الناصرة – “رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
“جهاز الموساد الإسرائيليّ هو منظّمة جريمة مرخّصة”، هذا الوصف جاء على لسان الرئيس السابق للجهاز تامير باردو، الذي كشف في مقابلة مع برنامج التحقيقات الاستقصائيّ (عوفدا)، في شركة الأخبار الإسرائيليّة، (القناتان 12 وـ13 بالتلفزيون العبريّ) بعضًا من أساليب عمل الموساد في الخارج، واستعرض أيضًا المحطّات التي اختبرها خلال ولايته، والخلاف بينه وبين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
هذا الوصف، الذي أثار عاصفةً إعلاميّةً وسياسيّةً في تل أبيب، ربمّا يكون الأقرب إلى الحقيقة حول مهام جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجيّة)، وأيضًا من خلاله يجب التعامل مع اغتيال العالم السوريّ، د. عزيز أسبر أمس في مصياف، في محافظة حماة.
وجريًا على العادة الإسرائيليّة الممجوجة، والتي باتت لا تنطلي على أحد، تلتزم إسرائيل الرسميّة الصمت المُطبق حول جريمة الاغتيال في سوريّة، ولكنّ تقسيم الأدوار بدا واضحًا، كما في مرّاتٍ سابقةٍ: الإعلام العبريّ على مُختلف مشاربه، من قنوات التلفزيون، مرورًا بالصحف وانتهاءً بمواقع الإنترنيت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، احتفى بهذا الإنجاز التاريخيّ للموساد الإسرائيليّ، دون أنْ يُقّر بمسؤولية الجهاز بشكلٍ مُباشرٍ، إنمّا ضمنيًا، وفي هذا السياق كان لافتًا للغاية قيام شركة الأخبار الإسرائيليّة ببثّ مقطعٍ مُصوّرٍ لرئيس الموساد الحالي، يوسي كوهين، والذي يسأله مُراسل التلفزيون العبريّ عن مسؤولية إسرائيل عن اغتيال العالِم التونسيّ، محمد الزواوي، فكان ردّ كوهين، وهو يبتسم بخبثٍ: فلنترك الإجابة لأحفادنا!.
ومن الأهمية بمكان التشديد على أنّ ما تنشره وسائل الإعلام العبريّة يمُرّ تحت مقص الرقيب العسكريّ، الذي ما زال يعمل وفق قوانين الانتداب البريطانيّة في فلسطين، وبالتالي، فإنّ التحليلات والتقارير التي تُذاع وثُبت وتُنشَر، تحصل على مُوافقةٍ من “الأخ الأكبر”، كما جاء في كتاب جورج أورويل الإنجليزيّ (1984).
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، ومن أجل تهويل قدرة الموساد، فقد قامت صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة، في عددها الصادر اليوم الاثنين، بنشر رسمٍ توضيحيٍّ زعمت فيه أنّ العالِم إسبر، الذي وُصف بالعالِم الخطير، كان الشخص المُكلّف من الرئيس السوريّ، د. بشّار الأسد، بإجراء الاتصالات مع كلٍّ من المرشد الأعلى للثورة الإيرانيّة، علي خامنائي، والأمين العّام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، بالإضافة إلى أنّه كان المسؤول عن تزويد كرويا الشماليّة بمعلومات تكنولوجيّةٍ حساسّةٍ جدًا، على حدّ قول الصحيفة، التي اعتمدت بطبيعة الحال على مصادر رفيعةٍ في المؤسسة الأمنيّة في الدولة العبريّة، دون أنْ تذكر ذلك.
وزعمت الصحيفة أيضًا أنّ سلاح الجوّ الإسرائيليّ حاول عدّة مرّات اغتيال العالِم السوريّ إسبر، ولكنّه نحج في النجاة من هذه المُحاولات، فيما ركزّت شركة الأخبار الإسرائيليّة على الربط بين اغتيال عددٍ من القادة العرب في السنوات الأخيرة من قبل “مجهولين”، ولكن ترتيب الأستوديو في نشرة الأخبار المركزيّة لم يترك مجالاً للشكّ: ففي الجهة اليُمنى ظهرت صورة رئيس الموساد يوسي كوهين، وفي الجهة الأخرى صورة العالِم السوريّ عزيز إسبير، في رسالةٍ واضحةٍ وجازمةٍ أنّ كوهين اغتال إسبر.
وشدّدّت وسائل الإعلام العبريّة على أنّه في الفترة الأخيرة قامت “جهات غيرُ معروفةٍ” (!) باغتيال عددٍ من العلماء العرب، منهم محمد الزواوي في تونس، وفي الـ21 من شهر نيسان (أبريل) من العام الجاري 2018، أقدم مسلحان مجهولان على اغتيال الأكاديميّ الفلسطينيّ فادي البطش أثناء توجهه لصلاة الفجر في منطقة سكنه في العاصمة الماليزية كوالالمبور، في حين اتهمّت عائلة البطش في غزّة جهاز الموساد الإسرائيليّ باغتياله. ولم تكتفِ وسائل الإعلام العبريّة بذلك، بل عادت إلى شهر شباط (فبراير) من العام 2008، عندما تمّت عملية تصفية عماد مغنيّة، القائد العسكريّ العّام لحزب الله، وذلك عبر تفجير سيارته في أحد أحياء العاصمة السوريّة، دمشق، لافتةً إلى أنّ أسلوب اغتيال العالِم إسبر يتطابق مع أسلوب اغتيال مغنيّة.
وبطبيعة الحال، “تطوّع″ المُحلّل رونين بيرغمان، الذي يعمل في صحيفتي (يديعوت أحرونوت) العبريّة وصحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكيّة ليشرح، طبعًا استنادًا على مصادر غربيّةٍ، أنّ اغتيال إسبر هو رسالة حادةٍ كالموس لإيران، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّ عملية الاغتيال المنسوبة لإسرائيل، هدفها تمرير رسالة واضحة مفادها أنّ العلماء ليسوا في مأمن، وأنّهم بالنسبة للاستخبارات الإسرائيليّة هدفًا مشروعًا، مُضيفًا أنّ هذه العملية هي استمرار لعددٍ من العمليات المنسوبة لتل أبيب، والتي قامت من خلالها باغتيال عددٍ من العلماء الإيرانيين، الـ”مُتورّطين” في البرنامج النوويّ للجمهوريّة الإسلاميّة، على حدّ قوله.
ومن الجدير بالذكر أنّ اغتيال العلماء العرب من قبل الموساد الإسرائيليّ ليس جديدًا، فقد كشف د. هيثم منّاع، قبل عدّة سنوات في مقابلةٍ مع كاتب هذا السطور عن أنّ تسيبي ليفني، التي خدمت في الموساد الإسرائيليّ بين الأعوام 1980-1984 برتبة ضابط، قامت بقتل عالمٍ نوويّ عراقيٍّ في باريس، مُضيفُا أنّ الموساد كلّفها بمهمة تصفية العالم العراقيّ، فعملت لديه خادمةً، ومن ثم قامت بتسميمه وقتله، وبعد ذلك اختفت آثارها من فرنسا. وعقّبت ليفني، وزيرة الخارجيّة الإسرائيليّة السابقة ورئيسة المُعارضة في الكنيست اليوم، عقّبت بالقول إنّها لا تتطرّق لا من بعيدٍ ولا من قريبٍ لعملها في الموساد، بحسب تعبيرها.