القاهرة : مدينة الألف مئذنة.. مسجد ابن طولون وعمره 1142 سنة

العين :

مدينة الألف مئذنة.. مسجد ابن طولون بالقاهرة أول مسجد بمئذنة حلزونية وعمره 1142 سنة

“أريد أن أبني جامعاً إذا غرقت مصر بقي، وإذا احترقت بقي، ويكون من مال حلال”.. تلك العبارة قالها أحمد بن طولون، قبل بناء ثالث مسجد جامع في مصر الإسلامية عام265هـ/ 876م، الذي يعد من أكبر المساجد في مصر.

يعد مسجد أحمد بن طولون من أهم وأقدم الآثار الإسلامية في مصر، وتم تشييده منذ 1142 عاما، ويضم أول مئذنة حلزونية ترفع في سماء مصر، ويعد من المساجد المعلقة لبنائه فوق قمة صخرية تسمى “يشكر” في جبل المقطم، وهو أحد أكبر مساجد مصر، إذ تبلغ مساحته نحو 6 أفدنة ونصف الفدان.

يقع المسجد في مدينة “القطائع” عاصمة مصر الإسلامية في عصر الدولة الطولونية، التي شيدها أحمد بن طولون، الذي يعني اسمه باللغة التركية “البدر الكامل”.

ولد أحمد بن طولون في بغداد بالعراق عام 220هـ/835م، وحضر إلى مصر وقلده الخليفة المعتمد حكم مصر عام 254هـ/868م، ونهض بشؤون الدولة فشيّد القناطر والسدود، وأصلح مقياس النيل بالروضة عام 259ﻫ، وبنى القصور، وازدهرت الصناعة في عهده، وتوفي عام 270هـ/884م، ودفن بمدافن الطولونيين بالقطم، وتولى الحكم من بعده ابنه “خمارويه”.

يقول جمال عبدالرحيم، أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة، لـ”العين الإخبارية”: “أحمد بن طولون أول مسجد في مصر يبقى على حالته الأساسية منذ بنائه، وسر بقاء الجامع كما هو حتى الآن يعود لمقولة أحمد بن طولون الشهيرة (أريد أن أبني جامعا إذا غرقت مصر بقي وإذا احترقت مصر بقي، ومن مال حلال)”.

ويضيف: “الجامع بُني على قمة جبلية اسمها (يشكر) تمنعه من الغرق في فيضان النيل، والجامع مبني بالطوب الأحمر، ويعد أول جامع يبنى بالطوب الأحمر في مصر، والطوب الأحمر الذي إذا احترق يزداد صلابة، و(من مال حلال) لأنه لم يبن بعمل السخرة بل من ماله الخاص”.

وعن سر تسمية الربوة الصخرية “جبل يشكر”، تقول أسماء شوقي، مديرة مركز الآثار من منظور الرحالة، بمركز تسجيل الآثار الإسلامية والقبطية بالقلعة، في تصريحات خاصة لـ”العين الإخبارية”: “هناك روايتان، الأولى أن الاسم يعود إلى رجل صالح كان يسكن هذه المنطقة، والثانية أنها نسبة إلى اسم قبيلة (يشكر)، التي اتخذ أفرادها من تلك البقعة مكانا لهم لتشييد بيوتهم عند تأسيس مدينة الفسطاط في عهد القائد عمرو بن العاص، وكان لإنشاء هذا الجامع على الصخر أكبر الأثر في تقليل قيمة النفقات التي صُرفت عليه”.

التصميم المعماري للمسجد:

وعن التخطيط العمراني للمسجد تقول أسماء شوقي: “يتبع تخطيط المساجد الإسلامية الجامعة المنشأة على طراز مسجد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهو مربع الشكل يتوسطه صحن كبير مكشوف تحيط به 4 أروقة ذات عقود، أكبرها (رواق القبلة) ويتكون من 5 صفوف من البوائك، تحمل عقودها المدببة على دعامات ضخمة مبنية من الآجر، وفي أركانها أعمدة مدمجة، فيما تحتوي كل من الأروقة الأخرى على صفين من البوائك ذات العقود المدببة أيضاَ، وقد أضيفت إليه زيادات بواجهاته الثلاث الجنوبية والغربية والشمالية، فيما خلت الواجهة الشرقية من تلك الزيادة، والغرض منها لعقد الأسواق أيام الجمعة، وعقد جلسات المحاكم بها”.

وتطرقت “شوقي” إلى التصميم المعماري للمسجد، موضحة أنه “يحتوي على أسوار عالية تُحيط به وتتسم بالبساطة، وتنتهي بشُرفات بديعة، وعدد كبير من الأبواب يبلغ تعدادها 21 باباً، وعدد أكبر من النوافذ يبلغ 129 نافذة، وعدد 5 محاريب جصية، أقدمها يعود لعهد الخليفة الفاطمي (المستنصر بالله)، أما المحراب الرئيسي الذي يتوسط جدار القبلة فيعود إلى عهد السلطان المملوكي حسام الدين لاجين، ويعد من المحاريب المجوفة، ويكتنفه عمودان من الرخام، ومزخرف بوزرات رخامية، كما يشتمل المسجد على نص كتابي بخط النسخ به عبارة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)”.

تستكمل “شوقي” وصف المسجد في تصريحاتها الخاصة لـ”العين الإخبارية”، وتقول: “المنبر من أعمال السلطان المملوكي حسام الدين لاجين، من خشب الساج الهندي، ويقع على يمين المحراب، وتتميز حشواته بأنها مُجمعة ومُطعمة بالعاج وسن الفيل، وقوام زخارفها أطباق نجمية وزخارف نباتية مورقة (آرابيسك)، ومئذنة مبنية من مادة الحجر، وتقع ملاصقة لحائط الزيادة الغربي، وسلمها خارجي ذو أربع قلبات، يُصعد منه إلى السطح، يليه سلم حلزوني نصف دائري، والجزء العلوي على هيئة مبخرة، كما يميزه زخارف جصية تحتوي على عناصر نباتية وهندسية تُمثل أقدم الأمثلة لمثل هذا النوع من الزخرفة في مصر الإسلامية”.

وأضافت “شوقي”: “يوجد بالمسجد فسقية من الرخام تتوسط الصحن المكشوف، يشتمل على لوح رخامي تأسيسي سُجل عليه بالخط الكوفي البسيط اسم الأمير أحمد بن طولون، وتاريخ الإنشاء على إحدى دعائم رواق القبلة بالبائكة الثالثة، كما يحتوي على شريط كتابي قرآني يقع أسفل السقف تمثل أكبر سورتين في القرآن الكريم (البقرة وآل عمران)، ومكتوب بالخط الكوفي، وتعد سمة الكتابة الكوفية في العصر العباسي”.

مصمم المسجد:

ينفي الدكتور عبدالرحيم لــ”العين الإخبارية” ما يردده بعض المؤرخين حول شخصية مهندس المسجد ويقول: “ما يردده البعض عن أن مسيحيا قبطيا يدعى سعيد بن كاتب الفرغاني هو من بنى المسجد، يعد كلاماً غير صحيح تماماً، لأن من بناه مهندس مقياس النيل بجزيرة الروضة، واسمه محمد بن أحمد الحاسب بن كثير الفرغاني، من فرغانة في آسيا الوسطى”.

ويستكمل “عبدالرحيم” قائلًا: “جامع ابن طولون شهد حدثاً تاريخياً في العصر المملوكي ساعد على بقائه صامدًا حتى الآن، حينما احتمى السلطان حسام الدين لاجين بمئذنة الجامع بعد اكتشاف مؤامرة لقتله، وعندما شعر بأن المئذنة تتمايل به يميناً ويساراً، دعا ربه يطلب النجاة، واستجيب لدعائه ونجا من المؤامرة، وأصبح سلطانا لمصر عام 696هـ، وأول ما فعله بعد نجاته كان ترميم وتجديد جامع أحمد بن طولون، لذلك تعد بصمات السلطان حسام الدين لاجين في الجامع سر بقاء معالمه الأثرية والزخرفية حتى الآن، كما أن الجامع به منبر من الخشب من عمل السلطان لاجين يعد من أقدم وأجمل المنابر في القاهرة”.

عن مركز القلم للأبحاث والدراسات

يهتم مركز القلم للأبحاث والدراسات بشؤون المستضعفين في العالم لا سيما المسلمين والتحذير من أعداء البشرية والإنسانية و تثقيف المسلمين وتعريفهم بحقائق دينهم وما خفى عنهم وعن وحضارتهم وماهم مقبلون عليه في ضوء علامات الساعة المقبلون عليها.

شاهد أيضاً

مشهد مرد الشمس للإمام علي بن أبي طالب(ع)

 ينابيع :  بقلم خليل إبراهيم المشايخي               على بعد كيلوين …

اترك تعليقاً