ترجمة حفصة جودة

لقد جلب الاستعمار الثروات لبريطانيا والعديد من الدول الأوروبية ولعب دورًا رئيسيًا في استعباد أكثر من 10 ملايين إفريقي، كما خلق أول الأسواق العالمية في القطن والتبغ والسكر، لكنه الآن متهم بالتسبب في تأثير أكبر من ذلك، فالأبحاث تقول إنه غيّر من بنية الأرض.

هذا الرأي خرج به اثنان من علماء المملكة المتحدة اللذين يؤمنان بتأثير الاستعمار العميق في صخور الأرض وهوائها، وقد تحدثا عن تلك الفكرة في كتابها “الكوكب البشري” المنشور منذ أسبوع، كان الباحثان سيمون لويس ومارك ماسلين من كلية جامعة لندن قد وصفا استعمار الأمريكتين وغيرهم من الأراضي بأنه تجربة تطورية بشرية واسعة بدأت في القرن الـ16 وسوف تستمر إلى أجل غير مسمى.

يتفق معظم العلماء الآن على أن البشرية تؤثر في كوكبنا بطريقة تتشابه مع القوى الجيولوجية مثل “حركة الصفائح التكتونية”، فنحن الآن نقوم بالتعدين في باطن الأرض ونتسبب في تحميض المحيطات ونخلق طبقة جديدة من الصخور مليئة بالبلاستيك كما تسببنا في فناء العديد من الأنواع، نتائج جميع هذه الأفعال سوف تظهر في الصخور بعد ملايين السنين وهذا العصر الجديد يطلق عليه العلماء “Anthropocene” (أنتروبوسين).

كان لوصول الأوروبيين خاصة البريطانيين والإسبان تأثير عميق على وسط وجنوب أمريكا

لكن العلماء يختلفون بشأن بداية هذا العصر، فبعضهم يقول إنه بدأ من انفجار أول قنبلة ذرية التي أدت إلى ثورة تكنولوجية كما أنها تركت سجلاتها الإشعاعية في صخور الأرض، أما الآخرون فيقولون إنه أحدث من ذلك ويشيرون إلى البلاستيك الذي يغطي الأرض الآن ويختلط بالصخور ويشكل طبقة جيولوجية خاصة به، على كل حال يتفق معظمهم على أن عصر الأنتروبوسين حديث نسبيًا.

أما لويس وماسلين فيختلفان مع ذلك، فقد أشارا إلى نقطة بداية أبعد بكثير وهي استعمار العالم الجديد بواسطة المستكشفين الأوروبيين والمستعمرين والجنود في القرن الـ16، يقول ماسلين: “كان لوصول الأوروبيين خاصة البريطانيين والإسبان تأثير عميق على وسط وجنوب أمريكا، فقد حملوا جراثيم الجدري والحصبة والإنفلونزا والتيفود والعديد من الأمراض التي أدت إلى موت أكثر من 50 مليون أمريكي، فلم يتعرضوا سابقًا لهذه الأمراض، أدى ذلك إلى انهيار المجتمع الأمريكي والقضاء على زراعة الكفاف”.

فئران

 

 

قضت الفئران والآفات الأخرى التي حملها المستعمرون على الأنواع المحلية

لقد عادت الغابات إلى الأراضي التي هجرها البشر ويمكن اكتشاف ذلك من خلال الجليد في القطب الجنوبي، يقدم لنا ذلك تاريخ الغلاف الجوي منذ آلاف السنين ويظهر أن مستويات ثاني أكسيد الكربون قد وصلت إلى أقل مستوى لها عام 1610 بسبب الغابات، حيث إنها أفضل في امتصاصه عن المحاصيل الزراعية التي تغطي الآن معظم الأراضي الأمريكية بعد إبادة الأشخاص الذين زرعوا فيها من قبل وقد استمر هذا التأثير لعقود قبل أن تعود الكثافة البشرية إلى أمريكا.

بحسب لويس وماسلين فهذا العام “1610” يعد البداية الحقيقية لعصر الأنتروبوسين، ولم تكن حركة الأمراض التي نشرها المستعمرون السبب فقط لكنه بسبب النباتات والحيوانات أيضًا، فخلال عقود من اكتشاف أمريكا، كان الأوروبيون يأكلون البطاطس والطماطم وكانت الصين والهند تستهلكان الفلفل، كان لهذه الواردات تأثير عميق، فوصول الذرة أدى لزراعة الأراضي الجافة مما خلق موجة جديدة من تدمير الغابات وزيادة عدد السكان.

لقد أصبحنا إحدى قوى الطبيعة حيث نقرر من يعيش ومن ينقرض

أدى استعمار أمريكا إلى ظهور مثلث تجاري؛ حيث تُباع البضائع المصنعة في أوروبا إلى العبيد في إفريقيا الذين ينقلون إلى أمريكا لزراعة القطن والتبغ من أجل أوروبا، ولأول مرة أصبح العالم مرتبطًا بنظام اقتصادي واحد وأصبح تأثير هذه العولمة كبيرًا وواسعًا، وأحد تأثيراتها كان تجانس الحياة على كوكب الأرض، فالفئران والآفات التي انتقلت على السفن مع المستعمرين قد اجتاحت الأنواع المعزولة بينما تحولت الكثير من الأراضي إلى أراضٍ زراعية.

يقول ماسلين: “أفضل مثال على ذلك تقدمه ديدان الأرض، ففي الولايات المتحدة ستجد أن معظم الديدان الأرضية ديدان أوروبية بالأصل، فهي أفضل في التنافس على الغذاء، لذا فقد استولت على التربية في أمريكا الشمالية منذ وصول المستعمرين في القرن الـ16، وهو أمر لم يكن اختياريًا”.

ويضيف المؤلفان: “لقد بدأ عصر الأنتروبوسين بانتشار الاستعمار والعبودية وتبين قصته كيف يتعامل البشر مع البيئة وكيف يتعاملون مع بعضهم البعض”، لكنهما يعترفان بأن كيفية تأثير هذا العصر الجديد على الكوكب ليست واضحة بعد، حيث يقولان: “لقد أصبحنا إحدى قوى الطبيعة حيث نقرر من يعيش ومن ينقرض، لكننا نختلف عن باقي قوى الطبيعة فلسنا مثل الصفائح التكتونية أو البراكين، لكن قوتنا انعكاسية يمكن استخدامها أو تعديلها أو التراجع عنها”.

المصدر: الغادريان