تصريحات المقداد حول بَقاء قُوّات “حزب الله” وإيران في سورية تَعكِس خِلافًا قَويًّا مع روسيا.. هل كانت تَهديدات إسرائيل سَببه؟ ولماذا باتَ هذا الوُجود الإيراني ضَروريًّا بعد تهديدات بومبيو بتَغيير النِّظام في طِهران؟ وما هِي الحُلول المُقتَرَحَة
leroydeshotel
24 مايو، 2018
أخبار
63 زيارة
رأي اليوم :
التَّصريحات التي أدلَى بها السيد فيصل المقداد، نائب وزير الخارجيّة السُّوري لوكالة الأنباء الروسيّة “سبوتنيك”، وأكَّد فيها أنّ انسحاب القُوّات المُتواجِدة في الأراضي السُّوريّة أو بقاءها هو شأنٌ داخليٌّ سياديٌّ سوريٌّ، جاءَت مُحاولةً لتَبديد وجود أيِّ خِلافٍ سوريٍّ روسيٍّ حول هذهِ المَسألة، وتأكيدًا على أنّ المَطالِب الروسيّة في هذا الخُصوص لا تَشمَل القُوّات الإيرانيّة أو تِلك التَّابِعة لحِزب الله.
ألكسندر لافرينتيف، مَبعوث الرئيس الروسي إلى سورية كان أوّل من أثار هذهِ المَسألة الخِلافيّة، عندما أعلن قبل أُسبوعٍ أنّ جميع القُوّات الأجنبيّة المُتواجِدة على الأراضي السُّوريّة يجب أن تُغادِر بِما في ذلك الأمريكيّة والتركيّة والإيرانيّة وحزب الله، وأكَّد الرئيس فلاديمير بوتين على الشَّيء نَفسِه في أعقابِ لقائِه بالرئيس بشار الأسد في مُنتَجع سوتشي يوم 17 أيار (مايو) الحالي، ولكنّه ربط “حتميّة” هذا الانسحاب بِنَجاحات الجيش السوري في مُكافَحة الإرهاب، وبِدء العمليّة السِّياسيّة.
السيد المقداد مَيَّز بين نَوعين من هذهِ القُوّات المُتواجِدة على الأرض السُّوريّة، الأوّل يَشمل الروسيّة والإيرانيّة و”حزب الله”، ووَصَف هذا الوُجود بأنّه شَرعيّ، جاء بِطَلبٍ من الحُكومة السُّوريّة، والثاني غير الشَّرعيّ ويعتبر وجوده احتلالاً ودَعمًا للإرهاب لأنّه لم يَتم بطَلبٍ من الحُكومة السُّوريّة، ووًضع القُوّات الأمريكيّة والتُّركيّة في هذهِ الخانة.
نحن نَقِف أمام وِجهتيّ نَظر مُختَلِفَتين، الأولى روسيّة تّريد سحب القُوات الإيرانيّة وحُلفائِها، والثانية سوريّة تُعارِض، وتُؤَكِّد أنّ هذهِ القُوّات حليفة، ولَعِبت دَورًا كبيرًا في الدِّفاع عن سورية ومَنعِ سُقوط نِظامِها، ولذلك يَجِب أن تستمر حتى يتم حَسم الحَرب على الإرهاب، واستعادة الحُكومة السُّوريّة لسَيطرتها الكامِلة على جميع الأراضي السُّوريّة.
ما يَدفع على القَلق، أن هذهِ المطالِب الروسيّة بانسحاب القُوّات الإيرانيّة تتزامن مع التًّوتُّر المُتصاعِد بين إيران وإسرائيل بسبب وجود “قواعد عسكريّة” للأُولى على الأرض السُّوريّة، وقِيام الطائرات الإسرائيليّة من نوع “الشبح” أو “إف 35” بالغارة على هذه القواعِد وقتل عددٍ من المُستشارين والخُبراء الإيرانيين فيها، الأمر الذي دفع إيران إلى الرَّد بإطلاق أكثًر من 35 صاروخًا على أهدافٍ عسكريّة إسرائيليه في هَضبة الجُولان المُحتلَّة.
من غَير المَنطقي مُطالبة الحُكومة السُّوريّة بإخراج القُوّات الإيرانيّة من أراضيها، خاصة في ظِل التوتر الحالي، والتهديدات الإسرائيليّة ليس بضرب هذه القُوّات، وهو ما يُشكِّل عُدوانًا صَريحًا وانتهاكُا لسِيادة الدَّولة السوريّة، بل واغتيال الرئيس السوري بشار الأسد لأنّه مُتمَسِّك بوجودها، مُضافًا إلى ذلك أنّ الحرب على الإرهاب لم تنتهِ، وأنّ هُناك مَناطِق في شمال غرب سورية (إدلب) وفي جنوب غربها (درعا) وشرقها (شرق الفرات) أيضًا ما زالت خارِج سيطرة الحُكومة السُّوريّة تمامًا، ناهِيك عن احتلال القُوّات التركيّة لمِنطَقة عِفرين، وقُوّات سورية الدِّيمقراطيّة الكُرديّة لمِنطَقتيّ الرقّة والحَسكة بدَعمٍ أمريكيّ.
قُوّات “حزب الله” انسحبت في مُعظَمِها من الأراضي السُّوريّة بعد إنجاز مُهِمَّتها، وعدم حاجَة الجيش السوري لها، وأعادت تموضعها في جنوب لبنان تَحسُّبًا لمُواجهةٍ عسكريّةٍ وشيكة مع القُوّات الإسرائيليّة، لكن وجود “المُستشارين” الإيرانيين أصبح ضَروريًّا، وأكثر من أيِّ وَقتٍ مضى، بعد تصريحات وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو التي فرض من خلالها 12 شَرطًا تَعجيزيًّا على إيران، رأى فيها الكَثير من المُراقبين، ونحن من بينهم، مُقَدِّمة لتغيير النِّظام في طِهران، وأبرزها انسحاب القُوّات الإيرانيّة من سورية.
أي تغيير للنظام في طهران سيكون مُقدِّمة لتغيير النظام في دمشق، وسُقوط النِّظام الإيراني سواء بحَربٍ عسكريّة أو حِصارٍ اقتصاديٍّ، سيكون مُقَدِّمة لسُقوط النظام السوري وبِشَكلٍ آليّ، ممّا يعني أن مصير النظامين باتَ واحِدًا، ووجودهما في خَندقٍ واحِد في مُواجَهة أمريكا وإسرائيل باتَ خِيارًا حَتميًّا.
القّوّات الإيرانيّة في سورية يجب أن تًنسحِب في نهاية المَطاف، ولكن بقرارٍ سوريّ، وليس بطَلبٍ إسرائيليّ، أو بضَغطٍ أمريكيّ، وبعد استعادة الجيش السوري لجميع الأراضي السُّوريّة، وإخراج القُوّات غير الشَّرعيّة المُتواجِدةِ فيها.
التدخل الأمريكي الغربي المدعوم عَسكريًّا وماليًّا من بعض الدُّول الخليجيّة في سورية بِهَدف تغيير النِّظام هو السبب الرئيسي وراء وجود قُوّات إيرانيّة وروسيّة ومن “حزب الله” أيضًا، وقبل حُدوث هذا التَّدخُّل قبل سبع سنوات، لم تَكُن هُناك حاجَة لوجود مِثل هذهِ القُوّات أو غَيرهِا.
روسيا الدَّولة الصَّديقة التي استعادَت مكانَتها كقُوَّةٍ عُظمَى تَملُك اليَد العُليا في المِنطقة، ومنعت نجاح هذا المُخطَّط الأمريكي الذي يقف خلف دمار سورية ودول عربيّة عديدة، يجب أن تضع هذه الحقائق في عين الاعتبار، ونحن نَثِق أنّها تفعل ذلك، مِثلما لا يجب عليها أن تخضع بالتَّالي لأساليب الابتزاز والتَّهديدات الإسرائيليّة، أو هكذا نأمَل في هذهِ الصَّحيفة “رأي اليوم” التي رحَّبَت دائِمًا بعَودتها إلى المِنطقة لوَضع حدٍّ للهَيمنةِ الأمريكيّة، وكل مشاريعها التدميريّة والتفتيتيّة التي تَخدِم المَصالِح الإسرائيليّة فقط.
“رأي اليوم”