شفقنا-
بدأت الصحافية نهاد بركات في مقالها المنشور في صحيفة الجارديان، والمتحدثة بلهجة الفرو-فرو العربية والعاملة سابقًا منتجة في قناة الجزيرة الإنجليزية، مقالها في صحيفة الجارديان البريطانية، بالتأكيد على أنّ أثر استخدام اللغة أثناء تغطية الأحداث الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط كبير، وأن اللغة المعتمدة على قولبة المجاميع المختلفة وتقليصها لمجموعة واحدة، سيتبعه اختلال في رسم السياسات والاستراتيجيات الدولية تجاه المنطقة، وذكرت نهاد أنه يوجد على الأقل 35 لهجة عربية يتحدث بها أبناء المنطقة.
في حديث لنهاد مع أحد الأشخاص، ذكر أن الإيرانيين متحدثين عرب! فتعجبت لهذه القولبة وكأنّ أبناء المنطقة منتجٌ واحد، وذكرت له أن الفارسيّة لغة الإيرانيين، والجدير بالذكر أنّ هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) تملك محررًا للشؤون العربية، ومع ذلك لا تخلو من مثل هذه الأخطاء من الصحفيين الدوليين، والساسة، والمعلقين، والأكاديميين.
هذه اللغة لا تضيف شيئًا، بل تعزز هوية «العرب» و«العالم العربي» المُتَوَهَّمة. كلا المصطلحين يستعملان بكثرة في تغطية أخبار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بحيث يتم وضع 22 دولة بسكانها -381 مليونًا- في صندوق واحد، لربما للعولمة أثرها في جعل القضية أمرًا مقبولًا لعدم تخصيص هوية لكل مجموعة، ويشير بحث «جوجل بوكس» إلى ارتفاع نسبة استخدام هذه المصطلحات 400% منذ عام 1800.
تتكون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من دول مختلفة، ويميز كل دولة لهجتها العامية الخاصة، باعتبارها مكونًا أساسيًّا لقوميتهم. لهجة سكان شمال أفريقيا تقريبًا تكون غير مفهومة للعرب المشرقيين في لبنان. في الحالة اللبنانية، يطلق على لهجتهم مصطلح فرو-فرو (frou-frou) (وهو مصطلح أطلق في نهاية القرن العشرين في فرنسا، ويعبر عن صوت سير المرأة وهي مرتدية فستانًا) وذلك لتأثرها بالفرنسية. اللغة في لبنان تعود أصولها للفينيقيين أو الكنعانيين، وكان أهل سوريا الساحلية يتحدثونها، وأيضًا أهل شمال الساحل الإسرائيلي وقبرص، كما تعتبر اللغة الأشورية اللغة الأصلية للسوريين، ويتشارك العراقيون والإيرانيون فيها. والمصريون يتحدثون القبطية، وقائمة اللغات تطول.
في أثناء مهمة لنهاد في إسرائيل وفلسطين، تذكر أنّ لهجتها العربية كانت واضحة وهي لهجة فلسطينيي الداخل، وتغيرت لهجتها بشكل كبير في مصر، وتغيرت أكثر وأكثر عندما تعاملت مع العراقيين والليبيين. وتذكر أنها باعتبارها لبنانية أسترالية عاشت في ليبيا منذ الصغر، وبعدها عملت في قناة أسترالية خلال فترة حرب الخليج في المملكة العربية السعودية، وجدت أن الدولتين أسلوب حياتهما مصدر للرعب، ولكن الانتماء العالمي لها أرشدها أن تنتمي للآخر.
وفي مقابلة للكاتبة مع عالم الأحياء اللبناني الدكتور بيري زالو، الذي يعمل في المشروع الجينوغرافي لرسم خرائط جينية لتاريخ العالم البشري لقناة «ناشونال جيوغرافيك»، والذي صرف وقتًا طويلًا وجهدًا في قضية تفكيك المفاهيم المضللة للهويات بشكل عام. يقول زالو: «يعتبر الحمض النووي من أقوى الأدوات التي تقضي على مصطلح العرق ويحل محله مصطلح الخلفية الإثنية، فهو لا يُعرِّف أو يحدد هويّة معينة، أو ثقافة أو عرقًا، بل يكشف قصصًا من الماضي ولا يخبرنا من نكون تحديدًا».
في حديث الكاتبة الأول مع زالو بشأن هذه القضية، ذكر لها: «أن هذه قضية معقدة ومحملة سياسيًا بشكل كبير، على الأشخاص أن يملكوا الشجاعة ويطرحوا هذه القضايا بصدق من أجل الحقيقة ومن دون حكم مسبق»، وتؤكد نهاد على صحة كلامه وتذكر أن في البحث عن المعاني، والمفاهيم والتصنيفات في شأن المصطلحات أو المناطق، لا توجد إجابات محددة عن السكان أو الدول، أو الأعراق أو اللغات، تحدد تمامًا ما الذي يُشكِّل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولكن لا فرار من عقلية التمركز الإثني التي تسحق الدول، والأعراق، والأديان، والثقافات واللغات، والتي لا تُعرِّف أبناء المنطقة باعتبارهم متحدثين باللغة العربية، أو سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن بوصفنا «عربًا» و«عالمًا عربيًّا» بسطحيّة. لم نكن لنُعرِّف اسكوتلندا، وأيرلندا، وأستراليا، وكندا وأمريكيا بوصفنا «إنجليز» أو «العالم الإنجليزي»، ولكن باعتبارنا عالمًا متحدثًا باللغة الإنجليزية.
تذكر الكاتبة عن عالم التاريخ والآثار روبيرت هويلاند، أنه قضى وقتًا طويلًا في سوريا واليمن قبل بداية الحروب، والآن يُدرّس في جامعة نيويورك في دبي. ذكر لها أن أول مرة يظهر فيها ذكر مصطلح العرب كان في الإنجيل عام 834 قبل الميلاد، وأن العرق العربي ظهر في الصحراء ما بين تدمر والمملكة العربية السعودية.
قبل أن يتم غزو المنطقة من عرب شبه الجزيرة العربية، كانت هناك حضارات موجودة. بدأت الفتوحات شمالًا في منتصف القرن السادس بين المناطق الفارسية والبيزنطية، وكانت تهدف لنشر الإسلام -التي كانت لغته العربية- وليس لنشر العرق العربي.
يُعرِّف البعض كلمة العرب بـ«البدو»، ويشتق آخرون الكلمة من «النقاء أو المختلط». يعود العرب إلى قبائل بدوية تعيش في صحراء شبه الجزيرة العربية. كما جاءت اللغة العربية من النصوص الآرامية النبطية، واستخدمت منذ القرن الرابع للعصر الكلاسيكي، وتنتمي اللغة إلى مجموعة اللغات السامية من العبرية والآرامية، ومنذ القرن الثامن بعد الميلاد، بدأت تنتشر اللغة العربية في أرجاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وباعتناق نسبة كبيرة من الناس الديانة الإسلامية، واضطرارهم استخدام اللغة العربية في الصلاة، يعتبر هذا أهم تشكل لمصطلح «العرب» باعتباره مرجعًا للغة العربية وليس للناس. التدين والإثنية لا يمكن الخلط بينهما، فالقول أن جميع المسلمين يتحدثون العربية قول غير صحيح.
المآسي الواقعة في المنطقة تحولت من شكلها القومي إلى الديني، مما أدى إلى التباس مصطلحي العرب والمسلمين. وهذا اللبس غالبًا ناتج عن التصور الغربي للمنطقة، وضع العرب جميعهم في قالب ومصطلح واحد، يمكن وصفه بأنه استغلال لنشر الخوف وتصنيفه تحت «الحرب ضد الإرهاب».
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل التأثير الجيوسياسي والاسترايتيجي في تشكيل المصطلح. يشرح هويلاند مصطلح «العرب» الحديث الذي استخدم في القرن التاسع عشر؛ للتفريق بين الإمبراطورية العثمانية والقومية التركية. بعد ذلك، تم اعتماد هذا المصطلح من الجامعة العربية، وبالأخص من قبل المملكة العربية السعودية. وقد خدّم المصطلح السعودية بشكل كبير للتفريق بين المنطقتين، وكان من المهم والاستراتيجي إبقاء استمرارية تداول المصطلح؛ لتستمد السعودية نفوذًا ومناطق أكثر، وكانت محاولة يائسة للسيطرة على القومية العربية والهوية الإسلامية في السنوات الماضية. والتصق المصطلح في المخيال الإنساني أكثر بسبب جمال عبدالناصر وحركته القومية بين الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين.
استغلت إسرائيل المصطلح في حرب ـ67 لتعزيز هذا التصور، واليوم يستخدم المصطلح من قبل الإسرائليين نحو فلسطينيي الداخل لوضعهم في دائرة «الآخر»، واستخدام رعب غير متخيل لمسح هويتهم من جميع المعاجم، ووفقًا لهويلاند، أصبح مصطلح «العرب» أقل شيوعًا في الشرق الأوسط، لاعتبار الحركة القومية حركة متخلفة، وذكر أن القومية والإسلام كان لهم يومهم في المنطقة.
في السنة الماضية، أقام المكتب الإحصائي للولايات المتحدة منتدى لنقاش تعزيز تصنيفات القوميات، والأعراق والإثنيات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتم دعوة 40 مختصًا لمناقشة البيانات المتوافرة. كانت مخرجات اللقاء تؤشر إلى زيادة في رقم تصنيفات الإثنيات والأعراق والقوميات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد يشير هذا إلى عرض موجز وحقيقي للواقع، فضلًا عن الافتراضات والتوهمات، ومن الممكن أن تساعدنا هذه المؤشرات في فهم تعقيدات ومكونات المنطقة، في منطقة يوجد فيها الملايين من المتحدثين بالعربية، فليس الجميع علي أو عبد الله، سنيًا أو شيعيًا، فالإسلام يحتوي على عدد كبير من التفرعات والمذاهب (26 على أقل تقدير)، بالإضافة إلى غير المسلمين.
ذكر هويلاند للكاتبة: «ليس السؤال عن صحة الأمر بل عن فائدته»، وأضاف: «ليس من الصحيح أيضًا أن جميع الذين يعيشون في المنطقة عربًا أو يريدون أن يشار إليهم بوصفهم عربًا».
تنهي الكاتبة المقال بالتأكيد على وجوب التخلص من التصنيف الذي يضع الأعراق، والهويات، والثقافة والتاريخ في غير مكانها. وإن فعلنا ذلك لا نبتعد عن التهميش فقط، بل سنستطيع تَسْييق (وضع الأشياء في سياقاتها) والانطلاق في نشر وتعزيز التفاهم المشترك، ويسمح لتواصلٍ صحيّ مع المتحدثين باللغة العربية باختلاف لهاجتهم وبعيدًا عن أي عنصرية أو تحيز.
النهایة