبمعنى أدق كان هو الحسين ولكن بجسد آخر .
فكان الحسين عليه السلام عندما يخاطب أبا الفضل يقول له
(بنفسي أنت ) وهذه الكلمة العظيمة تحتاج الى الوقوف عندها وبيان خفاياها وأسرارها وهي إشارة واضحة الى مقام ومنزلة العباس عليه السلام ليس في هذا العالم المادي وهذه النشأة فحسب بل بجميع العوالم والنشآت . وهذا يحتاج بحثاً خاصّاً به .
لقد كان الحسين والعباس عليهما السلام روح واحدة فقد كان الحسين عليه السلام الى العباس بمثابة الكعبة التي يطوف حولها الحجاج فالحسين عليه السلام هو ذلك التجلّي الأعظم الذي تجلّى به الحق ليكون شعاعاً في طفوف كربلاء ليُزيل ظلام الإنحرافات التي ملئت غيومها سماء الإسلام . فوجود واقعة الطف وبقاؤها كانت موجودةً بوجود العباس عليه السلام ولذلك عند إستشهاد العباس عليه السلام ظهرت نهايات واقعة الطف ولم تبقى سوى لحظات قليلة فقد كان العباس عليه السلام هو الجسر الذي لا يمكن العبور عليه إلا برحيله أو إستشهاده وهذا ما حصل بالفعل بعد إستشهاده فقد أحاط الأعداء بالحسين عليه السلام من كل جانب بعد ما كُشِف ظهر الحسين عليه السلام بمقتل أخيه وسنده أبا الفضل العباس عليه السلام . لذلك قال الحسين عليه السلام بعد إستشهاد العباس عليه السلام ( الآن إنكسر ظهري وقلَّة حيلتي وشَمُت بي عدوّي ) .
وعند إستشهاد العباس لاحت نهايات الحرب وإنتهت واقعة الطف . وبقية رمزيتها خالدة الى يوم القيامة .
فالعباس عليه السلام صار آيةً إلهية ورمزاً للبطولة والشجاعة بتلك الوقفة المشرّفة مع الحسين عليه السلام التي جعلت للإسلام وجوداً وبقاءً . وهذا بحد ذاته هو فخراً عظيماً يُضاف الى مفاخر العباس عليه السلام .
ومن هنا كان الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء . لذلك صار الحسين عليه السلام كعبةً العاشقين وواحة المشتاقين يطوف حوله عشّاق المعرفة والجمال لينالوا الوصال .
وبمثل تلك الخصال التي يملكها الحسين أرواحنا فداه . نجد أن العباس عليه السلام كان يملكها لأنه كان شقيق وتوأم روح الحسين عليه السلام فذلك هو المقام الذي كان يحمله أبا الفضل العباس عليه السلام .
وكما قال فيه الإمام علي بن الحسين سلام الله تعالى عليهما .
( أن جميع الشهداء من الأوّلين والآخرين يغبطون عمي العباس على المكانة التي هو عليها ) .
ترى فأي مقام هذا الذي حضِيَ به أبا الفضل عليه السلام .؟
يقول السيد هاشم الحداد ( قد. س) في حق أبا الفضل العباس عليه السلام إن ( كلّ ما حصل عليه العرفاء نتيجةٌ لتقبيل تراب أعتاب أبي الفضل العباس عليه السلام ).
وهذه نتيجة المقامات الإلهية الرفيعة التي نالها عليه السلام مُتخطّياً جميع منازل ودرجات اليقين التي جعلت منه جبلاً شامخاً لا يصل إليه ويرتقيه إلا الأوحدون من عباد الله المخلصين .
(( عامه