القدس العربي» ـ بسام البدارين:
حتى قبل الأحداث الأخيرة في الأردن على مستوى الشارع والتغيير الوزاري وإسقاط حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي كانت غرفة القرار الأردنية تطرح على نفسها تساؤلات محرجة وحساسة: ما الذي ينبغي ان نفعله حصريا مع الرئيس بشار الأسد؟ كيف نحصل فعلا على حصة من مشاريع إعمار سوريا؟ كيف نعالج الإشكالات التي تحول دون فتح منتج للحدود مع العراق؟
الاسئلة هنا تحديدا وقبل أسابيع قليلة من الحراك الشعبي الأخير كانت تهطل ـ داخل الدولة الأردنية ـ كالمطر: ما هي الخطوة التالية مع قطر التي تتعامل بإحترام وود رغم إبعاد سفيرها؟ وعلى أي أساس نتجاوز «الوضع المعقد» مع إيران وتركيا؟
أخطر ما في تجربة الحكومة السابقة برئاسة الدكتور الملقي كان ان طاقمها الوزاري غير موحد ولا يعمل ضمن خطة واضحة محكمة ومنقسم إلى أجنحة بأجندات أحيانا شخصية وأخرى غامضة تتصرف دون عملية طبخ مركزية.
ظهر ذلك عندما أخذ وزير الصناعة والتجارة يعرب القضاة على عاتقه شخصيا وبرغم علاقاته المتنامية مع مدير مكتب الملك منار الدباس، وبحماس «دفن» اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا تماما وبإجتهاد غير مركزي وفي توقيت غريب حيث كان الملك عبد الله الثاني يتجهز لزيارة اسطنبول برفقة أربعة من أمراء العائلة الهاشمية دفاعا عن القدس.
ألغى الوزير القضاة منفردا الاتفاقية في الوقت الذي كان فيه الأمين العام لوزارته يستعد للتفاوض مع وفد تركي وفي أسوأ رسالة يمكن ان تبرز على هامش موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العلني الذي يساند «الوصاية الهاشمية».
عندما سئل الملقي عن الأمر، قبل رحيله أشار إلى إن الإتفافية التركية مسألة ضمن صلاحيات «معالي وزير التجارة» الذي بارد بدوره وليلة سقوط حكومته وفي اجتماع خاص لإعلان البراءة من قانون الضريبة الجديد.
في الأثناء لم تعرف بعد الأسباب التي دفعت وزير الاتصال في الوزارة السابقة الدكتور محمد مومني لإصدار تصريح غريب خلال سهرة رمضانية في منزل السفير السعودي حصريا حول جزئية تقول ان الشغب الإلكتروني التواصلي على قانون الضريبة في الداخل الأردني مصدره وبنسبة 49 في المئة سوري المنشأ.
كانت معلومة صادمة للجميع ورغم إنفلات الظرف الاجتماعي برمته بعدها لم تعرف بعد الأسباب التي دفعت الوزير المومني لتجاهل الجزئية الثانية في الاحصاء نفسه والتي تقول ان مصدر الشغب الثاني على الأردن هو الذباب الإلكتروني السعودي بعد السوري.
بالتأكيد تم تجاهل الأمر لسبب حكيم.
لكن السهرة إياها دفعت السفير السعودي الأمير خالد بن فيصل لاحقا لإصدار «أغرب تصريح» يتحدث فيه بصيغة ان المساعدات المالية من بلاده للأردن ستعود خلال «أسابيع».
لم يقل السفير الأمير لماذا توقفت أصلا المساعدات، وعلى أي أساس ستعود، لكن بدا الأمر وكأنه يحاول «تخدير» الرأي العام أو إبعاد شبهة السؤال الرائج عن أسباب وخلفيات «التنكر السعودي» المؤثر للأزمة الأردنية ردا فيما يبدو على تعليقات صحافية وإعلامية دولية بدأت تلمح لدور سعودي وإماراتي وإسرائيلي في إثارة اضطرابات في الأردن وبصورة تحاول تشويه الحراك الشعبي الأردني الذي يرى المحلل السياسي الإسلامي حلمي الأسمر وكما قال لـ»القدس العربي» بان إسرائيل متضرر أساسي منه لأن الرسالة الضمنية للأردنيين في الشوارع هي التضامن مع بلادهم ضد الضغوط والحصار الذي يمارسه أشقاء وحلفاء لصالح المشروع الصهيوني.
طبعا لا يريد الأسمر الاسترسال في مثل هذا التحليل خصوصا وان حراك الأردنيين الأخير الصاعق والصادم والمباغت لا يمكن اتهامه رسميا حيث امتدحه شخصيا الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير حسين بن عبد الله.
المهم ان السفير السعودي الأمير ظهر بمظهر «الحمل الوديع» وهو يحاول تجديد الوعد المتأخر بمساعدة الأردن رغم انه وفي كل المجالس الضيقة يتهم المستوى الأمني الأردني والأجهزة بدعم اتجاهات ضد بلاده وحصريا ضد الأمير محمد بن سلمان في الأردن إضافة لاتهام فعاليات أردنية بتشويه موقف السعودية من الملف الفلسطيني وقضية القدس.
في التصريح الغريب نفسه للسفير السعودي أطلق عبارة غامضة عن الإقرار بـ»دور الأردن» في القدس دون ان يستخدم العبارة الشهيرة للرئيس التركي التي قالت بوضوح بـ»الوصاية الهاشمية» وهي نفسها العبارة التي استعملها حتى السفير الإيراني في عمان فردوسي محبتي.
بمعنى آخر تجنب السفير السعودي أي نص يتحدث صراحة عن»وصاية هاشمية» على القدس لكنه حاول تجديد الوعد بدعم الأردن اقتصاديا لفظيا فيما يعرف الجميع ان آخر مساعدات مالية سعودية وصلت الأردن قبل أكثر من ثلاث سنوات.
تنتج هذه المعطيات قناعة بأن العلاقات الأردنية السعودية في أزمة فعلا وأكثر بكثير مما يحاول سفير السعودية الإيحاء به.
لكن المستجد حصل سياسيا، فقد غادر الأمير محمد بن سلمان صمته المريب على الواجهة الأردنية وأتصل متضامنا هاتفيا مع الملك عبد الله الثاني بعد طول غياب للتنسيق والتشاور وبعدما استقبل بدون إعلان فيما يبدو ولي العهد الأردني في الرياض.
السؤال الآن: ما الذي دفع الأمير السعودي للتضامن الهاتفي فجأة مع ملك الأردن؟
الإجابة مفتوحة على الاحتمالات، لكن من الواضح ان الرياض حتى وهي تضايق الأردن أو تزعجه أو لا تثق في عمان لا تريد العودة لمربع الربيع العربي والأكثر عمقا ان «مصالحها الاستراتيجية تتضرر» وهي تشاهد تفصيلات موجة الحراك الأردني الأخيرة، حيث متظاهر في الشارع يقبل خوذة الدركي وقوات أمنية تصلي الفجر خلف المتظاهرين وملك يعلن فخره بأردنيته ممتدحا المتظاهرين.
هذا نموذج هو «الأخطر» حسب رئيس وزراء سابق مخضرم تحدث لـ»القدس العربي» على الذهنية السعودية والفيروس يمكن ان ينتقل ببساطة للحدود الشرقية ويجتاح السعودية، الأمر الذي يتطلب مقاربة سعودية مختلفة بعنوان التضامن الهاتفي وإظهار الاهتمام أو عدم التورط قبل دفع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لإتصال مماثل.
في المسألة الإقليمية تحديدا وفي خريطة التحالفات وبمجرد ظهور ملامح الربيع المدني على الطريقة التونسية الحضارية في شوارع الأردن، حصلت وبسرعة مستجدات في غاية الأهمية أبرزها «التفاتة» سعودية إماراتية لخطورة المجازفة بترك الأردن وحيدا في تداعيات الأزمة الاقتصادية الحالية.
ثم أعقبتها اجتهادات إسرائيلية تحذر من صناعة أي اضطراب في الأردن قبل ان يقترح العراقيون نفطا بسعر تشجيعي لمساعدة الشقيق الأردني ويتحول النظام الرسمي العربي الذي تخلى عن الأردن إلى قيادات تحاول الإفلات من تهمة التحريض والعمل ضد استقرار الأردن.
تلك في الحد الأدنى «خدمة إضافية» قدمها شباب الحراك في الشارع الأردني لدولتهم بدون حساب أو تقصد فمسألة «الأزمة الاقتصادية « الأردنية اليوم أصبحت في نطاق الأضواء وفي إطار «التدويل والأقلمة» ذلك فقط قد يفسر مظاهر «الحنان» المباغت التي ظهرت عند المؤسسة الأردنية والبهجة الرسمية بلوحة الحراك الشعبي على كلفتها الأقل داخليا في كل الأحوال.
وقد يفسر لاحقا جملة التضامن القطرية الذكية والتي تميزت بالنزاهة عندما تمنى الأمير تميم شخصيا الخير للأردن قيادة وشعبا قبل ان يعزف المخضرم طاهر المصري على وتر البحث في عودة السفير القطري إلى عمان قريبا.
الأردن ومصالحه وملفه الاقتصادي اليوم في بؤرة النقاش الإقليمي والفضل ليس للحكومات ولا النخب ولا لمؤسسات الدولة بل لنحو 50 ألف شاب مثقف تحركوا بأناقة وبدون نزق وبمسؤولية وأدوات وتقنيات عصرية وبهدوء وروح حضارية.
11HAD