في خطوةٍ غيرُ مسبوقةٍ، أفرجت الاستخبارات العسكريّة الإسرائيليّة عن وثيقةٍ جديدةٍ، كان تُعتبر منذ حرب أكتوبر 1973 سريّةً للغاية، تتحدّث عن إطلاع أشرف مروان للدولة العبريّة على “ساعة الصفر” لحرب أكتوبر، حسبما أوردت صحيفة (هآرتس) العبريّة، وتأتي هذه الخطوة بالتزامن مع الذكرى الـ45 لحرب أكتوبر 1973، وأيضًا بالتزامن مع مرور 40 عامًا على توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في 17 (أيلول) سبتمبر من العام 1978.
وووفقًا للصحيفة العبريّة، فقد كشف الأرشيف الإسرائيليّ عن هذه الوثيقة بعد أنْ سمح بنشرها، إضافةً إلى وثائق أخرى تشمل بروتوكولات لجان وزارة الأمن في وقت الحرب، وفق الصحيفة، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ خلافًا للمعمول فيه بإسرائيل، أيْ عدم نشر وثائق تتعلّق بالموساد، فإنّ هذه الخطوة تُعتبر خروجًا عن المألوف.
وذكرت الصحيفة أنّ رئيس جهاز الاستخبارات الخارجيّة (الموساد) في تلك الفترة، تسفي زمير، بعث برسالةٍ إلى رئيسة الوزراء غولدا مائير مفادها أنّ الجيش السوريّ والمصريّ سيبدأ هجومه يوم السبت في 6/10/1973 قُبيل المساء.
وبحسب الوثيقة، فإنّه في صباح السادس من شهر أكتوبر عام 1973، تم إبلاغ رئيسة الوزراء الإسرائيليّة بتقرير وصل إلى رئيس الموساد، من مصدرٍ مصريٍّ وُصِف بأنّه رفيع المستوى، تبيّن لاحقًا أنّه أشرف مروان، يُحذّر من استعداد مصر وسوريّة لهجومٍ مشتركٍ ومتزامنٍ على إسرائيل.
وكان مُقررًا لانطلاق الحرب مع حلول المساء من اليوم نفسه، وبعد البلاغ العسكريّ المُقدّم إلى غولدا مائير، وصلها تقرير شامل من رئيس الموساد يشرح كافة التفاصيل المتعلقة بالحرب، وفق الوثيقة.
وأشرف مروان هو رجل أعمال مصري، صهر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، نجلة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، وعُثر على جثته خارج مسكنه في لندن في 27 حزيران (يونيو) من العام 2007، ويعتقد كثيرون أنّه دُفِع من شرفة منزله في الطابق الخامس، وهو أمر لم يتّم التأكّد منه أبدًا.
ولفتت الصحيفة العبريّة إلى أنّه سبق هذه الوثيقة، التي وصلت قبل ساعاتٍ قليلةٍ من موعد الهجوم، تقدير إسرائيليّ بأن احتمالات شنّ حرب على إسرائيل منخفضة للغاية، وفق الوثائق التي تمّ الكشف عنها. وكتب رئيس الموساد في الوثيقة التي أرسلها من لندن قبل ساعات من بدء الحرب، وبعد اجتماعه مع مروان: “المصدر يؤكّد أنّ احتمال شنّ هجومٍ في 6/10/1973 هو 99 بالمائة. وأنّ الرئيس المصريّ آنذاك، أنور السادات يعتقد أنّ بإمكانه مفاجأتنا.
ومن التفاصيل التي وردت في الوثيقة أيضًا، على لسان رئيس الموساد وقتذاك، يذكر المصدر أنّ نشر المعلومات عبر وسائل الإعلام المصريّة يُمكن أنْ يردع مصر بعد أنْ يدركوا بأن الإسرائيليين يعرفون بالخطة وجاهزون. واختتم رسالته قائلاً: اقترح أنْ تقوموا بالنشر في وسائل الإعلام المحلية، لأنّ المصدر أخبرني أنّ ذلك سيؤثر في مصر.
ومن الجدير بالذكر أنّ أشرف مروان كان قد عمل بالمعامل المركزيّة للقوّات المسلحة، ثم مساعدًا للزعيم جمال عبد الناصر، وبعد وفاته أصبح المستشار السياسيّ والأمنيّ للرئيس الراحل أنور السادات في 1970. وفي العام 2002 زعم المُحلّل الإسرائيليّ للشؤون الأمنيّة، د. رونين بيرغمان، في تقريرٍ نشره بصحيفة (يديعوت أحرونوت) أنّ مروان تجسس لحساب إسرائيل لعقودٍ، بل وحذّر إسرائيل قبل الهجوم المباغِت في حرب 1973.
وزعمت تقارير أنّ تحذير مروان أدّى لتعبئةٍ طارئةٍ للقوات الإسرائيليّة، ما سمح لها بالاستعداد نوعًا ما لمُواجهة الهجوم المفاجئ من قبل القوات المصريّة وحال دون فقدان إسرائيل للجولان وأراضٍ أخرى. في المقابل ردّت مصر على تلك المزاعم بالتأكيد على أن مروان كان “عميلًا مزدوجًا” عمل على خداع إسرائيل.
يُشار إلى أنه تمّ طرح فيلم مأخوذ عن الرواية الإسرائيلية لقصة حياة أشرف مروان، الجمعة الماضي على شبكة “نتفليكس” العالمية للترفيه، تحت اسم “الملاك”، وهو الاسم الحركيّ، بحسب المصادر في تل أبيب، الذي تمّ إطلاقه من قبل الموساد الإسرائيليّ على مروان.
ويستند الفيلم إلى كتاب (الملاك – الجاسوس الذي أنقذ إسرائيل) الذي كتبه الإسرائيلي أوري بار جوزيف، مروجًا بأنّ مروان كان جاسوسًا لإسرائيل على مصر، وليس عميلاً مزدوجًا، أوْ عميلاً مصريًا، كما يرى بعض المؤرخين.
من جهته، قال الجنرال شلومو غازيت، رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة بعد الحرب في كتابه الجديد، إنّ مروان كان ملاك التخريب، “الموساد حولّ القيادة السياسيّة في إسرائيل، بما في ذلك رئيسة الوزراء غولدا مائير ووزير الأمن موشيه دايّان والقائد العّام لهيئة أركان الجيش الإسرائيليّ، حولّها إلى مدمنةٍ على قراءة التقارير التي كانت تصل إلى الموساد من مروان. فقد كانوا يطلعون عليها دائمًا، ويُعجبون بها جدًا، كما أنّهم كانوا على علمٍ باسم الـ”ملاك”، ووظيفته في القيادة المصريّة، الأمر الذي أوجد لديهم نوعًا من الحاجز النفسيّ، كما أنّ القيادة السياسيّة، كشف غازيت، كانت تقرأ التقارير التي كان يُوصِلها الموساد إليها، بما في ذلك الأحاديث لتي كان يُجريها مُشّغل مروان، رئيس الموساد السابق، تسفي زمير.
وشدّدّ الجنرال غازيت على أنّه بسبب الحاجز النفسيّ الذي خلقته تقارير مروان، فإنّ القيادة السياسيّة أهملت بالمرّة التقارير التي كانت تعكف على إعدادها الاستخبارات العسكريّة، وأدمنت على تقارير مروان، حتى وصل بها الأمر أنّها لا تُصدّق أيّ شيءٍ إذا لم يكن مصدره مروان، على حدّ تعبيره.