ما تزال إيران وإسرائيل عدوتين لدودتين، كلتاهما مسلحة تسليحًا ثقيلًا، فضلًا عن أن كلتيهما متورطة في تعقيدات المصالح الجيوسياسية.

نشر موقع «ذا كونفرسيشن» تقريرًا كتبته «سيدا عني وقار» -محاضر في قسم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة ويست مينستر- تعرض فيه ملابسات الوضع بين إيران وإسرائيل، وما احتمالات إقدام أي منهما على تصعيد قد ينتهى بحرب تجر المنطقة والعالم أجمع إلى كارثة محققة.

تقول الكاتبة إن عقب إعلان دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني التاريخي الذي عقد في 2015، أطلقت القوات الإيرانية في سوريا صواريخ على مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل للمرة الأولى، فأتبعته إسرائيل برد استهدف القوات والمواقع الإيرانية في سوريا، فكان الهجوم الإسرائيلي على المواقع الإيرانية، والذي أسفر عن مقتل 23 شخصًا، الأكبر منذ اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011.

تشير الكاتبة إلى أن تلك الأحداث بدت لوهلة وكأن لاعبين سياسيين وعسكريين رئيسين في الشرق الأوسط على شفا صراع عسكري واسع النطاق، وأن نشوب حرب إسرائيلية إيرانية يمكن أن يلقي بالشرق الأوسط في مهب أشد صراعاته تدميرًا في التاريخ الحديث، صراع تستقطب فيه قوى العالم أجمع، وحيث تسحب إليه الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها حليفًا وفيًا لإسرائيل، وكذلك تنزلق إليه روسيا حليف سوريا، وبالتالي الحليف الاستراتيجي لإيران، إلا أن أيًّا من الطرفين لم يختر طريق المزيد من التصعيد، لماذا إذن؟

من ناحية تقول الكاتبة إن إيران تدرك تمامًا محدودية قدرتها على الرد، فضلًا عن أن تاريخ البلدين وتطورهما العسكري، يجعل من نشوب صراع مدمر أمرًا مستبعدًا.

تردف الكاتبة قائلة إن في حين سبق وتصادمت إسرائيل مع جيرانها العرب من قبل –على سبيل المثال مع مصر والأردن وسوريا-، فإنها من ناحية أخرى لم تتورط في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران من قبل، وتضيف: «في الحقيقة، من السهل أن ننسى الآن طبيعة العلاقة بين إيران وإسرائيل قبل قيام الثورة الإسلامية الإرانية عام 1979»، إذ تمتع البلدان بعلاقة وثيقة، فكانا الحليفين الرئيسين للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط حينها، وقامت إيران بتسليم نفطها لإسرائيل أثناء حرب 1973 بين العرب وإسرائيل، ولم يتغير الوضع إلا بعد إطاحة الشاه الإيراني في عام 1979، ومذ حينها أعلن الزعيم الروحي للثورة الإسلامية الإيرانية «آية الله الخميني» أن إسرائيل «عدو الإسلام»، وقطع كل العلاقات معها.

وتضيف الكاتبة أن الأوضاع تطورت، إذ نشبت حربٌ بين إيران والعراق في الفترة من 1980 إلى 1988، وكان لهذا الصراع المنهك أثر كبير في العقيدة العسكرية الإيرانية، فضلًا عن أن خوض مثل تلك الحرب ساهم في تعزيز مخاوف إيران الجيوسياسية والأمنية حتى يومنا هذا، كما أرغمت الحرب مع صدام حسين الحكومة الإيرانية على إعطاء الأولوية لسياسة خارجية أكثر دفاعية، فصارت تشارك في صراعات أخرى، لكنها تفضل دائمًا المشاركة من خلال الوكلاء على التورط في الحروب تورطًا مباشرًا.

ونتيجة لذلك، تعتقد الكاتبة أن على الرغم من اعتبار إسرائيل إيران تهديدًا وجوديًّا كبيرًا لها اليوم، فإنها قلقة بشكل خاص من تورط إيران في صراعات أخرى في الشرق الأوسط، إذ خاضت حروبًا أكثر من مرة مع حزب الله حليف إيران في لبنان، ولا سيما الحرب الأخيرة عام 2006، وفي حين أن الصراع طويل الأمد في اليمن يعد هو الآخر حربًا بالوكالة بين إيران والمملكة العربية السعودية من جوانب عدة، فإن القوات المدعومة من إيران في اليمن يمكنها استخدام الأراضي اليمنية في ضرب أهداف إسرائيلية.

لكن الكاتبة تؤكد أن حتى في حالة نشوب صراع على إحدى تلك الجبهات، فإن هناك عاملًا مهمًا آخر يدخل في الحسبان، ألا وهو الإمكانات العسكرية المتباينة جدًا للبلدين.

كل طرف يتحسس موضع قدمه

تعيش إسرائيل الآن وسط بيئة معادية، ما يجعلها عرضةً للهجوم على كل الأصعدة تقريبًا.

تذكر الكاتبة أن السواد الأعظم من مخزون الأسلحة الإيراني يُصنَّع ويُطوَّر محليًّا، فضلًا عن أن الصورايخ والقذائف الإيرانية الصنع تختبرها قوات حزب الله في الميدان، إلا أن في السنوات الأخيرة، اشترت إيران أسلحة وخبرات تقنية من دول معادية للغرب، مثل الصين وروسيا وربما كوريا الشمالية، في شكل نووي.

أما من جانب إسرائيل، تقول الكاتبة إن قوتها الرئيسية تتمثل في القوة العسكرية الاستثنائية، إذ تشمل أنظمة الأسلحة الخاصة بها «القبة الحديدية» -نظام دفاع جوي بالصواريخ ذات القواعد المتحركة-، ودروع الدفاع الصاروخية «مقلاع داوود» -منظومة دفاع جوي صاروخي إسرائيلية-، ويعد إحدى أدوات الدفاع الدقيقة للغاية، والذي بإمكانه سحق ما يزيد على 90% من الصواريخ المعادية في الجو.

وتضيف الكاتبة أن إسرائيل تقود قوة جوية لا مثيل لها في الشرق الأوسط، وقد صارت بحيازتها مؤخرًا طائرات إف-35 -المقاتلة متعددة المهام- الأمريكية الصنع، إضافةً إلى التعزيزات التكنولوجية التي أدخلتها إسرائيل عليها، وعلاوة على كل ذلك، وافقت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2016، على زيادة المساعدات العسكرية لإسرائيل، لتصل إلى 3.8 مليار دولار أمريكي سنويًّا حتى عام 2018.

ومع ذلك، فإن إسرائيل هي الأخرى ليست واثقة من تبعات دخولها في صراع مباشر مع إيران، على الرغم من مناعة السياج التكنولوجي والاستراتيجي لإسرائيل، فإنها ما تزال غير قادرة على إصلاح العوائق الدبلوماسية والسياسية مع العديد من جيرانها العرب، إذ تعيش إسرائيل الآن وسط بيئة معادية، ما يجعلها عرضة للهجوم على كل الأصعدة تقريبًا، لا سيما أن آخر ما تحتاجه إسرائيل في الوقت الراهن هو حرب واسعة ضد قوة أخرى مسلحة تسليحًا ثقيلًا.

هل الحرب قاب قوسين أو أدنى؟

إقدام إيران على التصعيد من شأنه تبديد الدعم الدبلوماسي والأخلاقي الذي جمعته منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

لعل إحدى المميزات التي تتمتع بها إيران هي مجموعة الوكلاء والحلفاء غير الدول، ما يسمح لها بتنفيذ عمليات قتالية على مقربة من إسرائيل، وحيث لا تريد إرسال قوات نظامية، فضلًا عن وجود حليف قيم لإيران سيطر على قطاع غزة؛ حماس، وفي لبنان لديها حزب الله الذي على أتم استعداد لمساعدتها إذا لزم الأمر، علاوة على أنها بإمكانها استغلال الانشقاقات السنية الشيعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتأمين دعمها لجيوش المتطوعين الشيعة؛ فمنذ سقوط صدام حسين، صارت إيران تتمتع بنفوذ كبير في العراق، في حين أن العراق ما يزال يناضل من أجل إقامة نظام سياسي بوسعه استيعاب الشيعة والأكراد والسنة.

إلا أن الكاتبة تعتقد أنه حتى مع وجود كل هذا التأثير تحت تصرف ورهن إشارة إيران، فإن إيران تفضل بوضوح عدم الوصول إلى تصعيد الصراع العسكري مع إسرائيل بحال من الأحوال. وبغض النظر عن التداعيات العسكرية، فإن إقدامها على ذلك من شأنه تبديد الدعم الدبلوماسي والأخلاقي الذي جمعته إيران منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني.

لذا، تعتقد الكاتبة أنه حتى الآن، يتوخى الطرفان الحذر، وهكذا استهدفت الغارات الإسرائيلية الأخيرة منشآت عسكرية وليس أفرادًا، والذي من شأنه تحقيق خسائر كبيرة تضع إيران تحت ضغط الرد، وفي غضون ذلك، ما يزال النقاش الداخلي في إيران قائمًا حول كيفية الرد، فانقسم الرأي في إيران إلى قسمين، أحدهما إصرار بعض التقدميين على وجوب حماية الاتفاق النووي، في حين أن الرأي الآخر متمثلًا في رجال الدولة المتشددين العدائيين يفضل ردًّا وموقفًا أكثر تصادمًا، إلا أن الحكومة الإيرانية لم تحسم أمرها حتى الآن بشأن أي طريق تسلكه.

وتختتم الكاتبة تقريرها مؤكدة أن «بغض النظر عما سيحدث في المستقبل القريب، ما تزال إيران وإسرائيل عدوتين لدودتين»، كلتاهما مسلحة تسليحًا ثقيلًا، فضلًا عن أن كلتيهما متورطة في تعقيدات المصالح الجيوسياسية، وتعتقد الكاتبة أن إذا ما اندلعت حرب بين البلدين، بالتأكيد سيدمر بعضهما البعض، ولن يمنى أي منهما بالنصر المتين، ولعل إدراك كليهما لحقيقة الوضع، هو العائق الأساسي والأهم في طريق كارثة محققة.