أوهاد مرلين / حصري للمغرد
“عشر حصص من الجمال نزلت على العالم، وتسع منها أخذت أورشليم.” (التلمود البابلي، ماسيخيت “كيدوشين” 49)
هذا القول الجميل من القرنين الـ3-4 للميلاد يعبر عن نظرة الديانة اليهودية لمدينة أورشليم المقدسة، عاصمة الملك داود ومملكة يهوذا، والتي مثلت على مر أكثر من 2500 سنة قلب الشعب اليهودي النابض، وقبلته الوحيدة، ومصدر إيمانه، وغاية طموحاته وآماله بالعودة إليها.
وبمناسبة الذكرى الخمسين لتوحيد أورشليم القدس، نقدم لكم نبذة من المصادر اليهودية التي تتحدث عن جمال وتميز وأصالة هذه المدينة الساحرة، عاصمة دولة إسرائيل.
مدينة الإيمان والسلام
يرى التقليد اليهودي أن جبل “موريا” المذكور في سفر التكوين 22 حيث كاد ابراهيم أن يضحي بابنه اسحاق، هو المكان الذي تأسست عليه أورشليم بعد مئات السنوات. وبالإشارة إلى اسم “أورشليم”، يقول كتاب “بريشيت رابا” من القرن الـ5:
سمى ابراهيم المكان على اسم الورع، كما قيل: ” فَدَعَا إِبْرَاهِيمُ اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ “الله يِرْأَهْ” (بالعبرية: “ورع الله”، أم “مكان انجلاء الله”). أما سام، فأطلق عليه اسم السلام كما قيل (التكوين 14): “وَمَلْكِي صَادِقُ، مَلِكُ شَالِيمَ، أَخْرَجَ خُبْزًا وَخَمْرًا”.
وقال الله تعالى: ان كنت أطلق على المكان اسم الورع (بالعبرية: يرآه) مثل ابراهيم، لكان سام، الصالح، يستاء. وان كنت أسمي المكان على السم السلام (بالعبرية: شلوم) مثل سام، لكان ابراهيم الصالح يستاء.
لذا سمى الله المكان أورشليم – مثلما سمياه كلاهما.
هذه الفقرة لا تطمح إلى تفسير الأسباب اللغوية وراء تسمية المدينة، بل إلى شرح فكرة مكانة مدينة أورشليم بعيون الحاخامين الأوائل (حازال) مستخدمة اسمها: إن أورشليم تعتبر مدينة تهدف إلى الربط بين علاقة الانسان الجيدة بالله من ناحية (الورع) وعلاقة الانسان الجيدة بالغير من ناحية (السلام)، كما يبين من اسم المدينة أورشليم.
الأمل بإعادة البناء
ذات مرة كانوا الحاخامون إلعازار ويهوشوع وعاكيفا يذهبون باتجاه أورشليم. وعندما وصولوا إلى جبل “هاتسوفيم” (المشارف) شاهدوا ثعلبا يخرج من المكان الذي كان يقف فيه مسبقا قدس الأقداس (أقدس أماكن الهيكل). وبدؤوا إلعازار ويهوشوع يبكيان من الحداد الذي سببته مشاهدة المكان المقدس وهو مدمر، أما عاكيفا فانفجر ضاحكاً.
- فسأله إلعازار ويهوشوع: لماذا تضحك؟
- فقال لهما: لماذا تبكيان؟
- فردا عليه: هذا المكان قيل عنه في التوراة المقدسة أنه “ممنوع للأجانب الاقتراب منه”… والآن تتمشى فيه الثعالب! كيف يمكننا أن نحبس بكاءنا ؟
- فقال لهم عاكيفا: جاء في نبوة النبي أوريا “لِذلِكَ بِسَبَبِكُمْ تُفْلَحُ صِهْيَوْنُ كَحَقْل” وجاء في نبوة النبي زكاريا: “هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: سَيَجْلِسُ بَعْدُ الشُّيُوخُ وَالشَّيْخَاتُ فِي أَسْوَاقِ أُورُشَلِيمَ”.
- بما أنه لم يتسنُّ لي ان اتحقق من تنبؤات أوريا ،كنت أخشى ألا أرى تنبؤات زكاريا تتحقق. لكن الآن إنني أعلم أن نبوؤة زكريا سوف تتحقق أيضا…
- وقال له الحاخامان: عاكيفا، كلمك عزاء لنا!
في هذه القصة المليئة بالتفاؤل والنور من القرن الثاني للميلاد يعلمنا الحاخام عاكيفا أن التمني بالعودة الى أورشليم ليس عبثيا، بل على الانسان أن يبقى مخلصا لأحلامه وطموحاته حتى تتحقق – مثل ما حدث فعلا مع عودة الشعب اليهودي إلى عاصمته الأبدية أورشليم.
مصدر الأخوة اليهودية
في يوم من الايام، في أحد وديان الأرض المقدسة، عاش شقيقان في مزرعة صغيرة. وكان الشقيقان يزرعان المحاصيل معا حتى تزوج أكبرهما وانتقل إلى مزرعة آخرى ليسب ببعيدة. وعلى مر السنوات انجب الزوجان عدة أطفال، أما الأخ الأصغر فظل عازبا وعاش وحيدا.
وفي احدى الليالي بقى الأخ العازب مستيقظا قلقا، وفكر: “شقيقي الحبيب، ذو العائلة الكبيرة – هل يتمكن من تحمل الأعباء الاقتصادية الكبيرة؟ لدي حقل كبير محاصيله عامرة والحمد لله، فلماذا استفيد منها أنا فقط؟ علي أن أساعد شقيقي بشكل ما”. ثم قرر الأخ الصغير أن يحمل اكياس كبيرة من محاصيل مزرعته ووضعها في نصف الليل في مخزن شقيقه الأكبر.
وفي الليلة التالية لم يتمكن الأخ الأكبر من النوم قلقا لأخيه الأصغر، فقال لنفسه: “أنا الحمد لله لدي عائلة كبيرة وحقولي مباركة بإذن الله، لكن أخي الصغير يعيش لوحده. علي أن أساعده وأن أجعله سعيدا بشكل ما”. فقرر الأخ الأكبر أن يحمل هو أيضا اكياسا من محاصيله ووضعها في مخزن شقيقه في نصف الليل.
وهكذا مرت الليالي لفترة طويلة من الزمن، وكل مرة استيقظ فيها الشقيقان اكتشفا أن محاصيلهما لم تقل بالمرة بل بقيت على ما كانت عليه في الليلة الماضية.
وفي أحدى الليالي حدث ما كان لا مفر منه إذ اكتشف الشقيقان الحقيقة، وانفجرا بالبكاء واحتضن كل منهما اخيه فيما انهمرت دموعهما على الأرض. وتقول الرواية أن في تلك التلة بالضبط بنيت أورشليم، وفي ذلك المكان تماما قرر الملك سليمان أن يبني الهيكل المقدس، متمنيا أن يصبح رمزا للأخوة والمحبة والتعاون المتبادل في صفوف الشعب اليهودي.
ليس لهذه القصة الشعبية مصدر موثوق، لكنها أصبحت رائجة على مر العصور لدى الشعب اليهودي كونها تعبر عن وحدة الشعب اليهودي حيال مدينته الأبدية.
لقد تعرفنا في هذا المقال على عدة قصص تصف مكانة مدينة أورشليم المقدسة في قلوب الشعب اليهودي. لذا من الطبيعي أن يفرح اليهود في هذا اليوم احتفاء بامكانهم العيش في عاصمتهم الحبيبة الموحدة للأبد باذن الله.
http://almughared.com