من هنا نرى أنّ الأمل بمعرفة من اختطف الإمام الصدر بعد قتل القذافي أصبح ضئيلاً، على كل حال المسؤول الأول عن اختطاف سماحة السيّد كان الرئيس الليبي معمّر القذافي وجماعته، ويبقى السؤال هنا: لماذا؟
ويتساءل البعض: لماذا فتح هذا الملف اليوم؟ بكل بساطة نملك بعض المعلومات والتحليلات ارتأينا أن نضعها في متناول القارئ بمناسبة ذكرى الاختطاف.
يتبيّـن لنا أنّ أهمية سماحته لم تكن لبنانية فقط بل هو كان عالمياً وأهم من آية الله الخميني خصوصاً أنّ عدداً كبيراً من الذين جاؤوا مع آية الله الخميني من منفاه من دون ذكر أسمائهم كانوا من جماعة الإمام موسى الصدر… كما أنّ الذين تسلموا الحكم في بداية عهد الخميني كانوا من جماعة الإمام موسى الصدر.
وليس سراً أنه كان هناك خلاف بين الإمام موسى الصدر وبين آية الله الخميني، والخلاف كان عميقاً جداً وعقيدياً دينياً فالخميني لم يكن إيرانياً بل من أصول طائفة السيخ الهندية، والإمام موسى الصدر كان يتمسّك بمبدأ الإسلام، كان يؤمن بعروبة الإسلام وأنّ لغة القرآن هي اللغة العربية، والأهم من هذا وذاك أنّ الإمام موسى الصدر لم يكن يؤمن بولاية الفقيه، وكان هذا يشكل نقطة خلاف أساسية بينهما.
الحكومة الأولى التي تألفت في عهد الخميني كانت تضم أقرب المقرّبين الى الإمام موسى الصدر، وأوّل رئيس للجمهورية كان ابو الحسن بني صدر وكان هو أيضاً على علاقة وصداقة بالإمام المغيّب.
وهنا لا نبالغ إذا قلنا إنه لولا اختطاف الإمام موسى الصدر لما حصلت هذه الأمور.
أولاً- الحرب الايرانية – العراقية، فما هي مصلحة الإسلام والمسلمين في تدمير أهم قوة عربية وقفت ضد إسرائيل ومنعتها من احتلال دمشق في حرب 1973؟
ثانياً- الفتنة السنيّة – الشيعية أطلقتها وقادتها إيران منذ مجيء الخميني الذي رفع شعار التشيّع، وما فعله في سوريا على هذا الصعيد معروف ومفضوح… أمّا سماحة الإمام الصدر فكان يؤمن بأنّ هناك كتاباً واحداً يجمع عليه المسلمون وهو القرآن الكريم ولا يوجد كتاب للسُنّة وآخر للشيعة…
أخيراً، لو نظرنا الى ما حدث في مرحلة تغييب الإمام موسى الصدر لرأينا كم نحن، اليوم، بحاجة له لأن “الموجودين” اليوم للاسف بدلاً من أن يكونوا عقلاء فإنهم دخلوا في لعبة تفتيت الأمة الاسلامية وتغذية الحرب الطائفية التي لم تكن موجودة قبل مجيء الخميني ولو عدنا الى مرحلة السبعينات وتحديداً قبل مجيء الخميني، لم نكن نميز في العالم العربي بين السنّي والشيعي لان الجميع كانوا سواسية.
القوات اللبنانية
بالصور ـ الإمام موسى الصدر على الجبهة المصرية أيام حرب تشرين العام 1973
إثر إندلاع حرب تشرين الشهيرة التي حقّق العرب فيها أوّل انتصار على الكيان الصّهيوني الغاصب.
مقال صحفي للإمام السيد موسى الصدر في الذكرى الرابعة لحرب تشرين
المصدر: مجلة النهار العربي والدولي: 8/10/1977)
الملخص: لقد أطلق القرآن الكريم يوم الفرقان على يوم بدر الكبرى، وهي حرب وقعت بسبب هجوم المشركين من قريش في مكة على المجتمع الإسلامي الناشئ في المدينة، وقد انتهت بهزيمة قريش وانتصار المسلمين..
والفرقان في رأي الاختصاصيين من رجال الحديث والتفسير هو التمييز الذي برز في مقابلة الحق والباطل.. بين التعدي والعدالة، بين غرور قريش وخيلائها (حسب الوصف المشهور آنذاك) وبين الانكسار الذي منيت به أمام المستضعفين من أهل المدينة، وكان ذلك تحولاً في معادلات الحجاز.. بل الجزيرة كلها..
كما أنّ يوم بدر كان فرقاناً بين الضعف المعبري والبداوة والارتجال، وبين التعبئة النفسية التي قام بها الرسول في المعركة الى جانب التخطيط الدقيق الذي أدى الى انتصار أصحابه برغم قلة السلاح والعتاد والعدد والعدة، وبرغم الإحساس الكامن لديهم من عدم التكافؤ بينهم وبين قريش الذي يشير إليه القرآن الكريم بقوله: (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولا)، وهذا التحوّل بدوره كان بداية لصناعة التاريخ الجديد..
وهنا يبدو السبب في اهتمام المسلمين بهذه الحرب ورجالها وشهدائهم حتى كادت أن تصبح “بدر” منعطفاً أو بداية لتاريخهم..
وجاءت حرب تشرين، وكانت في شهر رمضان المبارك، شهر واقعة “بدر” بالذات، وكانت في يوم الغفران (أهم أعياد اليهود)، وعبرت القوات المسلحة العربية القناة وخط بارليف من سيناء، كما عبرت المواقع المحصّنة في الجولان ، وقد اقتربت من نهر الأردن (كما اعترف بذلك شارون أخيراً)..
وتحوّل كبرياء إسرائيل وقدرتها الأسطورية ومناعة مجتمعها وقناعة العالم بأنها وُجدت لتبقى.. وثقة شعبها واليهود في العالم بحكومتها.. تحوّل كل ذلك الى صورة مهزوزة مفكّكة تحتاج في بقائها أيضاً الى دعم مستمر والى جسر جوي ينقل قوة الولايات المتحدة إليها، وتحولت معها ثقة الشعب (اليهودي) الى شكوك واتهامات، مما أدى الى تصاعد الهجرة المعاكسة..
وعادت عند العرب ثقتهم، وتجلّت أمامهم قدراتهم المادية والمعنوية، وأزيحت الغشاوة عن عيون العالم الذي بدأت فيه كل دولة بتعديل أو تغيير في المواقع السياسية والدبلوماسية، وبلغ الأمر حداً أسقطت التنظيمات الدولية الثقافية منها والاجتماعية.. (أسقطت) إسرائيل من العائلة البشرية معتبرةً الصهيونية (وهي قاعدة إسرائيل الأساس) نوعاً من العنصرية التي يرفضها العصر رفضاً مطلقاً..
وسُميّت أيضاً هذه الحرب بـ”يوم العبور”، وهي عبارة أخرى عن معنى كلمة الفرقان، ولعلها تعبير دقيق عن مفهوم يوم الغفران بمعناه الفلسفي..
إنّ النصر الشامل في “يوم العبور” كان نصراً مطلقاً برغم استعادة إسرائيل لأنفاسها ولأسلحتها ولتفوقها
العسكري وبرغم انتقامها المرير من لبنان ومن العرب في لبنان بعدما منعتها الولايات المتحدة من شن حرب عسكرية خاطفة على العرب في سنة 1974 حسب اعترافات رابين في جلسة الكنيست السرية..
إنّ هذا النصر المطلق كان يعني عدم استحالة الانتصار على إسرائيل، وهذا المفهوم سيبقى حتى لو انتصرت إسرائيل في لبنان وجولات أخرى، تماماً مثل الانتصار القرشي في واقعة أُحُد على المسلمين انتقاماً لهزيمة بدر، والتفسير الفلسفي لهذا المبدأ هو التعبير الأوضح والأدقّ، وهو: أنه أتى لا يتخلف ولا يختلف..
وأمام هذه الظاهرة التاريخية التي تكررت مراراً في تاريخ العرب.. في تاريخ المؤمنين بالله جميعاً (مسلمين ومسيحيين).. أجد مسؤوليتي عندما أشارك في تعظيم ذكرى حرب تشرين بهذا المستوى الرفيع..
أقول: أمام هذه الظاهرة أجد مسؤوليتي أن أتحدث عن العنصر الأساس لهذا النوع من الانتصارات والمنعطفات التاريخية، وأن أشير الى تلك القوة الكامنة في الشعوب والتي لو كانت متجلية بالشكل الصحيح وبأبعادها الكاملة لما انقرض شعب ولا انهزم، بل كان دائماً متجدد القوى عزيزاً كريماً فاعلاً في صناعة التاريخ والحضارة شاهداً على الشعوب والأمم كما أراد الله تعالى..
إنّ هذه القوة هي الإيمان بالله، ذلك الإيمان الذي نشاهده في العادة راكداً غائباً عن التفاعلات أو متحولاً الى عصبيات ذميمة، حتى إذا عادت (القوة) صافية فاعلة منفتحة بأبعادها السماوية والإنسانية ونتائجها العلمية والعملية.. وبشموليتها لاستنفار كل طاقات الفرد والمجتمع.. وبعدالتها التي ترفض الانحراف في الهدف والوسيلة معاً، عند ذلك تجعل الإنسان يزيل الغبار ويقوّم الانحراف ويجنّد القوى ويوحّد الشعب، فيصبح تاريخاً جديداً ويدخل في التاريخ من جديد..
إنّ نظرة سريعة الى معالم المعركة تكشف عن اعتمادها التام على سلاح الإيمان بمعناه الصحيح، لا بمفهومه التجريدي أو الطقسي أو الاتكالي أو المنغلق التعصبي العنصري..
– كلمة السر كانت لفظة.. “بدر”.. تعبيراً عن عدالة المعركة ودقة تخطيطها، و(تعبيراً) عن التعبئة التامة المستمدة من التجربة الناجحة، وتذكيراً بالآية القرآنية الكريمة (ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا انهم لا يعجزون، وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).. صدق الله العظيم..
– شعار المعركة كان “الله أكبر”..
– اعتُمدت السرية المطلقة في المعركة، حتى أنّ الحرب كانت مفاجأة للاستخبارات الأمريكية برغم وسائلها وأقمارها الصناعية، وقد أكد ذلك تقرير كورت فالدهايم للأمم المتحدة..
– نجد في السنة التي سبقت الحرب دعوة العرب وللعالم وللأمم المتحدة وللدول جميعاً أن يحولوا دون الحرب وأن يسرعوا الى إحقاق حق العرب السليب، كما نجد إصرار العرب على عكس موقفهم سنة 1967..
– في خطابات قادة الحرب (خاصةً في خطاب الرئيس الأسد) نجد فقرات مدهشة حول عدالة الحرب وعدم الرغبة في القتال والاعتداء (وعدم القبول بالاعتداء على أحد)..
– الالتزام بصدق الإعلام (وعدم المبالغة) بعكس الإعلام الإسرائيلي في هذه الحرب، وبعكس إعلامهم في حرب سنة 1967.
– التخطيط الدقيق للمعركة، حتى محاسبة الجزر والمد والساعة والحالات النفسية للعدو، بالإضافة الى التجارب المتكررة للمرور تحت الماء في القناة ومحاسبة هبوب الرياح في تلال الجولان وغير ذلك.
– مشاركة المسلمين والمسيحيين في مستوى الجنود والقيادات العسكرية وفي المساندة الشعبية.. والتوجه نحو المساجد والكنائس وفي دعوات جميع رجال الدين من أجل تعبئة الناس جميعاً..
– الابتعاد عن المزايدة، وعدم تحمّل الناس والدول دوراً يفوق قدرتهم، ففي مساندة السعودية والخليج، وفي نوعية المهمة التي كُلف بها الأردن، وفي مواقف لبنان الرسمي، وفي مشاركات المساندين.. في كل ذلك شواهد واضحة على هذا التنويع العادل والمحتسب للأدوار..
– المراقب لأجواء دمشق والقاهرة أيام حرب تشرين كان يرى بوضوح ذلك المناخ الروحي الرافع الذي يجنّد كل طاقة ويمنع كل انحراف، فالأسلحة كانت في يد الناس بكثرة، والمواد الغذائية بقيت ضمن الأسعار المحددة، وكان الناس يعيشون في عالم آخر بعيد عن المصالح المادية والذاتية مع استعداد للتضحية حتى الاستشهاد.
لقد كانت طاقات الفرد والأمة مجنَّدة موجَّهة نحو المعركة، والإيمان الصحيح كان العنصر الأساس في هذا التجنيد..
والآن، وفي الذكرى الرابعة لحرب تشرين المجيدة، وفي يوم المحاسبة وتقويم الظاهرة ونتائجها السياسية والاجتماعية والمعنوية، وبعدما انتقمت إسرائيل من لبنان ومن العرب في لبنان.. ومن جنوب لبنان خاصةً.. وبعدما مرّت تجربة فاعلية الإيمان بصوره المتنوعة (الإيمان الطقسي، الإيمان الوراثي الراكد، الإيمان العنصري المنغلق، الإيمان الاتكالي..).. بعد هذه الملاحظات لا نجد صعوبة في اختيار طريقنا في معاركنا العامة مع العدو وفي معركتنا اللبنانية القادمة، معركة الوفاق.. معركة البناء السياسي والاجتماعي والإنمائي والنفسي.. معركة اللحاق بالركب الإنساني المتحضر.. معركة تصحيح الصورة المشوّهة للعالم الذي ينظر إلينا بإشفاق ومرارة..
إنّ طريقنا في لبنان لا يمكن أن يمر إلا على القاعدة الإنمائية المتكاملة: فاعلية الإيمان.. انفتاحه.. أثره على الدراسة والتخطيط.. واختياره للوسائل المتجانسة مع الأهداف الصحيحة..
وأخيراً (وهذا هو المهم) الاحتفاظ بالبُعد الإنساني للإيمان، فمن لا يحب الإنسان ولا يخدمه لا يؤمن بالله عزّ وجل.
NBN
من الذاكرة ـ حين منع الإمام السيد موسى الصدر التسوّل في مدينة صور
ويشير بيطار إلى أنه في أحد الأيام جاء “انتيبا شاكيا للإمام مضاربة جاره كريت له ومحاربته له بالسلاح المذهبي. فما كان من الصدر إلا أن جمع أصحابه داعيا إياهم إلى تناول البوظة في محل انتيبا الذي تفاجأ بخطوة الإمام التي أربكت بدورها كرّيت الذي قصد الصدر على أثرها، معتذرا ومتعهدا بعدم محاربة انتيبا».
اما البصمة الأبرز للصدر بحسب بيطار، فهي منعه التسول في مدينة صور، استنادا إلى فتوى فقهية تنص على ان “الصدقة لا تجوز لمحترف” (التسول تعد حرفة برأي الامام).
ويتابع بيطار أن الصدر عمد بعد ذلك الى انشاء لجان وزعها على أحياء المدينة، ثم قام باقرار مساعدات شهرية وتموينية للفقراء والمعوزين من ابناء المدينة.
NBN