{ ۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِن تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) الإسراء}
قال الطبري في تفسيره :
عني بذلك تعالى ذكره حكم ربك يا محمد بأمره إياكم ألا تعبدوا إلا الله، فإنه لا ينبغي أن يعبد غيره، وقد اختلفت ألفاظ أهل التأويل في تأويل قوله
(وَقَضَى رَبُّكَ ) وإن كان معنى جميعهم في ذلك واحدا.
* ذكر ما قالوا في ذلك: حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) يقول: أمر.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا زكريا بن سلام، قال: جاء رجل إلى الحسن، فقال : إنه طلق امرأته ثلاثا، فقال: إنك عصيتَ ربك، وبانت منك امرأتك، فقال الرجل: قضى الله ذلك عليّ، قال الحسن، وكان فصيحا: ما قضى الله: أي ما أمر الله، وقرأ هذه الآية ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) فقال الناس: تكلم الحسن في القدر.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) : أي أمر ربك في ألا تعبدوا إلا إياه، فهذا قضاء الله العاجل، وكان يُقال في بعض الحكمة: من أرضى والديه: أرض خالقه، ومن أسخط والديه، فقد أسخط ربه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه، وفي حرف ابن مسعود: (وَصَّى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ).
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، قال: ثنا نصير بن أبي الأشعث ، قال: ثني ابن حبيب بن أبي ثابت، عن أبيه، قال: أعطاني ابن عباس مصحفا، فقال: هذا على قراءة أبيّ بن كعب، قال أبو كريب: قال يحيى: رأيت المصحف عند نصير فيه: (وَوَصَّى رَبُّكَ) يعني: وقضى ربك.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) قال: وأوصى ربك.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد، في قوله ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ) قال: أمر ألا تعبدوا إلا إياه.
حدثني الحرث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن أبي إسحاق الكوفي، عن الضحاك بن مزاحم، أنه قرأها(وَوَصَّى رَبُّكَ) وقال: إنهم ألصقوا الواو بالصاد فصارت قافا.
وقوله ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) يقول: وأمركم بالوالدين إحسانا أن تحسنوا إليهما وتبرّوهما. ومعنى الكلام: وأمركم أن تحسنوا إلى الوالدين، فلما حذفت ” أن “ تعلق القضاء بالإحسان، كما يقال في الكلام: آمرك به خيرا، وأوصيك به خيرا، بمعنى: آمرك أن تفعل به خيرا، ثم تحذف ” أن “ فيتعلق الأمر والوصية بالخبر، كما قال الشاعر:
عَجِــبْتُ مِــنْ دَهْمـاءَ إِذْ تَشْـكُونا
ومِــنْ أبــي دَهْمـاءَ إِذْ يُوصِينـا
خَيْرًا بها كأننا جافُونا (1)
وعمل يوصينا في الخير.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ) فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض قرّاء الكوفيين (إِمَّا يَبْلُغَنَّ) على التوحيد على توجيه ذلك إلى أحدهما لأن أحدهما واحد، فوحدوا(يَبْلُغَنَّ) لتوحيده، وجعلوا قوله (أوْ كِلاهُما) معطوفا على الأحد. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفيين(إِما يَبْلُغانَ) على التثنية وكسر النون وتشديدها، وقالوا: قد ذكر الوالدان قبل، وقوله (يَبْلُغانّ) خبر عنهما بعد ما قدّم أسماءهما، قالوا: والفعل إذا جاء بعد الاسم كان الكلام أن يكون فيه دليل على أنه خبر عن اثنين أو جماعة. قالوا: والدليل على أنه خبر عن اثنين في الفعل المستقبل الألف والنون. قالوا: وقوله(أحَدُهُما أوْ كِلاهُما) كلام مستأنف، كما قيل فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وكقوله وَأَسَرُّوا النَّجْوَى ثم ابتدأ فقال الَّذِينَ ظَلَمُوا .
وأولى القراءتين بالصواب عندي في ذلك، قراءة من قرأه (إما يَبْلُغَنَّ) على التوحيد على أنه خبر عن أحدهما، لأن الخبر عن الأمر بالإحسان في الوالدين، قد تناهى عند قوله (وَبالوَالِدَيْنِ إحْسانا) ثم ابتدأ قوله ( إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ).
وقوله ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ) يقول: فلا تؤفف من شيء تراه من أحدهما أو منهما مما يتأذّى به الناس، ولكن اصبر على ذلك منهما، واحتسب في الأجر صبرك عليه منهما، كما صبرا عليك في صغرك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن محبب، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا ) قال: إن بلغا عندك من الكبر ما يبولان ويخرآن، فلا تقل لهما أف تقذّرهما.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين ، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد إما يَبْلُغانَّ عِندك الكبر فلا تَقُل لهما أف حين ترى الأذى، وتميط عنهما الخلاء والبول ، كما كانا يميطانه عنك صغيرا، ولا تؤذهما.
وقد اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ” أفّ”، فقال بعضهم: معناه:
كلّ ما غلظ من الكلام وقبُح. وقال آخرون: الأفّ: وسخ الأظفار والتف كلّ ما رفعت بيدك من الأرض من شيء حقير، وللعرب في ” أُفّ” لغات ستّ رفعها بالتنوين وغير التنوين وخفضها كذلك ونصبها، فمن خفض ذلك بالتنوين ، وهي قراءة عامة أهل المدينة، شبهها بالأصوات التي لا معنى لها، كقولهم في حكاية الصوت غاق غاق، فخفضوا القاف ونوّنوها، وكان حكمها السكون، فإنه لا شيء يعربها من أجل مجيئها بعد حرف ساكن وهو الألف، فكرهوا أن يجمعوا بين ساكنين، فحرّكوا إلى أقرب الحركات من السكون، وذلك الكسر، لأن المجزوم إذا حرّك، فإنما يحرّك إلى الكسر، وأما الذين خفضوا بغير تنوين، وهي قراءة عامة قرّاء الكوفيين والبصريين، فإنهم قالوا: إنما يدخلون التنوين فيما جاء من الأصوات ناقصا، كالذي يأتي على حرفين مثل: مه وصه وبخ، فيتمم بالتنوين لنقصانه عن أبنيه الأسماء. قالوا: وأفّ تامّ لا حاجة بما إلى تتمته بغيره، لأنه قد جاء على ثلاثة أحرف.
قالوا: وإنما كسرنا الفاء الثانية لئلا نجمع بين ساكنين. وأما من ضمّ ونوّن ، فإنه قال: هو اسم كسائر الأسماء التي تُعرف وليس بصوت، وعدل به عن الأصوات، وأما من ضمّ ذلك بغير تنوين، فإنه قال: ليس هو بأسم متمكن فيُعرب بإعراب الأسماء المتمكنة، وقالوا: نضمه كما نضمّ قوله لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ، وكما نضمّ الاسم في النداء المفرد، فنقول: يا زيد. ومن نصبه بغير تنوين، وهو قراءة بعض المكيين وأهل الشام فإنه شبهه بقولهم: مدّ يا هذا وردّ. ومن نصب بالتنوين، فإنه أعمل الفعل فيه، وجعله اسما صحيحا، فيقول: ما قلت له: أفا ولا تفا. وكان بعض نحويي البصرة يقول: قُرِئت: أفّ، وأفا لغة جعلوها مثل نعتها. وقرأ بعضهم ” أُفّ”، وذلك أن بعض العرب يقول: ” أفّ لك “ على الحكاية: أي لا تقل لهما هذا القول. قال: والرفع قبيح، لأنه لم يجيء بعده بلام، والذين قالوا: ” أُفّ” فكسروا كثير ، وهو أجود. وكسر بعضهم ونوّن. وقال بعضهم: ” أفي”، كأنه أضاف هذا القول إلى نفسه، فقال: أفي هذا لكما، والمكسور من هذا منوّن وغير منوّن على أنه اسم غير متمكن، نحو أمس وما أشبهه، والمفتوح بغير تنوين كذلك. وقال بعض أهل العربية: كل هذه الحركات الستّ تدخل في ” أفّ” حكاية تشبه بالاسم مرّة وبالصوت أخرى. قال: وأكثر ما تُكسر الأصوات بالتنوين إذا كانت على حرفين مثل صه ومه وبخ. وإذا كانت على ثلاثة أحرف شبهت بالأدوات ” أفَّ” مثل: ليت ومَدَّ، وأُفَّ مثل مُدَّ يُشبه بالأدوات (2) . وإذا قال أَفَّ مثل صَهَّ. وقالوا سمعت مِضَّ يا هذا ومِضُّ. وحُكي عن الكسائي أنه قال: سمعت ” ما علمك أهلك إلا مِضٍّ ومِضُّ”، وهذا كإِفٍّ وأفُّ. ومن قال: ” أُفًّا “ جعله مثل سُحْقا وبُعدا.
والذي هو أولى بالصحة عندي في قراءة ذلك، قراءة من قرأه (فلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ) بكسر الفاء بغير تنوين لعلَّتين: إحداهما: أنها أشهر اللغات فيها وأفصحها عند العرب؛ والثانية: أن حظّ كلّ ما لم يكن له معرّب من الكلام السكون؛ فلما كان ذلك كذلك. وكانت الفاء في أفّ حظها الوقوف، ثم لم يكن إلى ذلك سبيل لاجتماع الساكنين فيه، وكان حكم الساكن إذا حُرّك أن يحرّك إلى الكسر حرّكت إلى الكسر، كما قيل: مُدِّ وشُدِّ ورُدِّ الباب.
وقوله (وَلا تَنْهَرْهُما) يقول جلّ ثناؤه: ولا تزجُرهما.
كما حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمَسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا واصل الرَّقاشيّ، عن عطاء بن أبي رَباح، في قوله ( فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا ) قال : لا تنفض يدك على والديك، يقال منه: نَهَرَه يَنهره نَهْرا، وانتهره ينتهره انتهارا.
وأما قوله ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) فإنه يقول جلّ ثناؤه: وقل لهما قولا جميلا حسنا.
كما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) قال: أحسن ما تجد من القول.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن عبد الله بن المختار، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب ( قَوْلا كَرِيما) قالا لا تمتنع من شيء يريدانه.
قال أبو جعفر: وهذا الحديث خطأ، أعني حديث هشام بن عُروة، إنما هو عن هشام بن عروة، عن أبيه، ليس فيه عمر، حدّث عن ابن عُلية وغيره، عن عبد الله بن المختار.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) : أي قولا ليِّنا سهلا.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني حَرْملة بن عمران، عن أبي الهَدَّاج التُّجِيبي، قال: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما ذكر الله عزّ وجلّ في القرآن من برّ الوالدين، فقد عرفته، إلا قوله ( وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا ) ما هذا القول الكريم؟ فقال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظّ.
————————-
الهوامش :
(1) الأبيات الثلاثة من مشطور الرجز . وهي من شواهد الفراء في ( معاني القرآن ص 178) قال : والعرب تقول : أوصيك به خيرا ، وآمرك به خيرا ، وكأن معناه : آمرك أن تفعل به خيرا ، ثم تحذف أن ، فتوصل الخير بالوصية وبالأمر ، قال الشاعر : “عجبت … الأبيات” .
(2) ليس كلام المؤلف في تخريج اللغات الست في كلمة ” أف” واضحا ،وقد بينته المعاجم (اللسان : أفف) ، انظر معاني القرآن للفراء (مصورة الجامعة رقم 24059 ص 179) ففيه ما يوضح هذا الموضع من كلام المؤلف ، وهو كثير لم نرد أن نطول به ذيول الكتاب.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن هشام بن عروة ، عن أبيه، في قوله: ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: لا تمتنع من شيء يُحبانه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الأشجعي ، قال: سمعت هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: هو أن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحبَّاه.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: لا تمتنع من شيء أحباه.
حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُليَة، عن عبد الله بن المختار، عن هشام بن عروة، عن أبيه، في قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: هو أن لا تمتنع من شيء يريدانه.
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المقرئ أبو عبد الرحمن، عن حرملة بن عمران، عن أبي الهداج، قال: قلت لسعيد بن المسيب: ما قوله ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) قال: ألم تر إلى قول العبد المذنب للسيد الفظّ الغليظ. والذُّلّ بضم الذال والذّلَّة مصدران من الذليل، وذلك أن يتذلل، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل: قد ذَلَلت لك أذلّ ذلة وذلا وذلك نظير القلّ والقلة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذُّلّ، والقاف من القُلّ، وإذا أثبتت الهاء كُسِرت الذال من الذِّلة، والقاف من القِلَّة، لما قال الأعشى:
وَمَا كُنْتُ قُلا قبلَ ذلكَ أزْيَبَا (3)
يريد: القلة، وأما الذِّل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذَّلول من قولهم: دابة ذَلول: بينة الذلّ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة.
ومنه قول الله جلّ ثناؤه هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا يُجمع ذلك ذُلُلا كما قال جلّ ثناؤه فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا . وكان مجاهد يتأوّل ذلك أنه لا يتوعَّر عليها مكان سلكته.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الحجاز والعراق والشام ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ ) بضمّ الذال على أنه مصدر من الذليل. وقرأ ذلك سعيد بن جبير وعاصم الجَحْدَرِيّ: (جَناحَ الذِّلّ) بكسر الذال.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا بهز بن أسد، قال: ثنا أبو عَوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال: كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذلولا.
حدثنا نصر بن عليّ، قال: أخبرني عمر بن شقيق، قال: سمعت عاصما الجحدري يقرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) قال: كن لهما ذليلا ولا تكن لهما ذَلولا.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عمر بن شقيق، عن عاصم، مثله.
قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل الذي تأوّله عاصم كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها وبكسرها.
حدثنا نصر وابن بشار؛ وحُدثت عن الفراء، قال: ثني هشيم، عن أبي بشر جعفر بن إياس. عن سعيد بن جبير، أنه قرأ (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذِّلِّ) قال الفرّاء: وأخبرني الحكم بن ظهير، عن عاصم بن أبى النَّجود، أنه قرأها الذِّلّ أيضا، فسألت أبا بكر فقال: الذِّل قرأها عاصم.
وأما قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) فإنه يقول: ادع الله لوالديك بالرحمة، وقل ربّ ارحمهما، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك، كما تعطفا عليّ في صغري، فرحماني وربياني صغيرا، حتى استقللت بنفسي، واستغنيت عنهما.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) هكذا عُلِّمتم، وبهذا أمرتم، خذوا تعليم الله وأدبه، ذُكر لنا ” أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو مادّ يديه رافع صوته يقول: مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيهِ أوْ أحَدَهُما ثُمَّ دَخَلَ النَّارَ بَعْدَ ذلكَ فأبْعَدَهُ الله وأسْحَقَهُ”. ولكن كانوا يرون أنه من بَرّ والديه، وكان فيه أدنى تُقى، فإن ذلك مُبْلِغه جسيم الخير، وقال جماعة من أهل العلم: إن قول الله جلّ ثناؤه ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) منسوخ بقوله مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ) ثم أنـزل الله عزّ وجلّ بعد هذا مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى .
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قال في سورة بني إسرائيل (إمَّا يَبْلُغانّ عِنْدَكَ الكِبَرَ أحَدهُمُا أو كِلاهُما)…. إلى قوله ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا )فنسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى … الآية.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس ( وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا )…. الآية، قال: نسختها الآية التي في براءة مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . .. الآية.
وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عامًّا في كلّ الآباء بغير معنى النسخ، بأن يكون تأويلها على الخصوص، فيكون معنى الكلام: وقل ربّ ارحمهما إذا كانا مؤمنين، كما رَبياني صغيرا، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء. وعَنَى بقوله ربياني: نَمَّياني .
——————
الهوامش :
(3) هذا عجز بيت للأعشى ميمون بن قيس ( ديوان طبع القاهرة ، بشرح الدكتور محمد حسين ص 115)من قصيدة يهجو بها عمرو بن المنذر بن عبدان ، ويعاتب بني سعد بن قيس : وصدره : “فأرضوه أن أعطوه مني ظلامة” . وقال في (لسان العرب: زيب) الأزيب: الدعي ؛ قال الأعشى يذكر رجلا من قيس عيلان ، كان جارا لعمرو بن المنذر ، وكان اتهم هداجا قائد الأعشى بأنه سرق راحلة له ، لأنه وجد بعض لحمها في بيته ، فأخذ هداج وضرب والأعشى جالس ؛ فقام ناس منهم فأخذوا من الأعشى قيمة الراحلة ، فقال الأعشى :
دَعـا رَهْطَـهُ حَـوْلِي فَجَاءُوا لِنَصْرِهِ
وَنَــادَيْتُ حَــيًّ بالمُسَــانَّاهِ غُيَّبًـا
فَـأَعْطَوْهُ مِنِّـيَ النِّصْفَ أَوْ ضَعْفُوا لَهُ
وَمـا كُـنْتُ قُـلاّ قَبْـلَ ذَلِـكَ أَزْيَبَــا
أي كنت غريبا في ذلك الموضع ، لا ناصر لي . والنصف : النصفة . يقول : أرضوه وأعطوه النصف أو فوقه . والقل من الرجال الخسيس ، ومنه قول الأعشى . أ هـ .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي وعمي عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير ( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ) قال: البادرة تكون من الرجل إلى أبويه لا يريد بذلك إلا الخير، فقال ( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ).
حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرني أبي، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، بمثله.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، عن حبيب بن أبي ثابت، في قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هو الرجل تكون منه البادرة إلى أبويه وفي نيته وقلبه أنه لا يؤاخَذ به.
واختلف أهل التأويل، في تأويل قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا )
فقال بعضهم: هم المسبِّحون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة؛ وحدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: المسبحين.
حدثني الحارث، قال : ثنا الحسن، قال: ثنا أبو خيثمة زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمرو بن شرحبيل، قال: الأوّاب: المسبح.
وقال آخرون: هم المطيعون المحسنون.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) يقول: للمطيعين المحسنين.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هم المطيعون، وأهل الصلاة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: للمطيعين المصلين.
وقال آخرون: بل هم الذين يصلون بين المغرب والعشاء.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن أبي صخر حميد بن زياد، عن ابن المنكدر يرفعه ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الصلاة بين المغرب والعشاء.
وقال آخرون: هم الذين يصلُّون الضُّحَى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمرو بن عليّ، قال: ثنا رباح أبو سليمان الرقاء، قال: سمعت عونا العُقيليّ يقول في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذين يصلون صلاة الضحى.
وقال آخرون: بل هو الراجع من ذنبه، التائب منه.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن الوليد القرشيّ، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب أنه قال في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يصيب الذنب ثم يتوب ثم يصيب الذنب ثم يتوب.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان بن داود، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب في هذا الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ).
حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه سمع سعيد بن المسيب يُسْأَل عن هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هو الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، بنحوه.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن سعيد بن المسيب، بنحوه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: هو العبد يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: فذكر مثله.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزّاق، قال: أخبرنا الثَّوريّ ومعمر، عن يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب، قال: الأوّاب: الذي يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب، ثم يذنب ثم يتوب.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الراجعين إلى الخير.
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد وأبو داود وهشام، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، بنحوه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان؛ وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، جميعا عن منصور، عن مجاهد عن عبيد بن عمير ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يذكر ذنوبه في الخلاء، فيستغفر الله منها.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوريّ، عن منصور ، عن مجاهد، قال: الأوّاب: الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر الله منها.
حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر ، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، أنه قال في هذه الآية ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يذكر ذنبه ثم يتوب.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قالا ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله جلّ ثناؤه (للأوَّابِين غَفُورًا) قال: الأوّابون: الراجعون التائبون.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.
قال ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: الرجل يذنب ثم يتوب ثلاثا.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير، قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: الذي يتذكر ذنوبه، فيستغفر الله لها.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن شريح، عن عقبة بن مسلم، عن عطاء بن يسار، أنه قال في قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) يذنب العبد ثم يتوب، فيتوب الله عليه؛ ثم يذنب فيتوب، فيتوب الله عليه؛ ثم يذنب الثالثة، فإن تاب، تاب الله عليه توبة لا تُمْحَى.
وقد رُوي عن عبيد بن عمير، غير القول الذي ذكرنا عن مجاهد، وهو ما حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، في قوله ( فَإِنَّهُ كَانَ لِلأوَّابِينَ غَفُورًا ) قال: كنا نَعُدّ الأوّاب: الحفيظ، أن يقول: اللهمّ اغفر لي ما أصبت في مجلسي هذا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: الأوّاب: هو التائب ما الذنب، الراجع من معصية الله إلى طاعته، ومما يكرهه إلى ما يرضاه، لأن الأوّاب إنما هو فعَّال، من قول القائل: آب فلان من كذا إما من سفره إلى منـزله، أو من حال إلى حال، كما قال عَبيد بن الأبرص:
وكُــــلُّ ذِي غَيْبَـــةٍ يَئُـــوبُ
وغـــائِبُ المَـــوْتِ لا يَئُــوبُ (4)
فهو يئوب أوبا ، وهو رجل آئب من سفره، وأوّاب من ذنوبه.
————————
الهوامش :
(4) البيت لعبيد بن الأبرص الشاعر الجاهلي (ديوانه ص 7 طبعة ليدن سنة 1913) من قصيدته التي مطلعها: “أقفر من أهله ملحوب” . يقول : كل غائب تنتظر أوبته ، إلا من مات فلا أوبة له إلى الدنيا. والبيت شاهد على أن الأواب الرجاع، الذي يرجع إلى التوبة والطاعة، من آب يئوب إذا رجع (انظر اللسان: أوب). وفيه أيضا : قال أبو بكر في قولهم : رجل أواب ، سبعة أقوال : الراحم ، والتائب ، والمسبح ، والذي يرجع إلى التوبة ثم يذنب ثم يتوب ، والمطيع، والذي يذكر ذنبه في الخلاء ، فيستغفر الله منه. أ هـ . وكل هذه المعاني راجعة إلى المعنى اللغوي ، وهو الرجوع عن الشيء إلى غيره.