كوسوفو.. القصة الكاملة لأمة دفعت أنهارًا من الدم ثمنًا للاستقلال

شفقنا :

ما زال كأس العالم ينتزع اهتمام مئات الملايين حول العالم. وللسياسة والتاريخ نصيبهما منه كذلك. لاعبان اثنان في صفوف المنتخب السويسري لكرة القدم، هما تشاكا خط وسط نادي أرسنال الإنجليزي، وشاكيري لاعب نادي ستوك سيتي الإنجليزي، خطفا الأنظار في مباراة فريقهما ضد المنتخب الصربي في الجولة الثانية من دوري المجموعات بكأس العالم، بهدفيْهما اللذيْن ضمنا فوز سويسرا، وتعزيز فرصها في الصعود للدور التالي، وأكثر من الهدفيْن بما فعله كل منهما بعد إحرازه الهدف، وذلك بالتلويح للجماهير الصربية بإشارة باليدين ترمز للنسر الألباني.

 

كان من المتوقع أن يتعرض اللاعبان لعقوبة تنظيمية من قبل الفيفا، قد تصل للإيقاف لمباراتيْن في المونديال، لكن آل الأمر إلى غرامة مالية توازي قيمتها حوالي 10 آلاف دولار، والتي لن تمثل مشكلة كبيرة لأي منهما.

 

 

عمومًا، جددت هذه الواقعة ذكرياتٍ أليمة لما شهدته منطقة البلقان – جنوب شرق أوروبا – في التسعينيات من مجازر صربية ضد العنصريات الأخرى في المنطقة خاصة ألبان البوسنة وكوسوفو، والذين تعود أصول تشاكا وشاكيري إليهم. بالعودة إلى التاريخ الشخصي لكلا اللاعبيْن، لن يكون التصرف مستغربًا أبدًا. فكلاهما من ألبان كوسوفو، قبل اللجوء لسويسرا والحصول على جنسيتها. فمثلًا سُجن والد تشاكا، وتم تعذيبه من قبل السلطات الصربية في التسعينيات نتيجة اشتراكه في حملات داعية لاستقلال إقليم كوسوفو ذي الأغلبية الألبانية، – جدير بالذكر كذلك أن لتشاكا أخًا يلعب في صفوف المنتخب الألباني لكرة القدم -، يُذكر كذلك أن شاكيري يلعب بحذاءيْن، على أحدهما طُبعَ العلم السويسري، وعلى الآخر طُبعَ علم كوسوفو.

 

والآن نعود 20 عامًا للوراء.

 

15 يناير (كانون الثاني) 1999م.. إقليم كوسوفو

للمرة الأولي تصل العالم صورٌ مما يحدث في هذا الإقليم، ولعلها كانت المرة الأولى التي يسمع فيها معظم الناس كلمة كوسوفو، 45 شابًا من العرق الألباني السائد في كوسوفو، يُعثر عليهم مقتولين بصورة وحشية في قرية راجاك جنوب الإقليم، بينما تشير أصابع الاتهام إلى قوى الأمن الصربية التي كانت تشن منذ شهور حملة من القمع الدموي في الإقليم الذي تعالت فيه الأصوات المطالبة بالاستقلال عن صربيا، وتحولت منذ العام السابق إلى حرب عصابات مفتوحة ضد السلطات الصربية في كوسوفو، يتزعمها تنظيم مقاوم مسلح هو «جيش تحرير كوسوفو».

 

حتى روسيا الحليف السياسي والعسكري الأكبر لصربيا، التي تمثل آخر قلاع نفوذها الأوروبي، وتشترك معها في الأصول العرقية السلافية وفي المسيحية الأرثوذوكسية، اضطرت لركوب موجة الإدانة الدولية الواسعة، واستنكرت المذبحة، ودعت لتحقيق موضوعي شفاف في الأمر.

 

لم تكن هذه آخر البشاعات، إذ كلما تصاعدت وتيرة المقاومة الألبانية في كوسوفو، والإدانة الدولية للعنف الصربي، زاد الجيش والأمن والميليشيات الصربية إفراطًا في العنف، ومحاولة لتغيير الواقع الديموغرافي على الأرض، باستخدام المذابح، لترويع الأغلبية الساحقة من ألبان كوسوفو – غالبيتهم من المسلمين – ودفعهم لهجر أراضيهم، والفرار إلى الدول المجاورة خاصةً ألبانيا، لكسر شوكة المقاومة المسلحة، ولتمكين الأقلية الصربية في كوسوفو من مفاصل الإقليم.

 

 

لم يتصورْ الكثيرون أن هذه الأحداث ستقع فيما تمر أربع سنوات على انتهاء حروب تفكك يوغوسلافيا – الفيدرالية الشيوعية الكبيرة، والتي تزامن تداعيها مع ضعف الاتحاد السوفيتي وتفككه أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات – وما تخللها من جرائم بشعة، صُنف بعضها تحت بند الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، خاصة ما تعرّض له البوشناق المسلمون على يد الصرب في حرب البوسنة، والتي لم تتوقف عام 1995م – بعد أربعة أعوام من المذابح – إلا بعد تدخل الناتو عسكريًا ضد صربيا في أعقاب مذبحة سربرينيتسا التي راح ضحيتها أكثر من 10 آلاف مدني تحت سمع وبصر قوات حفظ السلام الدولية.

 

في مارس (آذار) 1999، سيصل عدد اللاجئين من ألبان كوسوفو إلى حوالي 200 ألف، وفي أواخر هذا الشهر، سيرتج العالم لمذبحة جديدة ترتكبها الميليشيات الصربية، اشتهرت إعلاميًّا بـ«مذبحة الحديقة»، عندما أوقفوا أكثر من 20 أمًّا وطفلًا أمام الحائط، وفتحوا عليهم نيران البنادق الآلية. كان هذا على هامش جولات من المفاوضات ترعاها القوى الدولية لحل أزمة كوسوفو سلميًا.

 

تزامنًا مع المذبحة الأخيرة، كانت عجلة الهجوم العسكري للناتو ضد صربيا قد بدأت في الدوران، إذ لم يعد أمام الناتو مزيد من الأعذار لتأخير التدخل أمام إبادة جماعية جديدة يرتكبها الصرب، وأزمة لاجئين ضخمة تتفاقم في قلب أوروبا. وبدأت العمليات العسكرية الدولية ضد صربيا في 24 مارس 1999م.

 

لكن لماذا فعل الصرب كل هذا لمنع استقلال إقليم كوسوفو الذي لا تتعدى نسبة الصرب فيه 11%، ولماذا تصر صربيا حتى الآن على عدم الاعتراف باستقلاله؟

 

من العثماني إلى ميلوسيفيتش

في 28 يونيو (حزيران) 1389م، تندلع معركة تاريخية ضخمة في سهول كوسوفو، ينتصر فيها الجيوش العثمانية بقيادة السلطان مراد الأول العثماني، على جيوش أمير صربيا لازار انتصارًا ساحقًا، يفتح الأبواب أمام الهيمنة العثمانية ليس فقط على إقليم كوسوفو الصغير، إنما على مساحات واسعة من منطقة البلقان. سيستمر الحكم العثماني أكثر من خمسة قرون حتى عام 1912م، عندما يُهزَم العثمانيون في الحرب البلقانية الأولى، وتحصل صربيا على استقلالها، ويصبح كوسوفو جزءًا منها.

 

يترك العثمانيون في البلقان مزيجًا متنوعًا من الأعراق والأديان، بتباينات كبيرة في النسب حسب كل منطقة. ورغم أن العرق الصربي – مسيحيون أرثوذوكس – كان هو الأكثر عددًا في البلقان ككل، فقد كان يغلب على إقليم كوسوفو العرق الألباني، وهم مسلمون في معظمهم. يحتوي إقليم كوسوفو على العديد من الكنائس الأرثوذوكسية التاريخية، ولذلك يعتبره كثير من الصرب عاصمة ثقافية ودينية لهم.

 

ستندلع الحرب العالمية الأولى عام 1914م نتيجة اغتيال ولي عهد إمبراطورية النمسا في سراييفو عاصمة البوسنة، على يد قومي صربي معارض لمطامع النمسا في منطقة البلقان، وستصبح هذه المنطقة من أهم مسارح الحرب، بانتهاء الحرب بهزيمة النمسا وتفككها، تسيطر مملكة صربيا على معظم البلقان، وتعاني الأقليات العرقية والدينية المختلفة في البلقان من التمييز من قبل الأكثرية الصربية.

 

عام 1941م، سيحتل النازيون بالتعاون مع فاشيي إيطاليا، كامل أراضي مملكة صربيا، ويصبح إقليم كوسوفو جزءًا من جمهورية ألبانيا العظمى التي شكلها موسوليني تحت هيمنة إيطاليا، وسيواجه الاحتلال النازي مقاومة كبيرة خاصة من الشيوعيين، والذين ينجحون عام 1945م في هزيمة النازيين بمعونة الاتحاد السوفيتي، ويتشكل الاتحاد اليوغوسلافي الفيدرالي الشيوعي ليرث مملكة صربيا في كامل أراضيها.

 

يعترف دستور يوغوسلافيا عام 1974م بأن كوسوفو فيدرالية مستقلة داخل الاتحاد، لكن في عام 1981م، تقمع القوات الأمنية احتجاجات واسعة في إقليم كوسوفو ضد الأوضاع المعيشية الصعبة، ويسقط العشرات من القتلى، وتتفاقم الحساسية العرقية في يوغوسلافيا، وتزداد المشاعر القومية لدى ألبان كوسوفو نموًا.

 

 

عام 1987م، يصل إلى زعامة الحزب الشيوعي في صربيا، وزعامة اتحاد الأحزاب الشيوعية في يوغوسلافيا، القومي الشعبوي المتطرف سلوبودان ميلوسيفيتش، ضغط ميلوسيفيتش لإلغاء الحقوق الفيدرالية لكوسوفو، وعارض محاولات الحكومة الفيدرالية في يوغوسلافيا للانفتاح التدريجي على الغرب، لمواجهة الانهيار الاقتصادي، وتداعي الحليف الشيوعي الأكبر وهو الاتحاد السوفيتي.

 

في عام 1989م، بمناسبة ذكرى مرور 600 عام على معركة كوسوفو ضد العثمانيين، دعا ميلوسيفيتش أنصاره لمظاهرات ضخمة، وتعزز نفوذه بين الصرب خاصة في صربيا والجبل الأسود وكوسوفو، وأواخر هذا العام، اختار البرلمان الصربي ميلوسيفيتش رئيسًا لصربيا، أكبر أقاليم يوغوسلافيا، وأعلن ميلوسيفيتش بوضوح أنه لن يسمح بأية محاولات انفصالية مهما كان الثمن.

 

في يوليو (تموز) 1990م، أعلن قادة ألبان كوسوفو استقلالهم عن صربيا، وحاولوا بالطرق السلمية – كالمظاهرات والإضرابات العمالية، ومقاطعة المؤسسات الصربية… إلخ – تثبيت ذلك. رد ميلوسيفيتش بالقوة، وأحكم القبضة الأمنية على كوسوفو، وقام بفصل عشرات الآلاف من العمال الألبان من وظائفهم.

 

عام 1991م، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، بدأ انهيار الاتحاد اليوغوسلافي، عندما أعلنت مقدونيا وسلوفينيا وكرواتيا، وتبعتها البوسنة ذات الأكثرية المسلمة انفصالها عن الفيدرالية.

 

 

يرفض ميلوسيفيتش هذا الانفصال، ويحاول بالقوة منع استقلال سلوفينيا، فيفشل بعد حربٍ قصيرة، لكن يطول الصراع العسكري في كل من كرواتيا والبوسنة، وتقوم القوات الصربية وميليشيات الصرب في البوسنة وكرواتيا بمذابح مروعة، غالبية ضحاياها من المسلمين الألبان والبوشناق في مختلف مناطق البوسنة. تنتهي الحرب باتفاقية دايتون 1995م، والتي أعقبت تدخل الناتو عسكريًا ضد صربيا، ونجاح القوات البوسنية والكرواتية في تحقيق انتصاراتٍ على الأرض ضد قوات صرب البوسنة. وهكذا انتهت الحرب في كرواتيا والبوسنة، وتعزَّزاستقلالاهما، لكن تُرِكَت قضية كوسوفو دون حل.

 

عام 1992م، كان ألبان كوسوفو قد أجروا انتخاباتٍ غير رسمية في الإقليم، وانتخبوا إبراهيم راجوفا رئيسًا، والذي حاول أن يخلق منظومة تعليمية وصحية موازية للألبان، لكن وقفت صربيا في وجه كل محاولاته، رغم ذلك تمسَّك الرجل بالوسائل السلمية للحصول على استقلال كوسوفو، حتى لقَّبه البعض بـ«غاندي البلقان».

 

في الشهور التالية لانتهاء حرب البوسنة، يخيم اليأس على الكثير من ألبان كوسوفو من الحلول السلمية، ويبدأ البعض في تبني المقاومة المسلحة ضد صربيا. عام 1996م، تتصاعد حرب العصابات ضد القوات الأمنية الصربية في كوسوفو، وتستهدف العديد من المراكز الأمنية، والمعسكرات. عام 1997م، يظهر للعلن اسم «جيش تحرير كوسوفو»، والذي يصدر بياناتٍ عسكرية يدعو فيها كل الألبان للتسلح، ويعلن أنه سيواصل الحرب ضد صربيا حتى استقلال كوسوفو أولًا، ثم تشكيل دولة ألبانيا العظمى لتضم كافة الألبان الموزعين بين دولة ألبانيا، ومقدونيا، وكوسوفو.

 

حظي جيش التحرير بتعاطف كبير في صفوف الألبان، وبدعم مالي من الألبان المقيمين في الخارج، وبدأ في تهريب المزيد من الأسلحة عبر الحدود مع ألبانيا. عام 1998م، تحول الأمر إلى تمرد مسلح كبير في كوسوفو، فعززت صربيا التواجد الأمني في كوسوفو، وبدأت في حملة قمع دموي غير مسبوق، تتضمن استهدافًا واسعًا للقرى والمدن الألبانية في كوسوفو، وتهجير عشرات الآلاف من بيوتهم، واعتقال الآلاف، وتعذيبهم بوحشية بتهمة المشاركة في التمرد المسلح. كذلك وضع راجوفا تحت الإقامة الجبرية، وأجبر على الظهور تلفزيونيًا مع ميلوسيفيتش، ثم نفي إلى إيطاليا.

 

في فبراير (شباط) 1999م، رعى الناتو مفاوضاتٍ بين صربيا و«جيش تحرير كوسوفو» في فرنسا، لكن تعنت الوفد الصربي، واستمرت المذابح والتهجير على الأرض، واستمرت في المقابل عمليات جيش تحرير كوسوفو. في 24 مارس 1999م، يبدأ الناتو حملته العسكرية ضد صربيا، والتي ستستمر 78 يومًا.

 

أكبر أزمة لاجئين في أوروبا

لا ينبغي أن نسمح بحدوث التطهير العرقي والإبادة، خاصة عندما يكون هذا على حافة أوروبا * من كلمة للرئيس الأمريكي بيل كلينتون مبررًا التدخل العسكري ضد صربيا لحسم قضية كوسوفو.

 

توقًّع قادة الناتو أن يستسلم ميلوسيفيتش سريعًا مع بدء القصف الجوي والصاروخي ضد صربيا، وأن يبدأ في سحب قواته من إقليم كوسوفو، لكن نجح ميلوسيفيتش في استغلال القصف، في تجييش المشاعر القومية لدى الصرب، والحصول على المزيد من دعمهم لاستمرار عمليات قوات بلادهم في كوسوفو.

 

ردًا على تصاعد قصف الناتو، أمر ميلوسيفيتش قواته بتصعيد حملتها القمعية في كوسوفو لتتحول إلى تطهير عرقي شامل، وطرد كافة الألبان من الإقليم. خلال أسابيع قليلة، أصبح هناك مئات الآلاف من اللاجئين الألبان في البلدان المجاورة خاصة ألبانيا، وتحول الأمر لكارثة إنسانية كبرى، وقصَّ هؤلاء اللاجئون آلاف القصص المرعبة عما تفعله القوات الصربية.

 

بدأ الناتو ينسق مع قوات «جيش تحرير كوسوفو»، والتي بدأ وضعها العسكري على الأرض يتحسن مع تكثيف الناتو لضرباته ضد المواقع العسكرية الصربية في كوسوفو، مستفيدًا من المعلومات الاستخباراتية التي يمدها به مقاتلو جيش التحرير من الأرض.

 

كثَّف الناتو ضرباته ضد المواقع العسكرية والبنى التحتية داخل صربيا، وليس فقط في إقليم كوسوفو لإجبار ميلوسيفيتش على الاستسلام، ولإيقاف المزيد من موجات التهجير. في 10 يونيو 1999، أعلن ميلوسيفيتش قبوله بالانسحاب الكامل من إقليم كوسوفو، مقابل إيقاف ضربات الناتو العسكرية.

 

بدأ اللاجئون الألبان في العودة تدريجيًا لأراضيهم، وحدثت أعمال انتقامية واسعة ضد الصرب، ونشرت الأمم المتحدة قوات لحفظ السلام في كوسوفو. بدأ جيش تحرير كوسوفو في نزع سلاحه ذاتيًا، وانخرط الكثير من أفراده في القوات الأمنية الجديدة لكوسوفو التي تم تأسيسها تحت إشراف الأمم المتحدة، وأسس بعض قادته أحزابًا سياسية.

 

عانت صربيا من التكلفة الاقتصادية والسياسية للهزيمة، وتزايدت معدلات الغضب الشعبي ضد ميلوسيفيتش. في سبتمبر (أيلول) 2000م، جرت انتخاباتٍ رئاسية في يوغوسلافيا والتي كانت عبارة عن صربيا والجبل الأسود. أعلنت المعارضة فوز مرشحها كوستونيتشا، لكن رفض ميلوسيفيتش الاعتراف بالنتيجة، فاندلعت المظاهرات والإضرابات في أرجاء صربيا، حاولت الشرطة قمعها بالقوة. يوم 5 أكتوبر (تشرين الأول) 2000م، دعت المعارضة لمظاهرة مليونية كبرى في العاصمة الصربية بلجراد. فشلت القوات الأمنية في السيطرة على الجماهير الثائرة التي بدأت في اقتحام بعض الأماكن الحيوية، وأضرمت النيران في مبنى البرلمان. في اليوم التالي اضطر ميلوسيفيتش للاستقالة، وأصبح كوستونيتشا رئيسًا.

 

عام 2001م ستسلم السلطات الصربية ميلوسيفيتش للمحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة، ومقرها لاهاي بهولندا. تتأخر المحاكمة مرات عديدة بسبب الحالة الصحية لميلوسيفيتش، والذي يعثر عليه ميتًا في زنزانته يوم 11 مارس 2006م.

 

بالتأكيد للقوميين الصرب ولحلفائهم روايتهم المختلفة لكل حدث، والتي تحاول تحميل الانفصاليين الألبان خاصة «جيش تحرير كوسوفو» المسئولية الكبرى عن الجرائم الإنسانية التي حدثت أثناء الحرب، وتركز على الخسائر التي تعرض لها المدنيون الصرب جراء قصف الناتو. شاهد مثلًا هذا الفيلم الوثائقي من إنتاج التلفزيون التشيكي، والذي لا يتحدث فقط عن حرب التسعينيات، إنما عن جذور الصراع منذ مطلع القرن العشرين، خاصة فترة الحرب العالمية الثانية التي يسلط فيها الضوء على مذابح وتهجير تعرض لها الصرب في كوسوفو على يد «القوميين المتطرفين الألبان» من مؤيدي الاحتلال النازي للبلقان حينها.

 

 

دولة كوسوفو

في يوم 17 فبراير (شباط) 2008م ، في تمام الساعة الثالثة و49 دقيقة عصرًا، أعلنت قيادة إقليم كوسوفو المنتخبة أن كوسوفو دولة مستقلة ذات سيادة، منفصلة تمامًا عن صربيا. يعترف بوجود كوسوفو وسيادتها عدد كبير من دول العالم يصل إلى 110، كانت أولاهم كوستاريكا في يوم إعلان الاستقلال نفسه، ثم تبعها في اليوم التالي الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وأفغانستان وبريطانيا.

 

وكوسوفو الآن «دولة ديمقراطية مستقلة»، رئيس وزرائها حاليًا هو راموش هاراديناي، الذي كان قائد جيش تحرير كوسوفو أثناء الحرب، والذي فاز حزبه الديمقراطي بالانتخابات العامة عام 2017م، والتي كانت ثالث انتخابات عامة يشهدها كوسوفو منذ الاستقلال. جدير بالذكر أن راموش تمت تبرئته مرتين أمام المحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوغوسلافيا السابقة، من تهم ارتكاب جرائم إنسانية أيام الحرب، لكن تصر صربيا على اتهامه بارتكاب جرائم حرب ضد الصرب في كوسوفو.

 

استقرت الأوضاع سياسيًا وعسكريًا منذ سنواتٍ، وأصبح شبح الحرب أبعد وأبعد مع مرور الأيام، لكن لا تزال دولة كوسوفو تعاني من بعض المصاعب الاقتصادية، وارتفاع نسب البطالة، والفساد، وبعض الاحتكاكات الطائفية من حين لآخر، خاصة في شمال البلاد حيث يتركز وجود الصرب.

محمد صلاح قاسم

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

دوتش فيليا : تهديد لأوروبا.. شولتس يحذر من تنامي نفوذ اليمين الشعبوي

DW : حذر المستشار أولاف شولتس خلال مؤتمر الاشتراكيين الأوروبيين من تعاظم نفوذ اليمينيين الشعبويين …

اترك تعليقاً