العرب أون لاين:
القاهرة ـ رغم حالة عدم الاستقرار الأمني التي مرت بها مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وما شهدته هذه الفترة من انتشار لافت للسلاح غير الشرعي، فإن خبراء أمنيين يرون أن الجهود التي تقوم بها الأجهزة العسكرية والأمنية في الدولة نجحت في توجيه ضربات موجعة لمسارات تهريب السلاح ومستخدميه.
كما رأى الخبراء أن “التنظيمات التكفيرية” أًصبحت في مقدمة زبائن هذه التجارة المدمرة خلافا لما كان عليه الوضع في الماضي عندما كانت الأنشطة الإجرامية والدوافع الثأرية والوجاهة الاجتماعية في المناطق القبلية وصعيد مصر هي المحرك الأبرز، وهو ما انعكس بدوره على نوعية الأسلحة التي يكشف الجيش بصورة متكررة عن محاولات لتهريبها.
وتحدث العميد خالد عكاشة عضو المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب عن أن السنوات الماضية شهدت تطورا للسلاح الذي تكون هناك محاولات لتهريبه، حيث لم يعد محصورا في مسدسات أو بنادق عادية مثلما كان الوضع في ثمانينات القرن الماضي.
وقال عكاشة في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية:”حدث انتقال في مرحلة تهريب أسلحة الجيوش المتطورة… فلم يعد هناك تنظيم إرهابي في العالم لا يتعامل بهذه الأسلحة”.
وأشار إلى دورٍ ما لكل من قطر وتركيا في محاولات تهريب السلاح لمصر، وقال :”في إطار دعم قطر وتركيا لبعض المجموعات والميلشيات المتطرفة في ليبيا، فإنهما تقومان بإنزال شحنات كبيرة من السلاح هناك ومن ثم يتم تهريب حصص منها لحدودنا… ولكن القوات المسلحة وكافة الأجهزة الأمنية متيقظة لهذا الخطر وتتعامل معه بدرجة كبيرة من الدقة. وخلال الأشهر الثلاثة الماضية كان هناك أكثر من إعلان رسمي مصور يظهر قيام القوات الجوية المصرية باستهداف مسارات لتهريب السلاح عبر الحدود الغربية”.
ولفت إلى أن أهم ما كشفت عنه عمليات الاستهداف والمداهمة التي تقوم بها القوات المسلحة، وخاصة في شمال سيناء، هو “ما أصبح لدى الإرهابيين والمهربين من خبرات عالية تمكنهم من اختيار السلاح الأفضل لكل عملية، وفقا للبيئة التي يتم في إطارها، ما يعكس تفاعلهم واطلاعهم المستمر على مواقع متخصصة في صناعة السلاح عبر ما يسمى بالإنترنت المظلم”.
وشدد على أن ما يزيد من صعوبة مواجهة تهريب السلاح حول العالم هو عدم وجود رغبة دولية، وتحديدا لدى الدول الكبرى المصنعة للسلاح كالولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا وفرنسا، لوضع قواعد أكثر صرامة في العقود التي تبرمها من أجل الحد من ظاهرة السلاح المهرب، رغم علم الجميع أن المستخدم النهائي بالوقت الحاضر قد يكون تنظيما إرهابيا.
أما مساعد وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد نور الدين فيرى أن وجود نوع من التهاون من قبل الدول الكبرى المصنعة للسلاح في تعقب المستخدم النهائي يعود بالدرجة الأكبر للعامل السياسي لا الربح الاقتصادي فقط.
وقال نورالدين لـ(د.ب.أ) :”هناك مؤامرة دولية تدار بأذرع إقليمية على مصر … قطر وتركيا، ومن ورائهما مخطط صهيوأميركي، تهدفان إلى تقسيم مصر وكل دول المنطقة لدويلات طائفية وعرقية صغيرة ومتناحرة فيما بينها، من أجل ضمان أمن إسرائيل وحدها في النهاية”.
وشدد :”القيادة المصرية تدرك أنها تخوض حرب وجود ومن ثم فإنه لا مجال للتهاون أو الخطأ… ويوميا هناك عمليات لتفكيك مواقع للإرهابيين بسيناء وهناك محاولات جارية حاليا لضمان مراقبة موسعة ودقيقة للحدود عبر أحدث الوسائل المتاحة عالميا في هذا المجال، وتحديدا الحدود الغربية مع ليبيا، التي تعد البوابة الرئيسية الأخطر حاليا”.
وتحدث عن مساع سياسية تقوم بها الدولة المصرية تهدف في جانب منها للقضاء على تهريب السلاح، وقال :”مصر لا تدخر جهدا في الانخراط في محاولات حل الأزمة الليبية من أجل ضمان استقرارها، كما أنها تبذل جهودا للإبقاء على التهدئة بين فصائل قطاع غزة وإسرائيل، وكذلك للمصالحة بين حركتي فتح وحماس لتأمين الحدود الشرقية”.
ولفت إلى أن “السلاح المهرب ليس فقط هو المستهدف بالتعقب الأمني المستمر، وإنما أيضا ما تنتجه بعض الورش من أسلحة بدائية عبر الاستعانة بأفراد لديهم خبرة في هذا المجال”.
من جهته، أكد أحمد كامل البحيري الباحث في شؤون الأمن والإرهاب بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عدم وجود إحصائيات دقيقة حول حجم سوق تجارة السلاح غير المرخص في مصر أو غيرها من دول المنطقة، مكتفيا بالإشارة لبعض التقديرات الحديثة التي ترجح “وصول حجم هذه التجارة لما يقرب من 25 مليار جنيه سنويا”.
وحدد البحيري، في اتصال مع وكالة الأنباء الألمانية وجود أربعة مسارات لتهريب السلاح إلى الداخل المصري، وأوضح أن “المسار الأول والأبرز هو من الناحية الاستراتيجية الغربية مع ليبيا، وتحديدا من المنطقة جنوب واحة الجغبوب حتى العوينات وتمتد لمسافة 700 كيلومتر تقريبا.. ثم هناك المسار الثاني الجنوبي أي حدود مصر مع السودان، ثم المنطقة الشرقية وهي الأضعف.. أما المسار الرابع فهو عبر السفن التي قد تكون قادمة من تركيا في البحر المتوسط”.
واعتبر الخبير الأمني اللواء إيهاب يوسف أن ارتفاع سعر السلاح غير الشرعي بالبلاد قد يكون دليلا على قلة المعروض منه للتداول، مرجعا ذلك لاستقرار وتحسن الوضع الأمني.
وحذر يوسف في الوقت نفسه، من احتمال وجود مخزون غير مكتشف بعد من الأسلحة المهربة بالبلاد، لافتا لإحصائية صادرة عن مجلس الوزراء المصري عام 2012 رصدت دخول أكثر من عشرة ملايين قطعة سلاح للبلاد عبر الحدود الغربية في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية حينذاك.
وأوضح :”تاريخيا، لم تُصنَّف مصر كدولة مستوردة أو مصدرة للسلاح المهرب وإنما دولة مرور لبعض عمليات التهريب المحدودة، ولكن الوضع تغير بعد ثورة 25 يناير وتحولنا بالفعل لدولة مرور واسع بل وارتكاز ببعض النقاط … ولذلك أصبحت الأجهزة الأمنية تعمل بشكل سريع واستباقي على مسارين: مكافحة عمليات التهريب الجديدة وجمع المعلومات عن الأسلحة المخزنة”.