كمال القاضي :
القاهرة – «القدس العربي»:
في ظل الانشغال بالاستثمار المالي حل الإعلان التلفزيوني محل الإعلام وتحول النجوم إلى أوراق للبنكنوت في أرصدة شركات الدعاية التي باتت تنتظر الموسم الرمضاني بفارغ الصبر لتبرم الاتفاقات وتحرر العقود مع كبار الفنانين والفنانات ليتولوا عمل الدعاية للسلع والمنتجات، ومن ثم يتم تبادل المنفعة، فالنجم يبيع جزءا من وقته ونجوميته لشركة الدعاية، التي تقوم بدور الوسيط أو «السمسار» بينه وبين العناصر المستفيدة، البائع والمستهلك والممول والوسيلة الإعلانية.
قبل إطلاق القنوات الفضائية الخاصة وتدفق الأموال كان التوظيف الدعائي لنجوم السينما والرياضة نادراً واستثنائياً، حيث كان للدعاية والإعلان ممثلون متخصصون يقتصر نشاطهم على الجانب الترويجي فقط، ويعرفون بوجوههم دون أسمائهم ولهم طرق مميزه في الأداء تتسم بالخفة والسرعة، فالتأثير لا بد أن يحدث في أقصر زمن ممكن، إذ يحسب الظهور على الشاشة بالثانية والدقيقة للارتفاع الباهظ في التكلفة التي كانت تصل إلى آلاف الجنيهات وتقفز إلى الملايين في أحيان كثيرة، ولما كان الإعلان فنا مختلفا له نجومه وفنانوه، كان النجوم السينمائيون يتورعون من فكرة تبديد مواهبهم واستهلاك طاقاتهم الإبداعية في الظهور العارض للإعلان عن السلع فهو دور أقل من رسالتهم الفنية المستهدفة.
وقد أخذ على نجم كبير مثل عمر الشريف في فترة من الفترات الظهور الدعائي على الشاشات والأفيشات في وقت تألقه، واعتبر هذا نقطة ضعف لم يستطع الفنان العالمي التغلب عليها، نظراً لعائدها المالي الجزيل ومتطلبات نفقاته التي تحتمها مكانته كنجم شهير، ولم يكن هناك مثال آخر يمكن أن يباري الشريف في مسألة الظهور المتكرر في الإعلانات، لأنه كما أسلفنا كان ذلك يعتبر خصماً من نجومية ومكانة الفنان وابتذالاً لموهبته، لكن يبدو أن أشياءً كثيرة تغيرت في هذا الخصوص ليصبح الطلب الإعلاني على الفنان تأكيداً لنجوميته وتأثيره!
القضية ربما يكون لها أكثر من بعد يحدد ملامح الظاهرة التي تتجلى في شهر رمضان أكثر من أي شهر آخر على مدار السنة، فشركات الدعاية المتخصصة لها خبرات واسعة في هذا المجال فهي تسعى للنجوم الذين أوشكت نجوميتهم أن تخبوا، ولكن حضورهم وتأثيرهم لا يزال قوياً فتتعاقد معهم على ما يشبه المقايضة بين فرضهم على الجمهور ووضعهم في بؤرة الضوء طوال مدة الإعلان، وبين استثمار ما تبقى من نجوميتهم وحضورهم بحكم التاريخ الفني الفائت لهم والذي تحفظه الجماهير عن ظهر قلب، وهذه الشريحة من النجوم أو الفنانين والفنانات الكبار لهم مربوط مالي أقل نسبياً من النجوم الأصغر سناً والمتمتعين بالجاذبية، فلا يتساوى نجم الشباك الحالي مع من كان يوماً ما نجم شباك، وكذا الأمر بالنسبة للنجمات فلكل منهن سعر مختلف، كما لكل منهن تأثير مختلف أيضاً.
ولو راقبنا الفقرات الإعلانية في بعض المحطات الفضائية يمكننا ملاحظة أن غالبية النجوم المشاركين فيها هم من النجوم السابقين مع ملاحظة وجودهم على الساحة وعدم اختفائهم تماماً وهي فكرة المقايضة التي ذكرناها، ناهيك عن أن هناك نجوماً كبارا حاليين أصبحوا محترفين في تقديم الإعلانات، لكن هؤلاء لهم حسابات أخرى وميزانيات أخرى أو بالأحرى ملايين أخرى تمثل إغراءً لا يسعهم مقاومته حتى وإن كانوا مدركين لخطورة الظهور المتكرر على الشاشة الصغيرة كموديلات إعلانية لأن الملايين التي يحصلون عليها جديرة بالتعويض ودحض عيوب ومساوئ التكرار.
ووفق هذه المقاييس من الصعب التكهن باختفاء ظاهرة «النجم الموديل» فمن تجاوزتهم النجومية الفنية والمرحلة الزمنية بقليل أو كثير يجدون في نجومية الإعلان السلوى والتعويض ومن يعيشون أزهى مراحل انتشارهم ونجوميتهم في السينما والمسرح والتلفزيون يعتبرون ذلك نشاطاً إضافياً ويعملون للمقبل من سنوات العمر ألف حساب فما يضيع من فرص اليوم لا يمكن أن يعوض في الغد، أما مسالة المعايير والمبادئ والقيم الفنية فكلها شكليات لا محل لها من الإعراب في قواعد اللعبة المادية وسباق الملايين.
7akh