الشارح المسلم :
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، القرشي، الأموي المكي، ثم المدني أبو عمرو، ويقال: أبو عبد الله ، أبو ليلى.
ولد في السنة السادسة من الفيل، وأسلم قديمًا، وهو ممن دعاه الصديق إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين: الأولى إلى الحبشة، والثانية إلى المدينة.
وتزوج رقية بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم- قبل النبوة، وماتت عنده في ليالي غزوة بدر، فتأخر عن بدر لتمريضها، بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب له بسهمه وأجره، فهو معدود في البدريين بذلك.
وجاء البشير بنصر المسلمين ببدر يوم دفنوها بالمدينة، فزوجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدها أختها أم كلثوم، وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة.
قال العلماء: ولا يعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره، ولذلك سمي ذو النورين: فهو من السابقين الأولين، وأول المهاجرين، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ، وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن
1تولى الخلافة سنة 23 هـ وحتى 35هـ.
وأخرج ابن عدي عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنته أم كلثوم قال لها: “إن بعلك أشبه الناس بجدك إبراهيم وأبيك محمد”1.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنا نشبه عثمان بأبينا إبراهيم“.
1 أخرجه ابن عدي في الكامل “134/5“.
وأخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع ثيابه حين دخل عثمان، وقال: “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة”2.
وأخرج البخاري عن أبي عبد الرحمن السلمي: أن عثمان حين حوصر أشرف عليهم، فقال: أنشدكم بالله، ولا أنشد إلا أصحاب النبي، ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من جهز جيش العسرة فله الجنة؟” فجهزتهم، ألستم تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “من حفر بئر رومة فله الجنة؟” فحفرتها، فصدقوه بما قال3.
وأخرج الترمذي عن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يحث على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله! عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله! علي مائتا بعيرٍ بأحلاساها وأقتابها في سبيل الله، ثم حض على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله عليّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل رسول الله يقول: “ما على عثمان ما عمل بعد هذه شيء”4.
وأخرج الترمذي عن أنس، والحاكم وصححه، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: “ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم” مرتين5.
أخرجه مسلم “2401/4“.
3 أخرجه البخاري “2778/5”.
4 أخرجه الترمذي “3700/5″، وقال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث السكن بن المغيرة.
5 أخرجه الترمذي “3701/5″، والحاكم في المستدرك “102/3″، وقال أبو عيسى: حسن غريب من هذا الوجه.
وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتنة فقال: “يقتل فيها هذا مظلومًا” لعثمان.
وأخرج الترمذي، والحاكم وصححه، وابن ماجه، عن مرة بن كعب قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر فتنة يقر بها، فمر رجل مقنع في ثوب قال: “هذا يومئذ على الهدى” فقمت إليه فإذا هو عثمان بن عفان، فأقلبت إليه بوجهي فقلت: هذا؟ قال: “نعم”1.
وأخرج الترمذي والحاكم عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “يا عثمان، إنه لعل الله يقمصك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه فلا تخلعه حتى تلقاني”.
وأخرج الترمذي عن عثمان أنه قال يوم الدار: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- عهد إلَيّ عهدًا، فأنا صابر عليه.
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة قال: اشترى عثمان الجنة من النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين: حيث حفر بئر رومة، وحيث جهز جيش العسرة.
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “عمان من أشبه أصحابي بي خلقًا“.
وأخرج الطبراني عن عصمة بن مالك قال: لما ماتت بنت الرسول -صلى الله عليه وسلم- تحت عثمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “زوجوا عثمان، لو كان لي ثالثة لزوجته، وما زوجته إلا بالوحي من الله”2.
وأخرج ابن عساكر عن علي -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لعثمان: “لو أن لي أربعين ابنة زوجتك واحدة بعد واحدة حتى لا يبقى منهن واحدة“.
وأخرج ابن عساكر عن زيد بن ثابت قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “مر بي عثمان وعندي ملك من الملائكة فقال: شهيد يقتله قومه، إنا نستحي منه”.
وأخرج أبو يعلى عن ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الملائكة لتستحي من عثمان كما تستحيي من الله ورسوله“.
1 أخرجه الترمذي “3704/5″، والحاكم في المستدرك “102/3“.
2 أخرجه الطبراني في الكبير “490/17”.
قال الزهري: ولي عثمان الخلافة اثنتي عشرة سنة يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه
شيئًا، وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب، لأن عمر كان شديدًا عليها، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم توانى في أمرهم واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر وكتب لمروان بخمس إفريقيه، وأعطى أقرباءه وأهل بيته المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه ذلك. أخرجه ابن سعد.
وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن الزهري قال: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان مقتل عثمان؟ وما كان شأن الناس وشأنه؟ ولم خذله أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال ابن المسيب: قتل عثمان مظلومًا، ومن قتله كان ظالِمًا، ومن خذله كان معذورًا، فقلت: كيف كان ذلك؟ قال: إن عثمان لما ولي كره ولايته نفر من الصحابة؛ لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة سنة، وكان كثيرًا ما يولي بني أمية ممن لم يكن له مع رسول الله صحبة، فكان يجيء من أمرائه ما ينكره أصحاب محمد، وكان عثمان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، وذلك في سنة خمس وثلاثين، فلما كان في الست الأواخر استأثر بني عمه فولاهم وما أشرك معهم، وأمرهم بتقوى الله، فولى عبد الله بن أبي سرح مصر فمكث عليها سنين، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كان قبل ذلك من عثمان هنات إلى عبد الله بن مسعود، وأبي ذر، وعمار بن ياسر، فكانت بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها لحال ابن مسعود، وكانت بنو غفار وأحلافها ومن غضب لأبي ذر في قلوبهم ما فيها، وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر، وجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح، فكتب إليه كتابًا يتهدد فيه، فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان، وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان من أهل مصر ممن كان أتى عثمان فقتله، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل، فنزلوا المسجد وشكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم، فقام طلحة بن عبيد الله فكلم عثمان بكلام شديد، وأرسلت عائشة -رضي الله عنها- إليه فقالت: تقدم إليك أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت؟! فهذا قد قتل منهم رجلًا فأنصفهم من عاملك، ودخل عليه علي بن أبي طالب فقال: إنما يسألونك رجلًا مكان رجل، وقد ادعوا قبله دمًا، فاعزله عنهم واقض بينهم فإن وجب عليه حق فأنصفهم منه، فقال لهم: اختاروا رجلًا أوليه عليكم مكانه، فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر، فقالوا: استعمل علينا محمد بن أبي بكر، فكتب عهده وولاه وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وابن أبي سرح، فخرج محمد ومن معه، فلما كان على مسيرة ثلاثة أيام من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير يخبط خبطًا كأنه رجل يطلب أو يطلب، فقال له أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب فقال لهم: أنا غلام أمير المؤمنين، وجهني إلى عام مصر، فقال له رجل: هذا عامل مصر، قال: ليس هذا ما أريد، وأخبر بأمره محمد بن أبي بكر، فبعث في طلبه رجلًا، فأخذه فجاء به إليه، فقال: غلام من أنت؟ فأقبل مرة يقول:أنا غلام أمير المؤمنين، ومرة يقول: أنا غلام مروان، حتى عرفه رجل أنه لعثمان، فقال له محمد: إلى من أرسلت؟ قال: إلى عامل مصر، قال: بماذا؟ قال: برسالة، قال: معك كتاب؟ قال: لا، ففتشوه فلم يجدوا معه كتابًا، وكانت معه إداوة قد يبست فيها شيء يتقلقل، فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الإداوة فإذا بها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح، فجمع محمد من كان عنده من المهاجرين والأنصار وغيرهم، ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه: إذا أتاك محمد وفلان وفلان فاحتل في قتلهم، وأبطل كتابه، وقر على عملك حتى يأتيك رأيي، واحبس من يجيء إليّ يتظلم منك ليأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله تعالى، فلما قرءوا الكتاب فزعوا وأزمعوا، فرجعوا إلى المدينة، فجمعوا طلحة، والزبير، وعليًّا، وسعدًا، ومن كان من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم فضوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصة الغلام وأقرءوهم الكتاب، فلم يبقَ أحد من أهل المدينة إلا حنق على عثمان، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر حنقًا وغيظًا وقام أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فلحقوا بمنازلهم ما منهم أحد إلا وهو مغتم لما قرءوا الكتاب وحاصر الناس عثمان سنة خمس وثلاثين وأجلب عليه محمد بن أبي بكر ببني تيم وغيرهم، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من الصحابة كلهم بدري، ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب، والغلام، والبعير، فقال له علي: هذا الغلام غلامك؟ قال: نعم، قال: والبعير بعيرك؟ قال: نعم، قال: فأنت كتبت هذا الكتاب؟ قال: لا، وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا علم لي به. قال له علي: فالخاتم خاتمك؟ قال: نعم، قال: فكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتاب عليه خاتمك لا تعلم به؟ فحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب، ولا أمرت به، ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط، وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان، وشكوا في أمر عثمان وسألوه أن يدفع إليهم مروان، فأبى وكان مروان عنده في الدار فخرج أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- من عنده غضابًا، وشكوا في أمره، وعلموا أن عثمان لا يحلف بباطل، إلا أن قومًا قالوا: لن يبرأ عثمان من قلوبنا إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحثه، ونعرف حال الكتاب، وكيف يأمر بقتل رجل من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- بغير حق؟ فإن يكن عثمان كتبه عزلناه، وإن يكن مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا ما يكون منا في أمر مروان، ولزموا بيوتهم، وأبى عثمان أن يخرج إليهم مروان، وخشى عليه القتل، وحاصر الناس عثمان، ومنعوه الماء، فأشرف على الناس فقال: أفيكم علي؟ فقالوا: لا، قال: أفيكم سعد؟ قالوا: لا، فسكت ثم قال: ألا أحد يبلغ عليًّا فيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليًّا، فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما كادت تصل إليه، وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصل الماء إليه فبلغ عليًّا أن عثمان يراد قتله، فقال: إنما أردنا منه مروان، فأما قتل عثمان فلا، وقال للحسن والحسين: إذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا أحدًا يصل إليه وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عدة من
أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان، ويسألونه إخراج مروان، فلما رأى الناس ذلك رموا باب عثمان بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بالدماء على بابه، وأصاب مروانَ سهمٌ وهو في الدار، وخضب محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى علي، فخشى محمد بن أبي بكر أن يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيروها فتنة، فأخذ بيد الرجلين فقال لهما: إن جاءت بنو هاشم فرأوا الدماء على وجه الحسن كشف الناس عن عثمان وبطل ما نريد، ولكن اذهبوا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم به أحد، فتسور محمد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان، ولا يعلم أحد ممن كان معه؛ لأن كل من كان معه كانوا فوق البيوت، ولم يكن معه إلا امرأته، فقال لهما محمد: مكانكما، فإن معه امرأته حتى أبدأكما بالدخول، فإذا أن ضبطته فادخلا فتوجآه حتى تقتلاه، فدخل محمد فأخذ1بلحيته، فقال له عثمان: والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده، ودخل الرجلان عليه فتوجآه حتى قتلاه، وخرجوا هاربين من حيث دخلوا، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها لما كان في الدار من الجلبة، وصعدت امرأته إلى الناس فقالت: إن أمير المؤمنين قد قتل، فدخل الناس فوجدوه مذبوحا، وبلغ الخبر عليًّا، وطلحة، والزبير، وسعد، ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على عثمان، فوجدوه مقتولًا، فاسترجعوا، وقال علي لابنيه: كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة، وعبد الله بن الزبير، وخرج وهو غضبان حتى أتى منزله وجاء الناس يهرعون إليه فقالوا له: نبايعك فمد يدك فلابد من أمير، فقال علي: ليس ذلك إليكم، إنما ذلك إلى أهل بدر فمن رضي به من أهل بدر فهو خليفة، فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليًّا، فقالوا له: ما نرى أحدًا أحق بها منك؟ مد يدك نبايعك، فبايعوه، وهرب مروان وولده وجاء علي إلى امرأة عثمان فقا لها: من قتل عثمان؟ قالت: لا أدري، دخل عليه رجلان لا أعرفهما ومعهما محمد بن أبي بكر، وأخبرت عليًّا والناس بما صنع محمد فدعا علي محمدًا فسأله عما ذكرت امرأة عثمان؟ فقال محمد: لم تكذب، قد والله دخلت عليه وأنا أريد قتله فذكرني أبي فقمت عنه وأنا تائب إلى الله تعالى، والله ما قتلته ولا أمسكته، فقالت امرأته: صدق ولكنه أدخلهما.
وأخرج أحمد عن المغيرة بن شعبة أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام العامة، وقد نزل بك ما ترى، وإني أعرض عليك خصالًا ثلاثًا: إحداهن: إما أن تخرج فتقاتلهم فإن معك عددًا وقوة، وأنت على الحق وهم على باطل، وإما أن نخرق لك بابًا سوى الباب الذي هم عليه، فتقعد على راحلتك، فتلحق بمكة، فإنهم لن يستحلوك وأنت بها، وإما أن تلحق بالشام فإنهم أهل الشام وفيهم معاوية، فقال عثمان: إما أن أخرج
فأقاتل فلن أكون أول من خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه نصف عذاب العالم”. فلن أكون أنا وأما أن ألحق بالشام فلن أفارق دار هجرتي ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم1
1 أخرجه أحمد في المسند “64/1”.
وأخرج ابن عساكر عن أبي ثور الفهمي قال: دخلت على عثمان وهو محصور فقال: لقد اختبأت عند ربي عشرًا، وإني لرابع أربعة في الإسلام، وأنكحني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته، ثم توفيت فأنكحني ابنته الأخرى، وما تغنيت، ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على فرجي منذ بايعت النبي -صلى الله عليه وسلم- وما مرت بي جمعة منذ أسلمت إلا وأنا أعتق فيها رقبة إلا أن يكون عندي شيء فأعتقها بعد ذلك، ولا زنيت في جاهلية ولا إسلام قط، ولا سرقت في جاهلية ولا إسلام قط، ولقد جمعت القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان قتل عثمان في أوسط أيام التشريق من سنة خمس وثلاثين، وقيل: قتل يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة، ودفن ليلة السبت، بين المغرب والعشاء، في حش كوكب بالبقيع، وهو أول من دفن به، وقيل: كان يوم قتله يوم الأربعاء، وقيل: يوم الاثنين لستٍ بقين من ذي الحجة، وكان له يوم قتل اثنتان وثمانون سنة، وقيل: إحدى وثمانون سنة، وقيل: أربع وثمانون وقيل: ست وثمانون، وقيل ثمانٍ أو تسع وثمانون، وقيل: تسعون قال قتادة: صلى عليه الزبير ودفنه وكان أوصى بذلك إليه.
وأخرج ابن عدي وابن عساكر من حديث أنس مرفوعًا: “إن لله سيفًا مغمودًا في غمده ما دام عثمان حيًّا، فإذا قتل عثمان جرد ذلك السيف فلم يغمد إلى يوم القيامة”. تفرد به عمرو بن فائد، وله مناكير.
وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أبي حبيب قال: بلغني أن عامة الركب الذين ساروا إلى عثمان عامتهم جنوا.
وأخرج عن حذيفة قال: أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره.
وأخرج عن ابن عباس قال: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء.
وأخرج عن الحسن قال: قتل عثمان وعلي غائب في أرض له، فلما بلغه قال: اللهم إني لم أرض ولم أمالئ.
وأخرج الحاكم وصححه عن قيس بن عباد قال: سمعت عليًّا يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي وجاؤوني للبيعة فقلت: والله إني لأستحيي أن أبايع قومًا قتلوا عثمان، وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما رجع الناس فسألوني البيعة، قلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت فقالوا: يا أمير المؤمنين، فكأنما صدع قلبي،
وقلت: اللهم، خذ مني لعثمان حتى ترضي1.
أخرجه الحاكم في المستدرك “95/3″، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
وأخرج ابن عساكر عن أبي خلدة الحنفي قال: سمعت عليًّا يقول: إن بني أمية يزعمون أني قتلت عثمان، ولا والله الذي لا إله إلا هو ما قتلت ولا مالأت، ولقد نهيت فعصوني.
وأخرج عن سمرة قال: إن الإسلام كان في حصن حصين، وإنهم ثلموا في الإسلام ثلمة بقتلهم عثمان لا تسد إلى يوم القيامة، وإن أهل المدينة كانت فيهم الخلافة فأخرجوها ولم تعد فيهم.
وأخرج عن محمد بن سيرين قال: لم تفقد الخيل البلق2 في المغازي والجيوش حتى قتل عثمان، ولم يختلف في الأهلة حتى قتل عثمان، ولم تر هذه الحمرة التي في آفاق السماء حتى قتل الحسين
2بالتحريك: سواد وبياض كالبلقة بالضم وارتفاع التحجيل. القاموس المحيط “22/3“.2
وأخرج عبد الرزاق في مصنفه عن حميد بن هلال قال: كان عبد الله بن سلام يدخل على محاصري عثمان فيقول: لا تقتلوه، فوالله لا يقتله رجل منكم إلا لقى الله أجذم لا يد له، وإن سيف الله لم يزل مغمودًا، وإنكم والله إن قتلتموه ليسلنَّه الله، ثم لا يغمده عنكم أبدًا، وماقتل نبي قط إلا قتل به سبعون ألفًا، ولا خليفة إلا قتل به خمسة وثلاثون ألفًا قبل أن يجتمعوا.
وأخرج ابن عساكر عن عبد الرحمن بن مهدي قال: خصلتان لعثمان ليستا لأبي بكر ولا لعمر رضي الله عنهما: صبره على نفسه حتى قتل، وجمعه الناس على المصحف.
وأخرج الحاكم3 عن الشعبي قال: ما سمعت من مراثي عثمان أحسن من قول كعب بن مالك حيث قال:
فكف يديه ثم أغلق بابه وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لأهل الدار لا تقتلوهم عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم العداوة والبغضاء بعد التواصل؟
وكيف رأيت الخير أدبر بعده عن الناس إدبار الرياح الجوافل؟
أخرجه الحاكم في المستدرك “105/3“.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عمر: أن جهجاه الغفاري قام إلى عثمان وهو على المنبر يخطب، فأخذ العصا من يده فكسرها على ركبته فما حال الحول على جهجاه حتى أرسل الله في رجله الأكلة، فمات منها.
قال العسكري في الأوائل: هو أول من أقطع القطائع، وأول من حمى الحمى، وأول من خلفض صوته بالتكبير، وأول من خلق المسجد1، وأول من أمر بالأذان الأول في الجمعة،وأول من رزق المؤذنين، وأول من أرتج عليه في الخطبة فقال: أيها الناس، إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء وسيعلمنا الله. أخرجه ابن سعد، وأول من قدم الخطبة في العيد على الصلاة، وأول من فوض إلى الناس إخراج زكاتهم، وأول من ولي الخلافة في حياة أمه، وأول من اتخذ صاحب شرطة، وأول من اتخذ المقصورة في المسجد خوفًا أن يصيبه ما أصاب عمر، وهذا ما ذكره العسكري، قال: وأول ما وقع الاختلاف بين الأمة فخطأ بعضهم بعضا في زمانه في أشياء نقموها عليه وكانوا قبل ذلك يختلفون في الفقه، ولا يخطئ بعضهما بعضا.
قلت: بقى من أوائله أنه أول من هاجر إلى الله بأهله من هذه الأمة كما تقدم، وأول من جمع الناس على حرف واحد في القراءة.
وأخرج ابن عساكر عن حكيم بن عباد بن حنيف قال: أول منكر ظهر بالمدينة حين فاضت الدنيا وانتهى سمن الناس، طيران الحمام، والرمي على الجلاهقات فاستعمل عليها عثمان من بني ليث سنة ثمان من خلافته فقصها وكسر الجلاهقات2
2 الجلاهق: البندق ومنه قوس الجلاهق، مختار الصحاح “106”.