لم يشعر مسلمو الإيغور أبدًا بالراحة في الصين، “شينغيانغ” الإقليم حيث كان يشكل المسلمون من العرقية التركية غالبية قاطنيه العظمى، انضموا كَرَها إلى الإمبراطورية الصينية، حاول المتمردون إقامة جمهوريات مستقلة، قضى الحزب الشيوعي عام 1949 على آخرها، ومنذ ذلك الحين، عمل النظام في بكين، على بعد 1600 كم إلى الشرق، على الحفاظ علي الهدوء في الإقليم، لكن السياسات الصينية لا تجدي نفعًا، ويخاطر الآن الرئيس الصيني بالغرق في مستنقع الصراع العرقي، هذا من الممكن أن يؤدي بالإقليم لأن يصبح شيشان الصين.
على مدى العقود القليلة الماضية، استخدم الحزب آليات عدة لفرض السيطرة على الإقليم؛ أولاً: شجعت الحكومة الصينية الهجرة الضخمة من عرق الهان الصينيين إلى شينغيانغ من أجزاء الصين الأخرى، وبعد ذلك صبت الحكومة أموالاً ضخمة في البنية التحتية ودعمت الصناعة، الوظائف التي تم خلقها ذهبت غالبيتها الساحقة إلى الهان، الذين يشكلون الآن أكثر من 40٪ من السكان البالغ عددهم 22 مليون، بالإضافة إلى ذلك تبنى الحزب الشيوعي موقفًا شديد التشدد والعنف تجاه أي بادرة عدم رضا يبديها الإيغور المسلمون.
على الرغم من ذلك، تصاعد السخط إلى العلن، وكانت الأيام القليلة الماضية هي الأكثر دموية في شينغيانغ منذ اشتباكات عام 2009 الدموية في العاصمة الإقليمية أورومتشي، حيث قُتل أكثر من 200، يبدو أنه في الاشتباكات التي جرت خلال الأيام الماضية قضى أكثر من 100 شخص.
من بين القتلى 59 تدعي الحكومة أنهم إرهابيين، قُتلوا بالقرب من كاشغر، وهي المدينة الرئيسية في جنوب شينغيانغ، حيث يتركز الإيغور المسلمون وحيث الاقتصاد الأضعف، من الواضح أن هجومًا حدث ضد مراكز الشرطة الصينية، ثم لاحقًا طُعن إمام مؤيد للصينيين حتى الموت خارج المسجد الرئيسي في المدينة.
كلما اندلع العنف تعتمد الحكومة خطابًا لا هوادة فيه، يركز دومًا على مخاطر الفكر الجهادي. في مايو، وفي أعقاب سلسلة من الهجمات الذي شنها الإيغور على أهداف حكومية ومدنية في شينغيانغ وأجزاء أخرى من الصين، ساعتها طالب الرئيس الصيني شي جين بينغ ببناء “جدران من النحاس والصلب، وشبكات تمتد من الأرض إلى السماء للقبض على الإرهابيين”. يلقي الحزب باللائمة في هذه الهجمات على المتشددين الإسلاميين الذين يتسربون عبر الحدود من وسط وجنوب أسيا وخاصة من أفغانستان وباكستان، يحب جين بينغ أن يدعي أن الإيغور يعيشون في وئام مع الهان الصينيين، أو بحسب كلماته “يعيشون جنبًا إلى جنب مثل بذور الرمان”.
المأساة الحقيقية هي أن الحكومة، وبهدف إثبات صواب موقفها، قد تخلص إلى جعل الجهاديين هم أساس التشدد في الإيغور، حتى الآن، يتغذى العنف أساسًا بواسطة الانتهاكات التي يتعرض لها المسلمون، لكن رد الفعل يبدو نابعًا من هواة بشكل لافت للنظر؛ فالهجمات التي يقوم بها الإيغور نادرًا ما يحملون فيها أي أسلحة سوى السكاكين، لكن في الأشهر الأخيرة تحولت أعمال العنف وانتشرت خارج المنطقة متخذة شكلاً جهاديًا من خلال هجمات انتحارية وقتل عشوائي للمدنيين.
هذه الأعمال لا يمكن تبريرها، لكن هناك أدلة على أن النهج الأخرق الذي تتبعه الصين في شينغيانغ هو ما يوصل إلى تلك النتيجة، يقول نشطاء الإيغور إن أحداث العنف الأخيرة ليس لها علاقة بالإرهاب، فقد اندلع العنف بعد محاولة الشرطة فرض قرار حكومي بمنع الصيام خلال شهر رمضان!
من السودان إلى فلسطين المحتلة، الدليل واضح: عندما يدخل الدين في الصراع، يصبح من الصعب تسويته، ويجب أن يخشى “شي جين بينغ” من التشابه بين حالة شينغيانغ والشيشان، فما بدأ باعتباره انتفاضة قومية في منطقة القوقاز شمال روسيا في التسعينات، قوبلت بحملة قمع وحشي، ولدت حركة إسلامية جهادية كرد فعل، ومنذ ذلك الحين، تحولت الشيشان إلى مركز تفريخ للجهاديين وقرحة دائمة للروس.
هناك ما يقول بأن جين بينغ يفهم المشكلة؛ فقد عقد الرئيس لقاءً نادرًا مع زعماء الحزب لمناقشة أوضاع شينغيانغ، اعترف ذلك الاجتماع بالحاجة إلى توفير وظائف للإيغور المسلمين، خاصة في جنوب الإقليم، وبعد ذلك اللقاء؛ صدرت أوامر للشركات المملوكة للدولة والعالمة في شينغيانغ بضرورة توظيف ما لا يقل عن ربع موظفيهم من الإيغور والأقليات الأخرى، العمل أولوية، لكن التعليم أولوية أخرى، فقد بدأ العمل مؤخرًا لبناء أول جامعة شاملة في مدينة كاشغر.
هذه الخطوات ضرورية ولازمة لكنها لا تزال غير كافية، ينبغي احترام التقاليد الدينية للإيغور، بحيث يجب أن يُسمح لجميع المسلمين بزيارة مكة المكرمة، وليس فقط هؤلاء الذين توافق الحكومة على سفرهم للحج أو للعمرة، كما يمكن تشجيع التعليم بلغة الإيغور، فضلاً عن استخدامه في أماكن العمل، شي جين بينغ يجب أن يحل شركة شينغيانغ للإنتاج والتعمير، والتي تدير شبكة واسعة من المستوطنات التي يهيمن عليها الهان.
يتعين على الصين أيضًا التخلي عن اضطهاد الإيغور المعتدلين، الذين لم ينخرطوا بعد في السلك الجهادي، لكنهم على وشك فعل ذلك بسبب غضبهم من الإجراءات القمعية التي تتخذها الحكومة، وسط المذبحة، وخلال الأيام القليلة الماضية، أعلنت السلطات أنها وجهت اتهامًا رسميًا للاقتصادي البارز في الإقليم “إلهام توتي” بالدعوة لانفصال الإقليم، السيد توتي رد قائلاً “إنه لم يعد أحد يجرؤ على الكلام”، إذا أرادت الصين أن تنقذ الإيغور في شينغيانغ من الوقوع فريسة للمتطرفين، يجب أن يسمحوا للمعارضين أمثال السيد إلهام توتي بالتحدث علنًا، وليس حبسهم بعيدًا!