القدس العربي :
سليم عزوز
كتاجر مواش هبط إلى سوق الجمال في امبابة، وقرر شراء كل ما فيه، وكأن أوراق البنكنوت التي يحملها مزورة، وتفتقد لديه لأي قيمة، وله في التخلص منها مآرب أخرى، لا تعلمونها، الله يعلمها.
هكذا بدا المندوب السامي السعودي في القاهرة «تركي آل الشيخ»، وهو يوقع عقد احتراف عمرو أديب في «أم بي سي» الذي قلنا في مقام آخر أنه أكبر من مجرد ثري خليجي، ينفق أمواله بغرض الشهرة، أو مجرد مسؤول عن جهاز الرياضة السعودي، فالصفة الراجحة أنه مستشار في الديوان الملكي، وهو موفد محمد بن سلمان إلى القاهرة، حيث انتقل الباب العالي لسلطة الحكم فيها، من الاستانة في زمن الخلافة، إلى الرياض في زمن عبد الفتاح السيسي!
توسط «آل الشيخ» بكل هيلمانه الجسدي كلا من مساعده والإعلامي المصري عمرو أديب، وظهر في هيئة مولانا ولي النعم، وبعد تلاوة المساعد لما تيسر له من بنود عقد قرآن «أديب» على «أم بي سي»، إذ بصاحب الفرح، يخبط صاحب «القسمة والنصيب» خبطة عنيفة، زادته إحراجاً على إحراجه وهو يتحدث بلسان رجل حل تواً من البادية ومن صحراء نجد: «اللي بعده»، وهو سلوك يفتقد للتحضر ويقترب من البداوة، ويليق بتاجر مواش، هبط إلى سوق الجمال في امبابة، وفي امبابة – بالمناسبة – كان يقع المطار السري!
أغلى إعلامي أجرا
حسب المندوب السامي السعودي، فإن عمرو أديب صار بهذا العقد أغلى إعلامي أجرا في المنطقة، ولم تكن الأموال يوما ما تنقصه، فقد جرب وشقيقه العمل في الإعلام السعودي، ثم أنه عندما تنقل بين القنوات المصرية، لم يكن يتقاضى الفتات، فهو من الإعلاميين الأعلى أجراً، تليه زوجته لميس الحديدي، وفي الجملة فإن الإعلاميين في قنوات مصرية بعينها هم أعلى أجراً حتى من نجوم قناة «الجزيرة»، ومن يعملون في قناة المخابرات «دي أم سي» يتقاضون أجوراً أعلى من أي قناة خليجية، لكنها مع ذلك ولدت ميتة، فليس بالمال وحده يحيا الإعلام!
لم يتلو مساعد تركي آل الشيخ قيمة عقد الاحتراف لـ عمرو أديب، الذي جعل منه الأعلى أجراً، كما لم نعرف من يقصد «آل الشيخ» بقوله: «اللي بعده»!
الطريقة التي تعامل بها «المندوب السامي»، أنست الجماهير، أن التعاقد مع قناة «أم بي سي»، وليس قناة «أس بي سي»، التي لا نعرف مصيرها الآن؟ والتي أذيع على نطاق واسع أنها المحطة التي سيؤسسها في القاهرة «آل الشيخ» واستقال بسببها عمرو من قناة «أون» كما استقال إبراهيم عيسى للسبب ذاته، وإن كان السعوديون ضغطوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى تم التراجع عن التعاقد مع الأخير، لأنه هاجم الملك سلمان في برنامج تلفزيوني، عندما ضغطت الأذرع الإعلامية التابعة للانقلاب لابتزاز الملك السعودي فيدفع بالتي هي أحسن، فعندما تحقق المراد، ظهر محمد بن سلمان في حوار متلفز ليقول إن من هاجمهم هو «الإعلام الإخوانجي»، والذي حاوره هو داود الشريان، الذي نُشر أنه المدير المسؤول عن المحطة السعودية الجديدة «أس بي سي» ، والتي أتلفها الهوى، وهو ما تأكد بهذا التعاقد الذي تم بين آل الشيخ وعمرو أديب على قناة أخرى قائمة بالفعل وهي «أم بي سي»، ولا نعرف مصير «الشريان» الآن؟! كما لا نعرف أن عبارة «اللي بعده» تسري على إبراهيم عيسى أم لا؟!
الصفة القانونية لآل الشيخ
في الصخب الذي أحدثته طريقة «تاجر المواشي»، في التعامل، والأدب الذي حل فجأة على البضاعة المشتراة، لم يهتم الناس بكثير من الأمور مثل الصفة القانونية لمن وقع العقد؟ ولم نكن نعلم أن لـ «آل الشيخ» دورا وظيفيا في «أم بي سي»، وإن كان ما جرى يؤكد ما قلناه من أنه أكبر من مجرد مستثمر خليجي يتصرف وفق قاعدة «من معه ريال ومحيره يشتري به حمام ويطيره»، كما أنه أكبر من مجرد مسؤول عن الرياضة في المملكة، فإذا كان من الجائز أن يقال إنه صاحب القناة التلفزيونية «أس بي سي»، فإن هذا لا يجوز في حق «أم بي سي»، ومالكها هو محمد بن سلمان رأساً، وقد استولى عليها بالغصب من مالكها الشيخ وليد بن إبراهيم آل ابراهيم، والذي ينطق اختصاراً «وليد البراهيم»، ولأن الكلام يجر بعضه بعضاً، والشيء بالشيء يُذكر كما قالت العرب، فإننا نعود إلى ما نشر عن التنازل الذي تم عنوة وبالإكراه الذي مورس على المالك الحقيقي في مملكة الخوف!
«أم بي سي» ليست مجرد محطة تلفزيونية، ولكنها مؤسسة استثمارية تدر ربحاً عكس القنوات التلفزيونية الأخرى، فقيمة الإعلانات الشهرية فيها تقدر بنصف مليار دولار، لأن شركات سعودية وعالمية تختصها بجزء من دعايتها، وبجانب ارتفاع نسبة مشاهدتها في دول الخليج والسعودية على وجه التحديد، فإنها أثارت أطماع ولي عهد يأخذ كل سفينة غصبا، ويريد أن يجعلها قرة عين له، لاعادة تقديمه للشعب السعودي، فكان ما كان!
«وليد البراهيم» هو إبن شقيقة الملك فهد، وقد جرى استدعاؤه لمقابلة الملك سلمان، ولم يكن يعلم أن الاستدعاء هو «كمين» فتم القبض عليه، وتخييره بين التنازل عن الشبكة أو البقاء في السجن، فلما رفض العرض، تم سجنه وتعذيبه ضمن سجناء «الريتز كارلتون»، وبعد وصلة تعذيب مميتة أمسك بالقلم وكتب تنازلاً عنها للقصر الملكي، لتصب ضمن أملاك «بن سلمان»، ولعل هذه الصفقة بالذات تمثل احراجاً للغرب، الذي صمت أمام جريمة اختطاف الأمراء وتعذيبهم والحجة المعلنة أن نجل الملك يواجه المفسدين، فانتقال ملكية قناة من مالكها (المعتقل) إلى «المحروس»، يشكك من كل دعاوى تصفية الفساد المرفوعة، والتي جعلت المؤسسات الغربية تغض الطرف عن هذه الانتهاكات التي تتم خارج القانون، فقد قام بن سلمان بدفع الجزية لترامب وغيره، فكان الثمن افعل ما شئت!
ومنذ توقيع التنازل بالإكراه، لم نسمع عن وضع قانوني أو تجاري لـ «تركي آل الشيخ» فيها، وهل يبيح القانون السعودي لموظف عام، هو رئيس هيئة الرياضة أن يكون مسؤولاً عن مؤسسة إعلامية خاصة؟ وإذا كان تقنين عملية الاستيلاء جاء بالحاق القناة بالقصر الملكي، أليس غريباً أن تعهد بمسؤولية قناة فضائية للمسؤول عن الرياضة، وكأن السعودية لم يعد فيها سوى موظف عمومي واحد هو «تركي آل الشيخ»؟ اللهم إلا إذا كان الأمر له علاقة بتنصيب المذكور مندوباً سامياً للقصر الملكي السعودي في القاهرة، فيعهد إليه بتمويل النادي الأهلي، وبإنشاء قناة تلفزيونية تخاطب المصريين وعندما تفشل يفاجأ الرأي العام به مسؤولاً عن «أم بي سي»، وعلى طريقة فؤاد المهندس في مسرحية «سك على بناتك»: «بلاها سوسو.. خد نادية»!
مصير القناة الجديدة
السؤال الذي يطرح نفسه هو عن فشل مشروع القناة الجديدة، فهل كان يخطط له من وراء ظهر أهل الحكم في القاهرة، وباعتبار أن «ليس بين الخيرين حساب»، ما دام الهدف واحد، وهو تثبيت أركان حكم قائد الانقلاب العسكري، ومزاحمة الوجود الإماراتي في القاهرة، فالإمارات تبدو هي المسيطرة على مجال الاستثمار الحيوي في القاهرة، دعك من «تيران وصنافير» والألف فدان لإقامة مشروع «نيوم»، فهذا كله تفريط من أجل إسرائيل، بينما يفوز بالذات محمد بن زايد، ومن جزيرة الوراق إلى مثلث ماسبيرو!
هل أغضبت فكرة القناة أولي الأمر منهم في مصر، والتي هي بتمويل سعودي، وبعمالة مصرية، لمخاطبة الشعب المصري، لأن «متعهد الرز»، ضد فكرة الولاية الكاملة لهم على مشروع كهذا، وشعاره في الحياة «هات ونحن علينا العمل»، فضلاً عن أن مشروع القناة الجديدة سيعفي المملكة السعودية من تقديم مساعدات لقنوات تلفزيونية قائمة بالفعل وتقوم الأجهزة الأمنية بالانفاق عليها، «وخذ من التل يختل»؟!
من الواضح أن التراجع عن فكرة القناة الجديدة، جاء في الوقت الذي استقال فيه «تركي آل الشيخ» من الرئاسة الشرفية للنادي الأهلي والتشهير برئيسه الكابتن «محمود الخطيب»، لأن «متعهد الرز» لم يعجبه أن ينافسه «الخطيب» في مجال تخصصه الدقيق، وربما جرى تصدع في العلاقات المصرية – السعودية، تم رأبه مؤخراً، وظهر هذا واضحاً من الدفاع عن «تركي آل الشيخ» وبمقال بدون توقيع في جريدة حكومية هي «الأخبار»، وجاء هجوماً على تقرير ضد المذكور في موقع مملوك لرجل الأعمال نجيب ساويرس. واللافت أن المقال الأخير جرى حذفه، ومن الواضح أن هذا تم بتدخلات على مستوى السلطة!
ولأن عمرو أديب كان قد استقال من قناة «أون» للعمل في القناة الجديدة، فكان القرار التوقيع معه لصالح «أم بي سي»، وفي النهاية «لا خسارة» بلغة تجار المواشي!
في انتظار «اللي بعده»!
صحافي من مصر