القاهرة ـ «القدس العربي»:
فيما يبدو أنه اتجاه جديد لكسر الرفض الشعبي للتطبيع وزيارة القدس المحتلة، تعالت الدعوات من مسؤولين مصريين ورجال دين، لإعادة بحث الأمر واعتبار الخطوة خدمة للقضية الفلسطينية. آخر هذه التصريحات أطلقها البابا تواضروس خلال رحلته الرعوية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فيما يمثل تراجعاً عن موقف الكنيسة المصرية السابق منذ عام 1967 بعدم زيارة إسرائيل نهائيا، واعتبار ذلك «تطبيعًا مع الكيان الصهيوني».
وقال البابا تواضروس: «لا يوجد حرام وحلال في زيارة القدس»، مضيفا : «في عام 1967 وقعت الحرب، وحدثت النكسة، وإسرائيل احتلت القدس، ومن ذلك الحين لم تعد هناك زيارات».
وجاء ذلك جواباً عن سؤال وُجّهه له شاب من شباب كنيسة العذراء، حول زيارة القدس للحج الديني، هل هي حلال أم حرام؟ وأشار البابا إلى أن «هذا الموقف تجدد في عصر البابا شنودة، ولكن الكنيسة لها مدارس وكنائس، ولها مطران هناك»، مشيرًا إلى أنه «منذ القرن الـ12 الميلادي كان الفلسطينيون يعيشون على الزيارات المتبادلة، التي مثلت مصدر دخل لهم».
مساعدة الفلسطينيين
وأكد أن «توقف الزيارات إلى القدس سبب مشكلة»، مشددا على أن «الرئيس الفلسطيني محمود عباس دعا المصريين لزيارة القدس، لأن هذا يساعد الفلسطينيين ويخدم قضيتهم».
وأضاف: «لهذا السبب سألني البعض عن إمكانية زيارة القدس كهدية قدمها أبناؤهم لهم، فقلت لهم ليذهب الكبار من 60 عاما فما فوق».
وأوضح أن «الشباب الأمريكي لديهم القدرة على التنقل، وزيارة المطرانية القبطية هناك، ونحن نبعث رهبانًا وراهبات للزيارة هناك أيضاً». وشارك البابا تواضروس في مؤتمر الأزهر الشريف مطلع العام الجاري، تحت شعار «مؤتمر الأزهر العالمي لنصرة القدس»، ورغم دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لزيارة القدس خلال كلمته في مؤتمر الأزهر، إلا أن البابا تواضروس رفض الزيارة.
القس بولس حليم، المتحدث الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، قال في بيان مقتضب، «ما زالت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على موقفها من زيارة القدس»، مشيرا إلى أن «حديث البابا تواضروس كان المقصود به كبار السن».
وكان البابا كيرلس السادس أول بطريرك يمنع الأقباط في أعقاب هزيمة 1967، فأصدر قرارا بمنع الأقباط من زيارة القدس.
وفي عام 1980 تمسك البابا الراحل شنودة الثالث بقرار منع الأقباط من زيارة القدس والحج المسيحي إليها، وذلك بناءً على قرار المجمع المقدس في جلسته يوم 26 مارس/ آذار 1980 والذي نص على: «عدم التصريح لرعايا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالسفر إلى القدس هذا العام، في موسم الزيارة أثناء (البصخة المقدسة) وعيد القيامة، وذلك لحين استعادة الكنيسة رسميًا لدير السلطان، ويسري هذا القرار تلقائيًا ما دام الدير لم تتم استعادته، أو لم يصدر قرار من المجمع بخلاف ذلك».
واستمر منع الأقباط من زيارة القدس طوال فترة حياة البابا الراحل شنودة الثالث، والذي كان دائمًا يؤكد في العديد من أحاديثه عن القدس «أننا لا ندخلها إلا مع إخوتنا المسلمين».
لم يكن كلام البابا تواضروس أول تراجع من رجال دين عن مقاطعة زيارة القدس، فقد دعا أسامة الأزهري، مستشار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للشؤون الدينية، ووكيل لجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب لإعادة النظر فيما تسمى «الزيارة الرشيدة للمسجد الأقصى»، ما يعني فتح الزيارات للقدس التي يقاطعها المصريون على المستوى الشعبي باعتبارها تطبيعا مرفوضا مع إسرائيل، فضلا عن فتاوى دينية من الأزهر ترفض زيارة الأقصى تحت الاحتلال.
وأعلن خلال ندوة نظمها البرلمان العربي قبل أسبوع، أن «الزيارة للمسجد الأقصى، يجب ألا تكون عبر تل أبيب، وإنما يتم بالنزول في بيوت الفلسطينيين، وتناول الأطعمة الفلسطينية، ما ينعش حركة التجارة الفلسطينية».
وقد سبق الأزهري إلى هذا الموقف، محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف السابق، عبر دعوته المسلمين لزيارة بيت المقدس، إذ قال خلال مؤتمر نظمه الأزهر لنصرة القدس في يناير/كانون الثاني الماضي، إن «على المسلمين أن يكثروا من زيارة بيت المقدس».
وأشار إلى دعوته إلى ذلك منذ عشرين عاما، و«تم اتهامه بالتطبيع مع اسرائيل».
وقام علي جمعة في إبريل/ نيسان 2012، حين كان مفتيا للديار المصرية، بزيارة للمسجد الأقصى، ما أثار جدلا واسعا. وبرر جمعة زيارته آنذاك، بأنه «زار القدس ودخلها من الضفة الغربية عن طريق الأردن وليس من الجانب الإسرائيلي»، وأضاف: «الزيارة تمت تحت الإشراف الكامل للسلطات الأردنية وبدون الحصول على أي تأشيرات من إسرائيل»، باعتبار أن الأردن هو المشرف على المزارات المقدسة للقدس الشريف.
وكان موقف الأزهر ثابتا منذ عهد الشيخ عبد الحليم محمود، شيخ الأزهر الراحل، برفضه أن يكون مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات في زيارته للقدس.
كما أن الشيخ جاد الحق علي، شيخ الأزهر من عام 1982 إلى عام 1996 أصدر فتوى واضحة بأن «من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم، والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلى القدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين».
اعتراف بالاحتلال
وأكد الشيخ محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر من عام 1996 إلى عام 2010 على أن «الزيارة للقدس لن تتم في ظل الاحتلال الاسرائيلي، وأن الزيارة تعد في الوقت الراهن اعترافا بمشروعية الاحتلال الاسرائيلي». أما شيخ الأزهر الحالي الشيخ أحمد الطيب، فقد أكد أن «الزيارة التي تتم بإذن الاحتلال لا تحقق مصالح المسلمين بأي حال».
وحول محاولات التطبيع التي تجري عبر بوابة المؤسسات الدينية، قال محمد البسيوني أمين عام حزب تيار الكرامة، إن «زيارة القدس الآن تخدم أهداف إسرائيل، وتمنحهم مشروعية احتلال القدس والأراضي الفلسطينية»، مؤكدا أن «دعم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال يمكن ان يتخذ أشكالا عديدة غير زيارة القدس والتطبيع مع الصهاينة».
وشدد على «رفض الحزب كل أشكال التطبيع ومقاومتها سواء كانت ثقافية أو سياسية أو اقتصادية».