في مقابلة مع مجلة «ذي أتلانتك» – على سبيل المثال – اقترح أوباما أن حلفاء الولايات المتحدة «سيحتاجون إلى إيجاد طريقة فعالة لتشارك الجوار، وإقامة نوع من السلام البارد» مع إيران. وردًا على سؤال حول ما إذا كانت السعودية حليفًا، ابتسم أوباما وقدم ردًا فاترًا: «إنه أمر معقد».

وهكذا – قبل انتخابات عام 2016 – رأت دول مثل السعودية والإمارات في رئاسة دونالد ترامب المحتملة فرصة للتغيير. وفي العام الماضي نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن سميّة الجبرتي، رئيسة تحرير جريدة «سعودي جازيت»، قولها: إنه «تحت حكم ترامب، يمكن أن يكون هناك حقبة محتملة لإعادة العلاقات»، لكن السؤال الكبير الآن هو ما إذا كانت هذه القوى العربية في الخليج العربي سوف تندم على وضع رهاناتها على ترامب، وفق ما أشار التقرير.

في الأيام القليلة الماضية، ظهرت تقارير تشير إلى أن مشاعرهم المؤيدة لترامب ذهبت إلى أبعد من الدعم المعنوي. أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» ووكالة «أسوشيتدبرس» هذا الأسبوع بأن مبعوثين زعموا أنهم يعملون لصالح ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، الأمير محمد بن زايد آل نهيان، قد عرضوا أولًا مساعدة حملة ترامب عبر «حملة تلاعب على الشبكات الاجتماعية»، وحاولا في وقت لاحق التأثير على ترامب أثناء وجوده في منصبه.

وكما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، فإن أحد المبعوثين المزعومين – رجل الأعمال الأمريكي اللبناني جورج نادر – قد ساعد أيضًا في تنظيم اجتماع في يناير (كانون الثاني) 2017 في جزيرة سيشيل بين إيريك برينس، مؤسس شركة «بلاك ووتر» الأمنية الخاصة، ومسؤولين إماراتيين ومصرفي روسي مقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يتعاون نادر في التحقيق الذي يجريه المحقق الخاص روبرت مولر بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية.

وقال التقرير: إنه لم يتضح بعد ما إذا كان نادر وشريكه، جامع التبرعات الجمهوري، إليوت برودي، مقربين من وليي العهد كما زعموا. ومع ذلك، ليس هناك شك في أن كلًا من السعودية والإمارات سعتا إلى اقامة علاقة وثيقة مع ترامب، على الرغم من قلة خبرته وانتقاداته المتكررة للعالم الإسلامي.

أكبر الرابحين

بالنسبة لدول الخليج العربية، كان فوز هيلاري كلينتون يمثل مشكلة. كان هناك قلق واضح من أن المرشحة الديمقراطية يمكن أن تستمر في سياسات أوباما التي لم تكن مرضية بالنسبة لهم. في الواقع أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة التي نشرتها «ويكيليكس» في عام 2016 أن كلينتون كانت تربط بين السعودية بشكل خاص، وبين تمويل تنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)»، وهو اتهام أثار غضب الرياض لفترة طويلة.

بالطبع قد يبدو ترامب المرشح الأقل تفضيلًا بالنسبة لدولتين مسلمتين عربيتين. كان رجل الأعمال السابق متشككًا في جميع المسلمين في الحملة الانتخابية، وقال لشبكة «CNN»: إن «الإسلام يكرهنا»، ودعا إلى فرض حظر على دخول المسلمين إلى البلاد. كما انتقد – على وجه التحديد – السعودية: خلال أحد المناظرات الرئاسية، اقترح ترامب أن الناس في المملكة «يقتلون النساء، ويعاملونهن بشكل مروع».

الرئيس الأمريكي ترامب وولي العهد السعودي ابن سلمان – البيت الأبيض

لكن حملة ترامب كانت تعاني أيضًا من نقص الموظفين. وبدافع من مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، عينت مجموعة من المستشارين في الشؤون الدولية. وكان الوسطاء الضعفاء، مثل، نادر، وبيردي، يشتمون فرصة نشر نفوذهم، والأهم من ذلك كسب المال. تشير الأدلة التي نشرتها وكالة «أسوشيتدبرس» إلى أنهم في بعض الأحيان قد عاملوا عشيرة ترامب بازدراء: جاريد كوشنر، صهر الرئيس الذي كلف بإعداد خطة سلام في الشرق الأوسط، وصف بأنه «الأمير المهرج» في رسالة من نادر إلى برودي.

بغض النظر عن الدور الذي لعبه نادر وبرودي في النهاية، تشير العلامات الأولى إلى أن السعودية والإمارات كانتا من بين أكبر الرابحين في رئاسة ترامب. في أول رحلة خارجية له في منصبه، خالف ترامب التقاليد بالتوجه إلى الرياض، بدلًا عن أوتاوا أو مكسيكو سيتي. وأثناء وجوده هناك، أعرب عن ثنائه الشديد على مضيفيه وحلفائه، واعدًا بأنه لم يكن في الرياض «لإلقاء محاضرة» على المسلمين، ربما كان ذلك بمثابة انتقاد لخطاب أوباما البارز في 2009 في القاهرة.

تحقيق مولر

وضع ترامب نفوذه خلف خطط ولي العهد السعودي الطموحة للإصلاح الداخلي في المملكة، حتى أنه دعمه في تغريدة على «تويتر» خلال حملة التطهير المثيرة للجدل التي شنها ابن سلمان ضد الأمراء المتنافسين. وقد أيد في البداية التحرك الذي قادته السعودية والإمارات لعزل قطر، وغض الطرف عن التجاوزات المزعومة لتدخلهم العسكري في اليمن. في الشهر الماضي تراجع عن إحدى سياسات أوباما التي كان كلا البلدين يكرهانها، وسحب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية.

البيت الأبيض-واشنطن

بحسب التقرير، فقد أدى عدم القدرة على التنبؤ بأفعال الرئيس الأمريكي، وافتقاره لسياسة خارجة شاملة إلى وجود عقبات غير متوقعة في طريقه. وأوضح التقرير أن محاولات ترامب المتكررة لحظر دخول الزائرين من البلدان ذات الغالبية المسلمة الولايات المتحدة، ونقل السفارة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس، وخطة السلام المقترحة، كل هذه النقاط ربما لا تمثل مشكلة لوليي العهد السعودي والإماراتي، إلا أنها تثير الانقسام في أوساط شعبيهما.

في هذه الأثناء، تفاوتت وتيرة دعم ترامب للحصار على قطر، ربما بسبب مناورات النفوذ التي مارستها الدوحة نفسها، وقد اقترح مرارًا وتكرارًا أنه يريد إخراج الولايات المتحدة من سوريا، لكن ربما تكون المشكلة الكبرى هي أن ترامب ربما يكون في نهاية المطاف أكثر رعبًا للحلفاء الخليجيين من سلفه. إذا اشتكى أفراد العائلة المالكة السعوديون من أن أوباما قد أشار ضمنًا إلى أنهم «ركاب مجانيون»، فقد ذهب ترامب إلى أبعد من ذلك، مطالبًا إياهم بدفع المليارات، واقترح أن دولهم «لن تدوم أسبوعًا» بدون حماية الولايات المتحدة.

قد يكشف تحقيق مولر عن تفاصيل محرجة أكثر حول محاولات السعودية والإمارات لإيجاد أرضية مشتركة مع ترامب، أو نقطة ضعف يمكنهم استخدامها لمصلحتهم. وكلما تزايدت المعلومات التي تظهر، زاد تساؤل الأمراء الخليجيين عما إذا كانت هذه الجهود تستحق العناء!