«السيكوجونومي».. هل يمكن للعلم حقًا أن يمكننا من قراءة الوجوه؟

ساسة بوست :

إيثار جمال :

كانت أحداث فيلم الخيال العلمي «Minority Report» الذي أُنتِج عام 2002 تدور حول قسم للشرطة يتمكن من معرفة الجرائم قبل حدوثها ويلاحق من يعتزمون ارتكابها باعتبارهم مجرمين – قبل أن تحدث الجريمة من الأساس.

واليوم يقترب الواقع من هذا التخيل من خلال علم «السيكوجونومي» الذي تطوّر بحيث يستخدم اليوم الذكاء الاصطناعي لمعرفة ميول الأفراد من خلال ملامح وجوههم، فما هي قصة علم «السيكوجونومي» أو علم الفراسة وكيف تطور، وهل يمكن حقًا الاعتماد على نتائجه في التعرف على الشخصيات التي نقابلها؟

بداية قديمة جدًا

كان المفكرون اليونانيون منشغلين بما تعكسه وجوههم عن شخصياتهم، وتحكي مخطوطة يونانية كيف نظر الفلاسفة إلى الأنف العريض على أنه رمز للكسل، وللشفتين الممتلئتين على أنهما رمز للحمق، بينما تدعو الشفتان الرفيعتان صاحبهما إلى الفخر.

وكانت الخاطبة في الحضارة الصينية القديمة تقوم بعملها من خلال مراقبة الفرد جيدًا بحيث تعرف مميزاته وجوانب القصور في شخصيته أيضًا وتستطيع بالتالي أن تختار زوجة ملائمة له. كما اشتهر العرب بالفراسة وتناقلوا قصصًا ونوادر لقدراتهم على التعرف على أخلاق الناس وطبائعهم فقط من النظر إلى وجوههم وأحوالهم.

في عام 1902 نُشر كتاب «القارئ العملي للشخصيات»، وتضمّن أفضل تطبيق لعلم «السيكوجونومي» الذي يقول بإمكانية معرفة كل شيء عن الشخص من خلال تفحّص ملامح وجهه. امتلأ الكتاب بصور تربط بين السمات الخاصة بالشكل النمطي في أوروبا الشمالية وأوروبا الغربية، أو الجنس الآري، وأخلاقيات العمل والسمات الإيجابية، بينما رأت في الأنوف الكبيرة والعيون اللوزية مؤشرات على الصفات السلبية.

من كتاب قارئ الشخصيات – مصدر الصورة.

لكن تغيرت هذه الفكرة في العصر الحالي، وأصبحت تعتمد على معايير أخرى أكثر تحديدًا، كما تقول كارمن لوفيفر الباحثة بجامعة نورثمبريا في المملكة المتحدة: «في عالم الأحياء تؤثر الجينات ومستويات الهرمونات على النمو، وهي نفسها أيضًا تشكّل شخصيتنا».

فمثلًا يرتبط اتساع الوجه بالتسلسل الهرمي للفرد في مجموعته، ولهذا أسبابه التي توضحها كارمن إذ تقول إن الأشخاص الذين يرتفع لديهم مستوى هرمون التستوستيرون غالبًا ما يكون لديهم وجه أعرض وعظام وجنتين أكثر بروزًا، كما يمتلكون شخصية حازمة وربما أميل للعدوانية.

أن تعرف نفسك أولًا

تقول أليسيا سيلبا وهي استشارية دولية في قراءة الوجوه تعقد دورات في علم الفراسة إن الوجوه تقول الكثير عن أصحابها غير أننا لا نتمكن دائمًا من قراءتها، وأول ما تهتم به هو تعريف الفرد بكيفية قراءة وجهه هو وتقول «إنه علم مفيد أولًا لمعرفة من أنت، وبمجرد أن تعرف سيمكنك أن تعرف بالضبط ما تبحث عنه في الآخرين وتجده بالتالي، سواء كانوا موظفين أو شركاء أو أصدقاء أو شركاء في الحياة».

في الحضارة الصينية القديمة كانت النساء (الخاطبات) تقمن بعملهن من خلال مراقبة الوجوه ويستطعن بعد ذلك استنتاج توافق رجل وامرأة، وكانت هذه بداية نشأة هذا العلم، تقول أليسيا إنها قامت بعمل مشابه – أحدث – حيث عملت سنواتٍ مستشارةً للأزواج، خاصة من تم التعارف بينهم من خلال الإنترنت ولا يجدون الوقت الكافي للتعارف، وتقول إنها كانت تتمكن من القيام بعملها من خلال صورة للأفراد تعرف من خلالها شخصية كل منهم ومدى ملاءمته للارتباط بالآخر.

ووفقًا لأليسيا، فإن ملامح الوجه تمكّنها من معرفة ما سيكون عليه الشخص من طباع في المستقبل: «قد يكون شخص ما جريئًا في صغره، لكنه يصبح محافظًا جدًا حين يكبر». الأنف وعظام الخدين مثلًا تكشفان عن علاقة الشخص بالسلطة؛ يشير الأنف الكبير إلى الأنا العالية أو الطموح للسلطة. وبالتالي إذا كان أحد أبناء العائلات القوية يملك أنفًا صغيرًا فهو يحتاج إلى امرأة ذات وجنتين بارزتين لتشجّعه على البحث دائمًا عن منصب أرفع.

الشخص ذو الحاجبين الرفيعين لا يمكنه وضع الحدود وحفظ حريته وبالتالي إذا تزوج من شخص ذي حاجبين كثيفين – قادر على وضع الحدود بينه وبين الآخرين – فسيساعده ذلك على الحفاظ على مساحة مناسبة من الحرية. وفي عالم الأعمال أيضًا يمكن مراقبة العيون؛ إذا كانت عينا الشخص مفتوحتين جدًا فهذا يعني أنه سيسمح بالكثير من الأمور.

ما الذي تقوله الوجوه؟

إن الوجوه لا تحمل فقط الجينات والهرمونات، إنها مرآة لشخصياتنا وشعورنا، كما تحمل التاريخ الطبي والحالة الصحية لأصحابها، فمقدار الدهون في الوجه يشير إلى الحالة الجسدية بشكل أفضل – ربما – من كتلة الدهون في الجسم كله، لذا يؤكد بنديكت جونز الباحث في جامعة غلاسكو بإسكتلندا ضرورة فهم دور الدهون في جسم الإنسان جيدًا.

كما يشير لون البشرة إلى شخصية الفرد وليس لهذا علاقة بالعِرق مثلًا، فهو يدل على الحالة الصحية ونمط الحياة، فاللون الذهبي الطفيف للبشرة يشي بأن الشخص يتمتع بصحة جيدة فهو يعني تراكم الصبغات التي تدعى الكاروتينات الموجودة في الخضروات والفواكه، وتساعد على تقوية جهاز المناعة، وتمكّن الجسم من محاربة الأمراض، ويمنح الوجه جاذبية جسدية تفوق ما تفعله صالونات التجميل، كما أن اللون الوردي للبشرة يدل على دورة دموية جيدة وحياة نشيطة لصاحبها، ويكون حتى علامة على خصوبة المرأة.

في دراسة حديثة التقطت مجموعة صور لعدد من المتطوعين طُلب منهم في إحداها ارتداء أفضل ثيابهم، ورغم أن الصور التي تم التقاطها لم تُظهر الملابس واكتفت بالوجه فقط، فقد استطاع الباحثون التعرف على ما كان يرتديه المتطوعون، لقد بدت على وجوههم الجاذبية وعلامات الثقة بالنفس حين كانوا يرتدون أفضل ثيابهم.

يُستخدم هذا الأسلوب أكثر في مهن مثل الباحثين عن الموظفين والمحللين والشرطة، كشفت كيث ولكر الباحثة في جامعة بولدر بالولايات المتحدة مؤخرًا العلاقة بين متوسط ​​طول الوجه وعرضه لدى لاعبي كرة القدم في كأس العالم عام 2010 ومتوسط عدد الأخطاء التي ارتكبوها.

مع انتشار صور الوجوه عبر الإنترنت فإن الدراسات التي تحاول قراءة «أعماقنا» من خلال الصور لن تختفي. في السنوات القليلة الماضية، كانت هناك موجة جديدة من دراسات الذكاء الاصطناعي تحاول أن تقوم بهذا. تقدم إحدى شركات التكنولوجيا الناشئة خدمات التعرف على الشخصية من خلال ملامح الوجه إلى الشركات الخاصة والحكومات.

في العام الماضي نشر عالمان في مجال الكمبيوتر ورقة أكدوا فيها قدرتهم على التعرف على الميول الإجرامية لدى الأشخاص من خلال صورة واحدة للوجه اعتمادًا على خوارزمية قاموا بتطويرها. كما نُشرت في مجلة مرموقة ورقة توضح أن خوارزميات الذكاء الاصطناعي قادرة على كشف التوجهات الجنسية للأفراد من خلال صور الوجه بدقة مدهشة.

انتقادات للسيكوجونومي

قد تبدو أفكار علم «السيكوجونومي» ساذجة لبعضنا، لكننا لو فكرنا قليلًا فسنجد أن كلًا منا لديه علم سيكوجونومي خاص به، إننا نشكّل انطباعات أولية عن الآخرين في الثوانِي الأولى من لقائنا بهم، من خلال الوجه فقط، وهذه الانطباعات تؤثر في الحقيقة على قراراتنا فيما يتعلق بالثقة فيهم والتعامل معهم، وقد كشف العلم الحديث عن صور نمطية تتحكم في هذه الانطباعات أيضًا.

هناك من يرى أن الادعاء بإمكانية الكشف عن الصحة العقلية والتوجه السياسي للشخص لا يستند إلى معرفة دقيقة وهي لا تعدو كونها تخمينات تماثل ما يمكن إصداره بالصدفة. كما أن العديد من هذه الدراسات تفترض أن الوجوه متساوية في مدى تمثيلها لأصحابها وهو افتراض قد يكون صحيحًا في حالة الوجوه المألوفة التي يمكن التعرف عليها بسهولة لكنه يخطئ في حالة الوجوه غير المألوفة.

وتنطبق الانتقادات نفسها التي تُوجَه للدراسات البشرية على دراسات الذكاء الاصطناعى التي تستخدم خوارزميات قوية وتطبّقها على مجموعة كبيرة من الأفراد، لكن عينة الصور المستخدمة لتدريب الخوارزمية لا تقل أهمية عن الخوارزمية نفسها. فهي تقوم بقياس ملامح الوجه الثابتة من خلال صور ثنائية الأبعاد، وتتجاهل اختلافات أخرى بينها منها المسافة بين الكاميرا والوجه، وقدرات الكاميرا والتعبيرات الدقيقة للوجه.

هناك آثار غير أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في «قراءة الوجه»، إذ لن تعود الاعتقادات السياسية مثلًا أمرًا يخص الناخبين، كما أن «الادعاء» بأنها نتائج علمية قد يحفز الحكومات القمعية على تطبيقها على صور مواطنيها لتقوم بـ«تحديد» قدرات الذكاء والتوجه السياسي والميول الجنائية لهم من خلال الصور.

كما أن هذه المعلومات أصبحت موجودة بالفعل لدى بعض الشركات الكبرى، يقول توماس كينان أستاذ التصميم البيئي وعلوم الكمبيوتر في جامعة كالغاري بكندا، إن القانون لا يزال يعتبر وجوه الناس «معلومات عامة»، واللوائح لم تلحق بالتكنولوجيا بعد، فليس هناك قانون يعتبر استخدام وجه شخص ما في التعرف على معلومات عنه اختراقًا لخصوصيته.

ويتساءل كينان إن كان الاهتمام بإصدار مثل هذه القوانين لا بد أن يعقب حدوث مأساة تنذر بالخطر كأن يُضرب شاب حتى الموت مثلًا لأن إحدى الخوارزميات استنتجت أنه مثلي الجنس، وهو أمر وارد إذ لا تزال استنتاجات الذكاء الاصطناعي غير دقيقة للغاية.

المصادر

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً