(الحقيقة في الطب غاية لا تدرك والعلاج بما تنصه الكتب دون إكمال الماهر الحكيم برأيه خطر)(1).

ظهر اهتمام العرب المسلمين بالطب في مرحلة باكرة من تاريخهم، وذلك بتأثير القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة(2)، فيقول الشافعي – رحمه الله -: (صنفان لا غنى للناس عنهما الأطباء لأبدانهم والعلماء لأديانهم)، وهذا دليل قاطع يؤكد أهمية الطب والأطباء ومـكانتهم، والتشجيع على طلب العلم والمعرفة ولاسيما فيما يتعلق بصحة الإنسان إذ روي عن الشافعي قوله (العلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان).

مقدمة في علم الطب العام عند المسلمين

الرازي

يأتي الطب وغيره من العلوم العلمية في مقدمة العلوم التي برع ونبغ فيها العرب، فكانت لهم إسهاماتهم من خلال اطلاعهم على التراث الفكري والثقافي للحضارات القديمة، إذ انصهر هذا التراث مع معارفهم وإبداعاتهم لدعم الحضارة العربية الإسلامية في جميع ميادينها وعلومها ومختلف فنونها، بجمع ما تبقى حولهم من تراث الأمم المتحضرة وعلومها وكتبها، فنهلوا منها الكثير واقتبسوا من علماء اليونان، والرومان، والهنود، والفرس بعد أن أدخلوا التعديلات والزيادات على ما أخذوه فأضافوا خير إضافة، ولهذا لم يكن العرب والمسلمون ناقلين للعلوم، ولكن مطورين لها مضيفين عليها من إبداعاتهم ومتحصلاتهم الفكرية والعلمية خاصة في العلوم الطبية، فكانت لهم اللمسات الخاصة والإضافات العلمية الدقيقة في المجالات الطبية التي بزغت ونضجت في عصر الدولة العباسية فتطور علم الطب تطوراً ملحوظاً، لظهور وتطور حركة الترجمة، وبروز العناصر الطبية العربية وغير العربية، وكان هذا كله بدعم وتشجيع الخلفاء ومنهم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي عرف بحبه للعلوم وتوسعه فيها، والخليفة المأمون الذي عرف بولعه بالعلوم ولا سيما اليونانية ومنها الطب، فاجتمعت الرغبة عند المنصور والمأمون فقاما بشراء المخطوطات اليونانية وحفظوها في المكتبة المعروفة (ببيت الحكمة) في القرن الثالث الهجري(3)، ولا سيما الطبية مثل كتب أبقراط(4)، وجالينوس(5)، وديسقوريدس(6).

وبهذا برزت الترجمة هنا أكثر وظهر مـا يسمـى بطبقة المترجمين، وكان أبدعهم في ترجمة الكتب الطبية حنين بن إسحاق(7)، الذي قام بترجمة الكتب وإصلاحها، وقد اعتمد المأمون على مجموعة كبيرة من المترجمين الذين كانوا عصبة في نقل المعارف والعلوم من الحضارات والثقافات الأخرى من الهندية والفارسية واليونانية إلى العربية، وكان علي رأس هؤلاء المترجمين “حنين بن إسحاق” – كما ذكرنا- إذ أحضر المأمون حنين بن إسحاق، وكان صغير السن، وأمره بنقل ما يقدر عليه من كتب الحكماء اليونانيين إلى العربية، وإصلاح ما ينقله غيره، فامتثل أمره. ومما يحكى عنه أن المأمون كان يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربية مثلاً بمثل(8)، نظراً لأنه اضطلع بمسؤولية الترجمة في بيت الحكمة، وقد تعامل حنين مع النصوص الطبية القديمة بتصرف دقيق وحرفية عالية(9). إن حصول العرب والمسلمين على المخطوطات لأشهر المؤلفات اليونانية ولا سيما الطبية، كان من شروط الصلح(10).

فإن لهذا الاتصال المعرفي والثقافي عبر قناة الترجمة أثره المهم في توسيع مدارك الأطباء العرب والمسلمين في مجال المعرفة والعلوم الطبية، فأخذ العرب خلال عصر قبل الإسلام عن الأقوام المجاورة، ولا سيما الفرس والروم، وتمكنوا من إتقان بعض العلاجات في مجال العيون، والأسنان والعظام، وأمراض المعدة(11)، وفي هذا حرص الأطباء العرب على تقديم النصح والإرشاد حول العادات الصحية وتأكيد الممارسات المتوازنة. ونتيجة لأهمية الطب وقيمته عند العرب، فقد نال المشتغلون فيه مكانة بارزة وأهمية اجتماعية ملؤها الاحترام والتقدير.

الأمر الذي استوجب علي المقدمين للالتحاق بالأطباء ومهنتهم وصنعتهم أن يتخطوا ما وضع لهم من امتحانات، إذ فرض الامتحان على الأطباء في أيام الخليفة المقتدر بالله (295320 هـ/ 908932م). ومن أحد الأسباب التي دعيت إلى امتحان الطبيب هو أن أحد المتطببين قد تسبب في وفاة مريض. وهذا يعود إلى جهله وعدم معرفته الكافية بتشخيص المرض الواقع به ومن ثم إعطائه الدواء الخطأ الذي أدى إلى وفاته. عندها أمر الخليفة المحتسب إبراهيم بن محمد أبو بطيحة، بمنع سائر المتطببين من ممارسة مهنتهم إلا بعد امتحان(12).

الأثر الإسلامي في الطب الأوروبي

اقتبس العرب عن الإغريق النظريات الطبية التي لا تشكل قاعدة ثابتة ومرضية لعلاج المرضى، إلا أنهم ركزوا على الأمور العملية بدلاً من النظرية في العلاج الطبي، وقام العرب بكثير من الاستكشافات الطبية(13)، وأحرزوا تقدماً في فن الاستطباب، ومن أشهر الجراحين: أبو القاسم القرطبي خلف بن العباس الزهراوي (ت404هـ/1013م) الذي جعله كتاب (التصريف لمن عجز عن التأليف) من أكبر جراحي العرب وأستاذ علم الجراحة في أوروبا، في العصور الوسطى وعصر النهضة الأوروبية حتى القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي.

تعريف الطب والمرض

الطب في اللغة، مثلث الطاء هو (علاج الجسم والنفس)(14)، فهو علم يتعرف منه ويستنتج على أحوال بدن الإنسان من جهة ما يصح ويزول عن الصحة ليحفظ الصحة حاصلة ويستردها إزالة(15).

كما أن أحوال بدن الإنسان ثلاثة وهي: الصحة والمرض والحالة الثالثة هي التي تتوسط بينهما، وقد عرف كل من أبقراط وجالينوس الأمراض في أنها خروج الأعضاء في تركيبها عن الاعتدال الطبيعي. في حين عرف الطبيب ابن ميمون القرطبي المرض قائلاً (إن المرض هو حالة للبدن خارجة عن المجرى الطبيعي بها تنال الأفعال الضرر)(16).

ويقول الرازي في ذلك (متى كانت القوة معادلة للمرض احتاجت إلى معونة الطبيب، ومتى كانت العلة قاهرة كان اضطرارها إلى معونة الطبيب أشد)(17).

ابن خلدون وعلم الطب

يفرد ابن خلدون في مقدمة قولاً عظيماً في الطب وعلمه إذ يذكر (ومن فروع الطبيعيات صناعة الطب وهي صناعة تنظر في بدن الإنسان من حيث يمرض ويصح، فيحاول صاحبها حفظ الصحة وبرء المرض بالأدوية والأغذية، بعد أن يتبين المرض الذي يخص كل عضو من أعضاء البدن، وأسباب تلك الأمراض التي تنشأ عنها، وما لكل مرض من الأدوية مستدلين على ذلك بأمزجة الأدوية وقواها، وعلى المرض بالعلامات المؤذن بنضجه وقبوله الدواء أولاً: في السجية والفضلات والنبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنها المدبرة في حالتي الصحة والمرض. وإنما الطبيب يحاذيها ويعينها بعض الشيء بحسب ما تقتضيه طبيعة المادة والفصل والسن ويسمى العلم الجامع لهذا كله علم الطب. وربما أفردوا بعض الأعضاء بالكلام وجعلوه علماً خاصاً، كالعين وعللها وأكحالها، كذلك ألحقوا بالفن من مناخ الأعضاء ومعناها المنفعة التي لأجلها خلق كل عضو من أعضاء البدن الحيواني. وإن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب إلا أنهم جعلوه من لواحقه وتوابعه. وأمام هذه الصناعة التي ترجمت كتبه فيها من الأقدمين جالينوس يقال إنه كان معاصراً لعيسى عليه السلام ويقال إنه مات بصقلية في سبيل تغلب ومطاوعة اغتراب. وتآليفه فيها هي الأمهات التي اقتدى بها جميع الأطباء بعده. وكان في الإسلام في هذه الصناعة أئمة جاءوا من وراء الغاية مثل الرازي وابن سينا، ومن أهل الأندلس أيضاً كثير وأشهرهم ابن زهر. وهي لهذا العهد في المدن الإسلامية كأنها نقصت لوقوف العمران وتناقصه وهي من الصنائع التي لا تستدعيها إلا الحضارة والترف كما نبينه بعد. وللبادية من أهل العمران طب يبنونه في غالب الأمر على تجربة قاصرة على بعض الأشخاص متوارثاً عن مشايخ الحي وعجائزه، وربما يصح منه بعضه إلا أنه ليس على قانون طبيعي ولا على موافقة المزاج. وكان عند العرب من هذا الطب كثير وكان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة وغيره. والطب المنقول في الشرعيات من هذا القبيل وليس من الوحي في شيء وإنما هو أمر كان عادياً للعرب(18).

الرازي رائد الطب الإكلينيكي

هو أمير الأطباء، أبقراط العرب، منقذ المؤمنين. كما وصف علي أنه جالينوس العرب، وقيل عنه أيضاً «كان الطب متفرقاً فجمعه الرازي»، وهو أبو بكر محمد بن يحيى بن زكريا الرازي، من علماء القرن الثالث الهجري،  ولد بمدينة الري جنوبي طهران بفارس في سنة 250251ه/ 864865  وتوفي عام 923924م. وسمي بالرازي نسبة إلى هذه المدينة. تنقل في معيشته بين مدينة الري وبغداد ثم استقر به الحال في بغداد في زمن الخليفة العباسي المقتدر بالله جعفر بن المعتضد عضد الدولة(19)، عمل رئيساً للبيمارستان ببغداد في عهد الخليفة المعتضد (279289هـ)(20).

عُد الرازي من أعظم الأطباء المسلمين في العصور الوسطى. تتلمذ في علوم الطب على يد علي بن زين الطبري (صاحب أول موسوعة طبية عالمية «فردوس الحكمة»)، والفلسفة على يد البلخي صاحب الإسهامات الجمة في العلوم الفلسفية، فكان الرازي متقناً لمهنة الطب، عارفاً بأوضاعها وقوانينها، حتى اشتهر وأصبح معروفاً فأخذ الطلبة وطالبو العلم من جميع الجهات يقصدونه لكي يتعلموا منه ومن علمه، وكان يصر على طلابه أن يكملوا ويواصلوا تعليمهم في الطب لإثراء ذلك الميدان من العلوم، إذ أصبح بعد ذلك مرجعاً أساسياً لمعظم الحالات المرضية الصعبة والمستعصية، لذلك لقب بـ «جالينوس العرب».

بحق جالينوس العرب لكفاءته الكبيرة وقوة ملاحاته وابتكاراته ونقده الدال على فطنة وذكاء حاد وبصيرة نافذة، فضلاً عن ذلك ما تميز به من حسن معاملة المرضى فكان رؤوفاً بهم ساعياً مجتهداً في علاجهم، فكان متفنناً في علم الطب وصناعته وحاذقاً عارفاً بها وبأوضاعها وقوانينها، فعُد بلا شك من أعظم أطباء عصره والعصر الذي تلاه بلا محاباة، فكان استثنائياً في الحضارة الإسلامية فكان في الدرب نفسه الذي سلكه وسار فيه أبقراط أيقونة الطب اليوناني وأحد أبرز علماء الطب(21).

وكان لمؤلفات الرازي فضلٌ كبيرٌ في التفكير الطبي في التاريخ الإسلامي نظراً لما تمتع به من ملاحظة قوية ومتكررة للأعراض المرضية، وواصفاً إياها بأدق الألفاظ والصفات الطبية التي تعكس قدرته وحنكته، فهو من أوائل العارفين بقيمة الآثار النفسية في العلاج، إذ دعا الأطباء إلى عمل كل ما في وسعهم لرفع الروح المعنوية للمرضى حتى يتثنى لهم العلاج، فكان يقول (على الطبيب أن يوهم مريضه بالصحة ويمنيه إياها، وإن لم يثق بذلك؛ لأن مزاج الجسم تابع لأحوال النفس وأخلاقها)(22).

الطب الإكلينيكي.. ماهيته عند الرازي

هو مصطلح طبي مشتق من السرير في المستشفى، ويستخدم في الإشارة إلى الفحص السريري أو الدراسة السريرية للمريض، وبشكل عام فإن الفحص السريري والعلامات السريرية تشير إلى ما يمكن للطبيب أن يلاحظه على المريض أو أن يفحصه في غرفة الفحص من دون استخدام آلات تشخيصية أو معدات طبية أو مخبرية، ولكن عن طريق النظر إلى المريض وفحصه في السرير.

واستخدم المصطلح في الاستخدامات السريرية مرادفاً لاستخدامات داخل المشفى كإشارة إلى سرير المرض. من ناحية أخرى فإن المصطلح سريري يستخدم عند بعض الأوساط الطبية للتفريق ما بين الاستخدام النظري المدرّس في الكتب والاستخدام العملي «عند سرير» المرضى، أي الجانب العملي.

والطب الإكلينيكي عند الرازي علي ما جاء في وصفه للحالات المرضية وتفحصها التي وردت عليه والتي ذكرها في كتابه الحاوي. ويعتبر أسلوب الرازي في علاج مرضاه أسلوباً فارقاً في تاريخ التعليم الطبي بتسجيله لوقائع نشاطه في البيمارستان سواء كان أستاذاً ومعلماً وممارساً، فضلاً عما نادى به من الممارسات الإكلينيكية في كتبه ورسائله التي حفلت بالتجارب والممارسات والتي هي في أصلها الضوء الأول في الطب الإكلينيكي فيما بعد(23).

ويتلخص الطب الإكلينيكي عند الرازي علي المنهج العلمي القائم علي الخبرة ومهارة أصحاب التجارب، لا على البحث عن الماهيات والعلل والمبادئ الكلية. بهذا شغل الرازي موقعاً متميزاً وبارزاً في استخدام الحس الإكلينيكي وتعميقه لدى الأطباء العرب ومن جاء بعدهم وسار على نهجهم فكان نبراساً في هذا العلم وفي تاريخ الطب في العصور الوسطى.

وركز الرازي في ضرورة التحاق الطبيب بالبيمارستان حتى يكتسب الخبرة الإكلينيكية من ملازمة المرضى، التي تضمن للطبيب النجاح والإبداع في عمله، إذ لا توجد تلك المهارة الإكلينيكية للطبيب إلا عند من كانت لديه عقلية متحررة مما لا يجد أدنى حرج في ترك التقاليد الطبية وفي الخروج على النهج والسلطة العلمية، ليبرع في عمله وليمتلك تلك المهارة التي تخرج من وحي معارفه وخبراته المباشرة، أي أنه يحول الطب التقليدي جملة من الاهتمام بالكليات في المرض إلى الاهتمام بالخبرة الإكلينيكية في العلاج وتطبيع هذه الكليات للتأقلم مع الخبرة.

واكتساب الطبيب لهذه المهارة الإكلينيكية يضمن له التميز والنجاح في علاج مختلف العلل والأعراض، من حلها والتفريق بين بعضها البعض من الأمراض المختلفة في جسم الإنسان، فضلاً عن ذلك تكون لديه القدرة علي معرفة أوقات الأمراض ومواعيدها بحسب نوعها بقوله (وكذلك فليمتحن المعرفة بأزمان الأمراض وتغيير العلاج في زمان زمان، وبحسب نوع نوع، فإن هذا مما لا يسعه أن يكون طبيباً إلا بمعرفته)(24).

منهج الطب الإكلينيكي عند الرازي

أولاً: فحص الشكوى:

عمد الرازي في علاج مرضاه إلى أن يبحث في شكواهم بحثًاً دقيقاً فاحصاً ثم يستعرض حالتها بما لديه من معارف وخبرات ويتابع سير المرض وتقدمه في جسم المريض متابعة فاحصة دقيقة، ثم يقوم بتسجيل نتائج الحالة. ويتجلى منهج الرازي في استعراضه لإحدى الحالات التي تعاني ورماً كبيراً في المعدة بقوله (لأني بعد أن شاهدت بجانبه عرفت أن له شهراً وتقدمت حكى حادة ثم سكتت، فعلمت أنه قد كان خراجاً ثم نضج وجمع، فأخذت فيما ينقيه ويفجره)(25).

ثانياً: التشخيص المقارن:

كما اعتمد الرازي التشخيص المقارن للأمراض، الذي كان فيه نوعان: الأول: أن يتناول علامة من علامات المرض ثم يبحث فيها وفي أسبابها وكيفية التفريق بين الأسباب المختلفة لها. الثاني: أن يتناول أمراضاً متشابهة ويقارن بين علامات كل منها مقارنة توضح ما يجب الأخذ به عند التشخيص(26).

مثال التفرقة بين مرضي الجدري والحصبة، يذكر (أن الحصبة إنما تكون حمرة فقط في سطح الجلد وليس لها عمق ألبتة أعني نتوءاً وعلواً، والجدري يكون كما يبدو مستديراً وله نتوء)(27).

ثالثاً: توقع مسار المرض:

من ضمن المنهج الإكلينيكي الذي اتبعه الرازي في علاجه لمرضاه أن يتوقع مسار المرض، عن طريق معرفة الحالة المرضية وعاقبتها من الشفاء أو المضاعفات فضلاً عن تعرف تأثير عمر المريض وجنسه، وإمكانية وجود أمراض أخرى مصاحبة في المريض، وكذلك لم يستبعد العوامل الوراثية وتأثيرها في تطور المرض، كلها أمور اهتم بها الرازي وساعدته على وضع خطة علاجية مناسبة لمكافحة المرض ومجابهته(28).

رابعاً: فترة النقاهة:

لم تقتصر ملاحظات ومتابعات الرازي لمرضاه على فترة مرضهم، بل امتدت إلى مراقبتهم ومتابعتهم والعناية بهم في فترة ما بعد العلاج تحسباً لحدوث حالات انتكاسة مفاجئة أو أي أعراض جانبية بعد العلاج. وهذه المتابعات كانت تعتمد بشكل كبير على طاعة المريض واستجابته لكل التحذيرات والنصائح التي كان يتلقاها. وكانت تلك المتابعات قد تطول لفترات طويلة قد تصل لسنوات، خاصة فيما يتعلق بأمراض العظام إذ يذكر (كنت أعالج رجلاً بمدينة السلام من أوجاع المفاصل الحادة، وكنت أتقدم في حراسته منها؛ لأنه كان سامعاً مطيعاً، وكانت تنوب عليه في جو أيام الربيع نوائب صعبة شديدة فحفظته منها ثلاث سنين)(29).

وبما تم عرضه من مقتبسات من الطب الإكلينيكي عند الرازي، يتضح لنا أنه صاحب مدرسة بارزة شامخة في الدولة الإسلامية من الأطباء الفلاسفة لما يمثله من منهج علمي قائم على الاهتمام بالمرض وتشخيصه وعلاجه ومتابعته للوصول إلى الشفاء، وهو ما اكتسبه من دراسته وحبه للفلسفة باستخدام الدلالات والمشاهدات والملاحظات وهو في ذاته منهج الطب الإكلينيكي الحديث – الطب السريري-.

الهوامش والمراجع

1– ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، تحقيق: نزار رضا، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965م، ص  419.

2– عبد الحليم عويس، الحضارة الإسلامية إبداع الماضي وآفاق المستقبل، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2012م، ص 208.

3– عبد الحليم عويس، المرجع السابق، ص 212.

4- أبقراط: ولد في قوص سنة (460 ق. م) كان أبوه طبيباً ساح كثيراً حتى استقر في أثينا وهو أول من نادى بعزل الطب عن السحر. وقد أحدث تطورات كثيرة على صناعة الطب، ولهذا عد من أعظم اطباء التاريخ. ينظر: ابن النديم، أبو الفرج محمد بن إسحاق، الفهرست، تحقيق: رضا تجدد، طهران، 1971م، ص346 –347، ابن أبي أصيبعة، المصدر السابق، ص 44.

5– جالينوس: ولد في برغامون سنة (131م) وتوفي وقيل إنه عاصر السيد المسيح، طاف في آسيا الصغرى، وسوريا، وفلسطين. سار الأطباء العرب على آرائه وطرق علاجه من خلال ترجمة كتبه في زمن الحضارة العربية الإسلامية. ابن أبي أصيبعة، المصدر السابق، ص 86– 87.

6– ديسقوريدس Dioscorides: طبيب شامي حشائشي من عين زرية (تركيا حالياً) ولد سنة (20م)، كان بعد أبقراط، برع في الطب وعلاجاته واشتهر بعنايته بالعقاقير المفردة التي داوم على معرفتها في أحوالها المختلفة أربعين سنة. فجاءت موسوعته جامعة في النباتات والأدوية ما يقارب (600) نبات و(100) عقار.

7– حنين بن إسحاق: ولد في بغداد، كان أعلم آهل زمانه باللغة اليونانية، والفارسية، والسريانية إضافة إلى العربية ولا سيما في علوم الطب. وقد ترجم الكثير من الكتب الطبية، خاصة كتب أبقراط. ابن أبي أصيبعة، المصدر السابق، ص 258.

8– أحمد فريد رفاعي، عصر المأمون، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، 2008م، ص360.

9– لاندو روم، الإسلام والعرب، ترجمة: منير البعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، 1962م، ص 261.

10– محمد عبد السلام كفافي، الحضارة العربية طابعها ومقوماتها، مصر، 1940م، ص 50.

11– ابن أبي أصيبعة، المصدر السابق، ص 163.

12– ابن أبي أصيبعة، المصدر السابق، ص 273.

13– لويس إيميلي سيديو، خلاصة تاريخ العرب، دار الجيل للنشر والتوزيع والطباعة، ص239.

14– الزبيدي، محمد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، المطبعة الخيرية، مصر، 1306هـ، مجلد1، ص 315.

15– ابن سينا، أبو علي الحسن بن علي، القانون في الطب، بيروت، د. ت، ج1، ص 33.

16– نهاد مجيد الحسن: تاريخ الطب في قرطبة الإسلامية من سنة (92هـ -711م) إلى (633هـ –1236م)، رسالة ماجستير غير منشورة، مجلس كلية التربية للبنات – جامعة بغداد، 2004م، ص63.

17– الرازي، المرشد، تقديم وتحقيق: السير زكي أسكندر، مجلة معهد المخطوطات العربية، العدد الحادي والخمسون، القاهرة، 1961م، ص101.

18– ابن خلدون، المقدمة، الجزء الثالث، مكتبة الأسرة، الطبعة الثانية، 2006م، ص1026.

19– مصطفى لبيب عبد الغني، تاريخ العلوم عند العرب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2008م، ص123124.

20– عبد الحليم عويس، الحضارة الإسلامية إبداع الماضي وآفاق المستقبل – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 2012م، ص 218.

21– سمير يحيى الجمل، الطب والصيدلة المصرية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، الجزء الثالث، 1999م، ص76.

22– سمير يحيى الجمل، المرجع السابق، ص77.

23– سمير يحيى الجمل، المرجع السابق، ص77.

24– مصطفى لبيب، المرجع السابق، ص 220224.

25– مصطفى لبيب، المرجع السابق، ص. 222.

26– مصطفى لبيب، المرجع السابق، ص228– 229.

27– الرازي، الحاوي، دائرة المعارف العثمانية، 1960م، ص 14– 16.

28– مصطفى لبيب، تاريخ العلوم عند العرب، ص 232.

29– مصطفى لبيب، المرجع السابق، ص239.

الرابط :

http://www.alfaisal-scientific.com/?p=2180