"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

حوار مع الشاعر المصري أحمد رامي (1965): أقدم مخطوط لعمر الخيّام، منسوخ بعد 350 سنة من موته

راي اليوم :

حاوره: عزالدين المناصرة، (القاهرة، 1965)

زرت الشاعر المصري أحمد رامي عدة مرات في منزله بالقاهرة، وأصبحنا أصدقاء رغم فارق السن بين شاعر شاب في سن التاسعة عشرة، وشيخ عجوز في الثالثة والسبعين. فقد كان يأنس لزيارتي مع بعض أصدقائي المصريين، لأني كنت أنبش ذاكرته باستمرار، وكان دائماً يقحم اسم أم كلثوم في أي حوار. ذهبت إليه شاعراً معجباً بترجمته لرباعيات الخيام، التي غنّت بعضها أم كلثوم. وأتذكر أيضاً أنه كان شاعراً كارهاً للحديث في السياسة، وعندما شاهدت (مسلسل أم كلثوم)، الذي عرض عام 2000، لم أجد تقارباً في الشكل بين أحمد رامي، وبين الممثل الذي أدى دوره، فالرجل الذي قابلته عام 1965، يلثغ قليلاً، وكان وجهه مليئاً بحفر بقايا الجدري، تشع الطيبة من وجهه، لبق وسطي في آرائه، شاعر غنائي، ذو ثقافة تقليدية واسعة. لم يكن يؤمن بالشعر (الحر التفعيلي)، لكنه لم يعلن عن عداء له، بل يكتفي بالقول (أنا رجل كلاسيكي من جيل آخر). وفيما يلي، نص الحوار معه عام 1965، كما نشرته (مجلة الأفق الجديد المقدسية):

  • استاذ رامي.. نبدأ بتعريف قرّاء الأفق الجديد بنشأتك وتطورك أي مسار الحياة: البيئة – الثقافة- تجارب الحياة، فما الذي حدث معك؟

رامي: ولدت في القاهرة سنة 1892م. وتخرجت بعد دراستي الثانوية في مدرسة المعلمين العليا بالقاهرة. وعملت ستة أعوام في التعليم، ثم ذهبت في بعثة إلى باريس، ودرست بمدرسة اللغات الشرقية، وتخصصت في اللغة الفارسية، ثم درست في جامعة السوربون، ونلت شهادة دبلوم في فن المكتبات. ثم عدت لأعمل وكيلا لدار الكتب المصرية بالقاهرة عام 1924، وبقيت موظفاً حتى إحالتي علي التقاعد سنة 1954. ومنذ ذلك الوقت حتى الآن (1965)، أعمل بدار الإذاعة (صوت العرب) مستشاراً، أشرف على الفنون الأدبية.

  • ومتي بدأت رحلتك مع الشعر؟

رامي: كتبت الشعر في السنة الاولى الثانوية (15 سنة). وكانت أول قصيدة نظمتها بعنوان (يا مصر) ومطلعها: (يا مصر أنت كنانة الرحمن / في أرضه من سالف الأزمان).

  • وماذا كانت حصيلة الرحلة مع الحياة أدبياً؟

رامي: أصدرت دواوين شعرية تحت عنوان (ديوان رامي) في السنوات (1918 – 1920 – 1925 – 1932 – 1947 – 1952 – 1964 – 1965). وأصدرت رواية شعرية اسمها (غرام الشعراء) عن ولادة ابن زيدون. ثم كتبت للسينما روايات الأفلام: (وداد – دنانير) للسيدة أم كلثوم. وقمت بتعريب رباعيات الخيام بعد عودتي من باريس. كما قمت بترجمة خمس عشرة رواية ومسرحية لكتاب أوروبيين منها أربع مسرحيات لشكسبير. واشتركت في تأليف أغان وحوارات لخمسة وثلاثين فيلماً، أهمها من وجهة نظري (الأمل – عايدة – فاطمة) للسيدة أم كلثوم و(الوردة البيضاء – دموع الحب – يحيا الحب – رصاصة في القلب) لمحمد عبدالوهاب. وقمت بتأليف مائتي أغنية، منها (150 أغنية لام كلثوم) والباقي اشترك فيها عبدالوهاب وأسمهان وليلي مراد، تلك هي حصيلة الرحلة.

  • والآن (1965).. ماذا تعد أدبياً؟

رامي: اعمل على إعداد مسرحية روميو وجوليت للمسرح العالمي بالقاهرة

  • لمن قرأت في مطلع حياتك من الشعراء وبمَن تأثرت في تجربتك الشعرية؟ ما مصادرك الثقافية؟

رامي:  قرأت الكتب الجامعة للمختارات الشعرية لشعراء كثيرين. ثم انقطعت لقراءة احمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران من المعاصرين. كذلك قرأت من القدامى: الشريف الرضي – أبا نواس – المتنبي – أبا تمام.

  • أنت أقرب الى الشريف الرضي.. هل هو المؤثر الأقوى؟

رامي: لا أظن أن هناك أثراً خاصاً من أحد، لأنني اعتدت منذ بدايات اشتغالي بالشعر، أن اقرأ كثيراً وأحفظ قليلاً، فأصبحت شخصيتي الشعرية مستقلة في نتاجاتي. أما التأثير الأهم فهو قادم من تجارب الحياة. فقد قضيت طفولتي في إحدي جزر الأرخبيل اليوناني، بصحبة والدي الطبيب الذي أوفدته الحكومة المصرية ليكون طبيباً خاصاً في جزيرة (طاش يوز)، وكانت هذه الجزيرة من أملاك مصر في ذلك العهد.

  • يقول النقاد أنك في ترجمتك لرباعيات الخيام، حذفت الكثير منها، وحاولت أن تظهر الخيام بصورة المؤمن التقي الصوفي. ويقولون أنك اختصرت رباعيات الخيام الى (175 رباعية) مع أن المراجع تقول أنها تتجاوز الـ(450 رباعية)، وقد تصل عند البعض الى (800 رباعية). ما تعليقك؟

رامي: كانت ترجمتي لرباعيات الخيام بعد دراسة لها، فقد رجعت إلى كل المخطوطات المنسوبة للخيام لاختيار الصادق والصالح منها. وكان اعتمادي الأساسي على مجموعة صغيرة نشرت عن حياة الخيام، وعلى ضوء هذه المجموعة الصغيرة، اخترت 175 رباعية من حوالي ألف رباعية نسبت إلى الخيام، أو دست عليه، ولا يمكن القطع بصحة نسبتها للخيام، لأن أقدم مخطوط له كان منسوخاً بعد 350 سنة من موته، ولذلك احتار الدارسون في معرفة الرباعيات الصحيحة.

  • بدأت تكتب شعرك فصيحاً ثم تحولت الى الشعر اللهجي.. لماذا؟

رامي: نشرت ثلاثة دواوين وترجمت رباعيات الخيام عن الفارسية، ولم أكن قد نظمت بيتاً واحداً من الزجل، وإنما دفعني الى النظم باللغة الدارجة، رغبتي في النهضة بالأغاني الشائعة علي يد سيدة الغناء أم كلثوم، على أني أراوح في نظم هذه ألاغاني بين عربية فصيحة ودارجة، ولي قصائد بالفصحى أطبعها في دواويني من وقت لآخر وأشترك بها في المهرجانات وإنما كثرة الإنتاج العلمي ناتجة عن انه يأتي عفو الخاطر.

  • إن للموسيقي قدراً كبيراً عندك فالموسيقي هي قصائدك..

رامي: الأصل في الشعر أن يكون موسيقياً لأبعد الحدود، فإذا كان هذا الشعر منظوماً لقصد الغناء كان ادعى إلى تلمس الموسيقية في ألفاظه وأبحره وقوافيه حبي للموسيقي يدفعني دائماً إلى وضع الأغاني التي يرتاح لها قلب الملحن والمغني وأذن السامع.

  • الشعر العاطفي له النصيب الأوفر من شعرك؟

راني: الشعر عاطفة في كل نواحيه، لأن الدافع إليه، هو العاطفة، وقد اشتهرت بين الأدباء بأنني انقطعت لكتابة الغزليات، وهذا غير صحيح لأني انظم وأذيع في شتي الإغراض الشعرية، وقد يكون مبعث تلك الشهرة، ما يذيعه المغنون والراديو والتلفزيون والسينما، وكل هذا أوسع من الشعر المطبوع في كتاب يضم شتي الإغراض.

  • ما هو الطقس الذي تكتب فيه أشعارك؟

رامي: أنظم شعري في كل زمان ومكان، ويساعدني على ذلك أني لا اكتب ما أنظم، وإنما أتغنى به خالياً وفي وسط الناس، حتى إذا تم سجلته على الورق، معتمدا في كل ذلك على الخاطر والدافع إلى النظم، وهذا وحي لا يمكن تحديد الوقت الذي يهبط عليّ فيه. على أن أحب الأوقات إليّ، هو وقت الغسق حين يختلط النور بالظلام، وأثناء الليل تحت نور منعكس.

  • هل يمكن أن يصل الأدب العربي لمستوي العالمية؟

رامي: يصبح الأدب العربي عالمياً، إذا توفر غير العرب علي دراسة لغتنا إلى الدرجة التي يستطيعون فيها أن يقرأوا أدبنا بلغته الأصلية، أما أن يترجم الشعر إلى لغات أخرى، ويستطيع أن يحافظ على ما فيه من إبداع في النظم والخيال والإجادة في الأسلوب، فهذا أمر عسير على أدبنا في الشعر، أما ترجمة الروايات والقصص التمثيلية والأبحاث، فهي الآن في طريقها إلى القارئ الغربي.

  • هل يمكن للأديب العربي أن يعيش من أدبه؟

رامي: الأدب هواية قبل أن يكون وسيلة ارتزاق، وعلى الأديب أن يبدع فينبه الناس إليه، ويقبل الناشرون على إذاعة ما يكتب، وعندها يكسب رزقه من الأدب ويقبل الناشرون على إذاعة ما يكتب. أما إذا كتب الأديب للرزق كغاية، فإنه يحار بعد ذلك بين الفن والمال، وهذه الحيرة تؤذيه في ما ينتج.

__________

  • مجلة الأفق الجديد، القدس، فلسطين، العدد الثاني عشر، كانون أول، عام 1965.