Elqalamcenter.com

"يابنى كونا للظالم خصما و للمظلوم عونا"..الإمام علي (عليه السلام)

أن تكون مدمن جنس في مجتمع عربي.. رحلة إلى عوالمهم السرية

عقلك مثل ممر طويل إضاءته خافتة؛ قليلون هم من تسمح لهم بالتسكع معك في هذا الممر، وأقل منهم من تمنحهم فرصة دخول إحدى الغرف المتراصة على جانبي الممر، وكل ليلة – قبل النوم – تسير داخله شاعرًا بالفخر بما أنجزته في الحياة، وأحيانًا بالحسرة عندما تمر على الغرف التي لم تستطع السيطرة عليها كما تمنيت.

ولكن؛ هل ستسمح لأحد أن يدخل معك تلك الغرفة الوحيدة المهجورة في نهاية الممر؟ تلك الغرفة ذات الباب الحديدي وخيوط العنكبوت التي تحاوطه، ومع أن الباب موصد إلا أن ظلمة تلك الغرفة؛ يمكنك أن تستشعرها بقلبك من بعيد.

في هذا التقرير؛ سمح لنا بعض مدمني الجنس في المجتمع العربي؛ أن يأخذونا من أيدينا ليخبرونا عما يخبئونه في تلك الغرفة السرية طوال هذه الأعوام؛ من تجارب مؤلمة وصعبة وبعضها مُخجلة بالنسبة لهم، وضعوها في تلك الغرفة حتى ملأتها بالظلام والذي بدأ يتسلل بدوره إلى الغرف الأخرى السليمة في ممرات عقلهم، وربما لم يجدوا الشجاعة الكافية ليعلنوا عن شخصياتهم؛ ولكنهم قد اتخذوا خطوة كبيرة عندما اعترفوا لأنفسهم بما يمرون به.

الطب النفسي يطلق عليه: «اضطراب النشاط الجنسي»

كيف تدرك أن الشيء الذي تحبه تحول إلى إدمان؟ الإجابة هي: عندما يبدأ في ترك آثاره السلبية على حياتك؛ فربما يكون الشخص مُحب لممارسة الجنس ويمارسه بشكل يومي ومتواصل مع شريك حياته دون أن يضر نفسه أو دون أن يشعر بالذنب، ولكن عندما يبدأ الهوس الجنسي ورغباته في التحكم بمصير الشخص بالدرجة التي تجعله هو نفسه يظن أنه بحاجة لمساعدة؛ وقتها يمكن للأمر أن يندرج تحت بند الإدمان.

«أنا لست مثلكم؛ إنني شبقة جنسيًا وأنا فخورة بهذا في نفسي» *مقولة من فيلم «Nymphomaniac» .

تلك الزوجة الأمريكية التي تنام كل يوم بجوار زوجها؛ تجرح مشاعره دون أن تدرك؛ حتى أيقظها في يوم من النوم ليخبرها أنها تمارس الاستمناء أثناء نومها، وبيتر سادينجتون المعالج الجنسي كان مشرفًا على تلك الحالة، والتي اختارت هي وزوجها اللجوء للاستشارة النفسية؛ مؤكدين أن الأمر خارج عن إرادة تلك السيدة إذا كانت تمارسه لا إراديًا أثناء النوم.

وعلى الرغم من ذلك لم يُصنف الجنس بكونه أحد الأشياء التي يمكن للإنسان إدمانها نظرًا لغياب الأدلة التجريبية في هذا الأمر، واكتفت الجمعية بتنصيف تلك التصرفات على أنها «اضطراب النشاط الجنسي الزائد»، ولكن هذا أيضًا لم يمنع ظهور الجمعيات والمنظمات المستقلة التي تدعم الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الإدمان مثل الجمعية التي أسسها المدمن المتعافي جوناثان.

الاجتهادات الشخصية لبعض الأطباء النفسيين والمعالجين أشارت إلى أن الأمر بعيد عن الأخلاقيات والقيم التي يؤمن بها مدمن الجنس، وإنما الأمر متعلق بأسباب نفسية وعصبية وأحيانًا جسدية أيضًا يصعب على الشخص التحكم فيها.

ولذلك من الصعب أن تمنح شخصًا لقب «مدمن» على الجنس وأنت متأكد تمامًا من هذا التعريف؛ فربما يكون مجرد شخص يمارس نشاطات جنسية تشعره بالسعادة وتمنحه بعض الراحة النفسية التي تساعده على إتمام أعماله المهنية، أو حتى شخص يظن ممارسة الاستمناء المستمرة تعتبر إدمانًا ويشعر بالذنب نظرًا للقيم الدينية أو عادات المجتمع المحيط به، والتي أخبرته على مدار عمره القصير أن الشعور بالرغبة قد يكون إثمًا.

ولكن عندما يرى الشخص أن ممارسته للجنس مرتبطة بالإحساس بالذنب أو ترتب عليها أمور أثرت تأثيرًا سلبيًا على حياته؛ في هذه الحالة نطلب من هذا الشخص أن يطلعنا على ما يعانيه من صراع في غرفته السرية المُظلمة ويشاركنا ما يمر بيه؛ وجعله يظن أنه قد يكون مدمنًا للجنس.

الغرفة الأولى.. كيف يمكن للهوس الجنسي أن يدمر حياة؟

صوت دقات يده على باب منزل أبيه الخشبي كدقات العصا على المسرح قبل بداية العرض؛ كان مُدركًا أن فتح الباب في تلك اللحظة كرفع الستار على أسوء وأقسى مشهد سيقدمه في حياته أمام الجميع. دعونا نطلق عليه اسم «غريب» وهو في العقد الثالث من عمره وحاصل على مؤهل متوسط.

انتقل غريب للمعيشة مع والده وزوجة والده بمحافظة أخرى؛ بعد أن أصبحت الحياة مستحيلة مع والدته في المكان الذي تربى فيه؛ ولكنه لن يفتقد والدته كثيرًا، فلم يمر شهر وشاركته الهروب من «العار» كما وصفه.

في غرفة غريب المظلمة فراش وحاسب آلى، الحاسب الآلي ليس لمشاهدة الأفلام الإباحية فقط؛ بل لإنتاجها أيضًا، والفراش هو موقع التصوير الخاص به، والبطلة الأخيرة لتلك الأفلام كانت زوجة عمه؛ والتي نشر الأفلام الخاصة بها على أحد المواقع الإباحية مصحوبة باسمها الحقيقي وعنوان منزلها؛ وهذا عندما طلبت منه أن يتوقفوا عن أفعالهم.

الغضب الذي شعر به وقتها كان أشبه بالـ«البركان» الذي أحرق قدرته على التفكير، في مجتمع مثل مجتمعه – يقول غريب – لن يجد بسهولة سيدة أخرى توافقه مشاركة تلك الغرفة المظلمة، ولذلك تحول التهديد من أجل الاستمرارية في اللقاءات الجنسية؛ إلى تنفيذ من أجل الانتقام.

كان يشاهد أفعاله مثله مثل الآخرين؛ شعر بالغضب من نفسه عندما أرسل الأفلام القصيرة لعمه وأبناء عمه، شعر بالجنون وجسده يتحرك في اتجاهات تدمر حياته للأبد ولكنه – كما أكد لنا – لم يكن لديه أي سيطرة على تصرفاته، ولهذا السبب جاءت إجابته بـ«نعم» عندما سألناه إذا كان يظن أنه مدمن للجنس.

أخبرنا غريب أن الوضع لم يتوقف عند هذا الحد من السوء؛ لأن عدم قدرته على السيطرة على رغباته الجنسية؛ ورطته في «فضيحة» أخرى – كما وصفها – بتلك المحافظة الجديدة والتي قد كوّن فيها والده سمعة طبية بالفعل؛ نبذته الأسرة وتجنبه المجتمع الصغير للمحافظة واضطر للزواج حتى يوهم المجتمع أن تصرفاته تغيرت.

ولكنه لا يزال يقضي أوقاتًا وحيدًا في تلك الغرفة المظلمة؛ مؤكدًا أنه ليس لديه الشجاعة للتحدث مع طبيب نفسي حول هذا الأمر أو عن التحرش الجنسي الذي تعرض له في سن صغيرة من سيدة تكبره بأعوام، ولكن أيضًا فكرة التخلي عن تلك الحياة السرية تصيبه بالفزع؛ وكأن إدمانه هو هويته التي يعرّف نفسه بها، ولكنه في نفس الوقت- كما أكد لنا – لم يعد يشعر بالمتعة أثناء ممارسته؛ هو فقط يشعر بالـ«حاجة» لممارسته.

«الأمر ليس له علاقة بالمتعة؛ إنه متعلق بالشعور بأي شيء آخر غير شعورك بالموت الداخلي» *الكاتب الأمريكي جاستن دونر
عن إدمان الجنس.

أن تكون مدمن جنس أمر، وأن تكون مدمن جنس في مجتمع عربي أمر آخر تمامًا. عاش مدمن الجنس المتعافي جوناثان دوجيرتي نفس التجربة ولكن الفارق الوحيد هو وجوده في مجتمع غربي، وفي مرحلة من حياة جوناثان شعر أنه مصاب بالفصام.

في النهار يعيش الحياة الطبيعية ويقوم بدوره في المجتمع ويحضر الدروس الدينية في الكنيسة ويظهر الإخلاص لزوجته، وفي الليل يتحوَّل إلى شخصٍ آخر على استعداد لممارسة الجنس مع أي امرأة، ولم يشعر بالحياة مرة أخرى إلا عندما بدأ في العلاج والتواصل مع آخرين يعانون من نفس الأزمة.

ولذلك وجّه جوناثان رسالة لكل شخص يرى في نفسه أعراض إدمان الجنس، وطلب منه أن يتقدم خطوة للأمام ويعترف بالمرض، ويؤكد جوناثان لهؤلاء أن تلك هي الخطوة الأصعب، وما بعد ذلك هي مراحل من التحرر واحترام الذات؛ وهي مشاعر تستحق خوض الخطوة الأولى مهما كانت صعبة وثقيلة على النفس.

شاهد لقاء باللغة الإنجليزية مع جوناثان من هُنا.