تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية، في تقرير مطول لها، إن هذه العملية كانت واحدةً من أكثر عمليات الموساد جرأة وتعقيداً وطولاً. لكن الآن فقط، وبعد مرور 37 عاماً، رأت قصة منتجع الغوص في البحر الأحمر، الذي تديره وكالة الموساد، النور.
تفاصيل العملية «الجريئة»
كانت «عملية الإخوة»، التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات، والتي انطلقت في أوائل الثمانينات، مهمة محورها قرية عروس السياحية، وهو منتجع شاطئي صغير سُمي بـ»مركز الغوص والاستجمام الصحراوي في السودان».
و تُوفر قرية عروس مزيجاً من آفاق الصحراء والشواطئ الرملية والشعاب المرجانية، بالإضافة إلى حطام السفن الحقيقية قبالة ساحل شرق إفريقيا لاستكشافها من قبل عشاق رياضة الغوص، لكن إليكم ما لم يتطرَّق إليه الكتيّب:
لقد كان كل شيء يخضع لمتابعة من قبل وكالة الاستخبارات الإسرائيلية، التي سيعمل عملاؤها على زيارة مخيمات اللاجئين السودانيين على متن شاحنات، ستُقلّ فيما بعد يهود إثيوبيا المعروفين باسم «بيتا إسرائيل»، ومن ثم سيتم نقلهم في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر السودان للعودة إلى المنتجع، حيث سيتم ترحيلهم جواً أو بحراً إلى إسرائيل.
تقول الصحيفة الإسرائيلية، لم يكن أحد أكثر اندهاشاً من هذا الاهتمام المتجدد بالقصة، من جاد شيمرون، الذي لعب دوراً رئيسياً في إنشاء وإدارة منتجع البحر الأحمر.
أخبر شيمرون صحيفة «Haaretz» الإسرائيلية: «أنا سعيد جداً بإعادة إحياء القصة ونفض الغبار عنها»، مشيراً إلى أنه متأكد إلى حد ما من أن كتابه هو الذي ألهم راف لرواية القصة.
عناصر الموساد في السودان
تفاصيل نقل يهود إثيوبيا إلى إسرائيل
في شهر مارس/آذار من عام 1982، تم إطلاق النار على الإسرائيليين من قبل وحدة عسكرية سودانية تبعتهم و»حمولتهم البشرية» إلى الشاطئ، معتقدة أنهم من المهربين.
ويروي شيمرون أن الكمين حدث في الوقت الذي كان فيه العملاء ينقلون آخر مجموعة من الإثيوبيين على متن قارب مطاطي ليرسلوهم لملاقاة سفينة إسرائيلية كانت تنتظر في المياه الدولية.
بينما كانت طلقات الرصاص تمرّ كالبرق فوق رؤوسهم، بدأ أحد الإسرائيليين بالصراخ على الضابط السوداني المسؤول عن العملية، قائلاً «ماذا تفعل، هل أنت مجنون؟ هل فقدت عقلك كي تطلق النار على سياح؟»، مهدداً بأن يشكوه إلى رئيس الأركان السوداني، الذي ذكره بالاسم. ثم واصل العميل صراخه، قائلاً: «ألا يمكنك أن ترى أننا ننظم عمليات غوص ليلاً هنا لأغراض سياحية؟ نحن نعمل في وزارة السياحة لجذب السياح من جميع أنحاء العالم للتعريف بجمال السودان، وكل ما أمكنكم فعله أيها الحمقى هو إطلاق النار علينا؟».
نجحت الخطة، وطلب الضابط الاعتذار متلعثماً. لكن كانت الحادثة الأخيرة بمثابة نهاية لمهمات الإنقاذ البحري التي جرت خلال الأشهر الستة السابقة. ومنذ بداية صيف سنة 1982 وحتى خريف سنة 1984، نُفذت عمليات نقل جوي صغيرة النطاق.
وتقول الصحيفة الإسرائيلية، كان هناك 17 طائرة نقل جوي منفصلة هبطت في الصحراء، وأقلعت وعلى متنها اليهود الإثيوبيون، وقد تم تنسيق وتنفيذ جميع هذه العمليات من قبل فريق عروس.لم تكن جميع العمليات تشبه مغامرات جيمس بوند، حيث أقر شيمرون بأنه «خلال الفترات الطويلة بين العمليات، كنا نعيش أفضل فترات حياتنا. وعلى الرغم من أننا كنا نعيش في ظروف بسيطة للغاية، حيث لم نكن نتمتع بالكهرباء سوى لبضع ساعات فقط في اليوم، إلا أننا عشنا في جنة لها منظر جميل وشواطئ رائعة ومواقع غطس، ناهيك عن أننا كنا نتقاضى رواتب على ذلك».
بدأت مع بيغن
ترجع قصة العملية إلى سنة 1977 وانتخاب رئيس الوزراء مناحم بيغن. في تلك الفترة، وصلت تقارير إلى إسرائيل تفيد بأن اليهود الإثيوبيين قد بدأوا يفرّون جراء الحرب الأهلية والمجاعة التي ضربت البلاد، وقد لجأ الكثيرون منهم إلى السودان المجاور، حيث كانوا يقيمون في مخيمات اللاجئين. وعلى الرغم من أن السودان كانت دولة ذات أغلبية مسلمة معادية لإسرائيل، إلا أن موقعها الجغرافي جعلها طريقاً مثالياً للإثيوبيين الذين يأملون في العيش في الدولة اليهودية. لذلك، استدعى بيغن رئيس الموساد، إسحاق حوفي، ليرى ما يمكن فعله.
بعد أربع سنوات، بدأ الموساد في استكشاف الساحل السوداني، بحثاً عن مواقع يمكن فيها للبحرية الإسرائيلية أن تلتقط مجموعات من اليهود الإثيوبيين وتنقلهم إلى إسرائيل. اكتشف جهاز الموساد وجود 15 فيلا شاطئية (مجهزة بالكامل، تحتوي على مطابخ وغرف طعام)، بناها رجال الأعمال الإيطاليون قبل عقد من الزمان، وتحديداً خلال سنة 1972. ومع ذلك، تم التخلي عن الموقع عندما فشلت السلطات السودانية في تنفيذ وعودها بتوفير الطريق والماء والكهرباء. ولكن بعد أن اكتشفوا أن قرية للعطلات مهجورة، يمكن أن تكون منطقة انطلاق مثالية لتهريب الإثيوبيين إلى إسرائيل عن طريق البحر، وضع الموساد خطة محكمة لذلك.
كانت وزارة السياحة السودانية تعتقد أنها قامت بتأجير المنتجع مقابل 320 ألف دولار أميركي لشركة سويسرية تتوق إلى إنشاء وجهة سياحية جديدة لقضاء العطلات. بطبيعة الحال، كان مديرو الشركة «الأوروبيون» ومدربو الغوص ورياضة ركوب الأمواج في الحقيقة عملاء استخبارات إسرائيليين. استأجر الموساد المنتجع لمدة ثلاث سنوات، ووضع عدداً من الوكلاء الرئيسيين هناك، الذين تم تكليفهم بتجديد المنتجع وتوصيله بالكهرباء والماء، وتحويله إلى وجهة سياحية مليئة بالموظفين وممتعة.
لم يكن الموظفون المحليون يعرفون شيئاً عن الهدف الحقيقي للمنتجع أو الهويات الحقيقية لرؤسائهم. كما كان الضيوف، الذين بقوا في نهاية المطاف في المنتجع، وساهموا في نجاحه وتحقيقه أرباحاً، غير مدركين للغرض الحقيقي من استئجاره، على حد تعبير شيمرون.
طريقة تقطيعهم للسَّلَطَات كشفت عن هويتهم
تسبَّب ضيف من كندا في حالة من الذعر، عندما تولى منصب مدرب للغوص، حيث صرَّح باللغة العبرية، أنه يعرف أن الموظفين لا يمكن أن يكونوا أوروبيين. وفي الواقع، كان متأكداً من أنهم إسرائيليون. لقد كان الضيف يهودياً.
خريطة توضح كيف نقل الموساد يهود إثيوبيا إلى تل أبيب
قال هذا الكندي إنه «كان يشاهد الموظفين وهم يعدون وجبة الفطور كل صباح، ويعرف أن الإسرائيليين فقط يقطعون خضراوات السلطة رقيقة جداً. لكن، أبقى الضيف السر لنفسه، ولم يخبر به عميل الإنقاذ.
من المرجح أن الموظفين السودانيين يشتبهون في أن هناك شيئاً غريباً حول عادات أرباب العمل، على غرار تعليم الموظفين كيفية خبز الحلويات، والخبز كل يوم جمعة، من أجل إعداد Sabbath cake. فضلاً عن ذلك، كان أصحاب العمل يختفون بشكل متكرر، ويعودون وهم حالة في من الإرهاق (عندما يرجعون من مهامهم الحقيقية). وعند عودتهم، يختلقون العديد من الأعذار.
من خلال النظر إلى الماضي، أفاد شيمرون بأن العملية كانت فرصة فريدة لعملاء الموساد، الذين كانت مهماتهم تتسبب دائماً في إراقة الدماء والحروب. بدلاً من ذلك، اضطروا في السودان للعب دور رئيسي في مهمة، يُعتقد أنها فريدة من نوعها في تاريخ العمليات الاستخبارية.
حسب ما رواه شيمرون، فإن الوقت والجهد والمال الذي بُذل من قبل الموساد أثناء العملية يعكس عمق التزام إسرائيل بجلب اليهود الإثيوبيين إلى إسرائيل.
وبعد فترة وجيزة، عندما تم إسقاط الجنرال جعفر النميري عن طريق انقلاب في أبريل/نيسان سنة 1985، تم إجلاء باقي الإسرائيليين من المنتجع وتنتهي الإجازة.