رأي اليوم :
قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية إن هناك تناقضاً بين شعار الإصلاح الذي يرفعه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والواقع على الأرض، وذلك في تعليقها على حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت العديد من الشخصيات الناشطة بالمجتمع المدني، وبينهم نساء.
وقالت الصحيفة إنه قبل أيام من زيارة بن سلمان الأخيرة إلى واشنطن، أوقفت سلطات الأمن الإماراتية في أبوظبي، لجين الهذلول، وهي واحدة من أكثر الشخصيات النسوية السعودية دفاعاً عن حق المرأة بقيادة السيارة، ورُحّلت إلى السعودية، وكانت تدرس الماجستير بالإمارات، وقضت أياماً في السجن ومُنعت من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
عملية الاعتقال هذه أكدت من جديدٍ طبيعة التناقض بين الشعارات التي يرفعها بن سلمان الداعيةِ إلى الإصلاح والواقع في السعودية، كما أنه يسلط الضوء على التعاون الوثيق بين الإمارات والمملكة، وهما اللتان تروجان لنموذج اقتصادي مستقر في المنطقة يعتمد التنمية، ولكنه أيضاً يثبط أي عمل أو نشاط سياسي.
وتنقل “واشنطن بوست” عن بعض الأشخاص ممن لديهم معرفة بتفاصيل الحادث، أن الهذلول بعثت بآخر رسالة إلى متابعيها، البالغ عددهم 316 ألف شخص، في مارس الماضي، ولم تعد إلى التواصل معهم بعد الإفراج عنها، غير أن الأنباء أشارت إلى أنه تمت إعادة اعتقالها الأسبوع الماضي، فيما بدا أنها حملة اعتقالات وحشية جديدة تطول النشطاء في السعودية.
يقول الكاتب السعودي جمال خاشقجي، من منفاه الاختياري في الولايات المتحدة، إنه إذا كان بن سلمان قد قدم نفسه كمصلح فإن عليه اليوم أن يحتفل بالهذلول باعتبارها مُصلِحة.
الهذلول ركزت نشاطها على الدعوة للسماح للمرأة السعودية بالقيادة، ووضع حد لنظام الوصاية الذكورية المقيدة للبلد، حيث تضطر النساء إلى طلب الإذن من ولي أمرها من أجل الحصول على الخدمات الحكومية.
السعودية منحت المرأة حق القيادة العام الماضي، وخففت قوانين الوصاية، وبات بإمكان المرأة الآن الحصول على العديد من الخدمات الحكومية وفتح الأعمال التجارية من دون إذن الرجل، ولكن على الرغم من تلك القوانين، فإن واقع الحال يشير إلى أن شيئاً من ذلك لم يحصل على أرض الواقع، فما زالت المرأة بحاجة إلى إذن ولي الأمر للسفر أو الزواج.
تتضاءل إصلاحات بن سلمان شيئاً فشيئاً، تقول الصحيفة، خاصة مع حملة قمع النشطاء الجديدة، وتتزايد يوماً بعد آخَر البيئة القمعية ضد أولئك الذين يدعون إلى إجراء تغيير حقيقي. فبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، فإن هناك موجة من الخوف تنتاب كل من شارك بشكل حقيقي في مسيرة الإصلاح.
تقول ناشطة سعودية، طلبت عدم ذكر اسمها، إن حملة الاعتقالات هذه المرة تستهدف الناشطات السعوديات تحديداً، وحتى الرجال الذين شملهم الاعتقال هذه المرة، هم من بين المناصرين لتلك الحركة النسوية المطالبة بحقوق المرأة.
في الخامس عشر من مايو الجاري، تمت مداهمة منزل الهذلول، واقتيدت من غرفة نومها، ونُقلت بعد ذلك إلى سجن “الشعر”، وهو السجن نفسه الذي سبق أن احتجزت به بعد ترحيلها من الإمارات.
وكانت الهذلول قد اعتُقلت سابقاً في عام 2014 عندما رُحِّلت من الإمارات بعد أن دخلت بسيارتها وحاولت عبور الحدود إلى السعودية، وأحيلت حينها إلى محكمة للإرهاب، غير أنه أُفرج عنها بعد 73 يوماً، كما تم اعتقالها عام 2017 بعد عودتها من زيارة عائلية إلى الولايات المتحدة.
جَلَبَ نشاط الهذلول لها اهتماماً دولياً كبيراً، حيث ظهرت إلى جانب الممثلة ميغان ماركل، التي تزوجت الأمير البريطاني “هاري” السبت الماضي، وذلك في قمة إنسانية بكندا، كما احتلت المرتبة الـ45 بقائمة أكثر العرب تأثيراً في العام الماضي، وذلك باستفتاء مجلة “أربيان بزنس”.
لكنها ظهرت مؤخراً على صدر الصفحة الأولى لصحيفة “عكاظ” السعودية ضمن من اعتُقل في الحملة القمعية الأخيرة. وبناء على التهم الموجَّهة إليها، فإنها يمكن أن تواجه عقوبة السجن مدة تصل إلى 20 عاماً.
وتعليقاً على هذا التناقض بين دعوات الإصلاح وحملة الاعتقالات الأخيرة، قالت ناشطة سعودية للصحيفة الأمريكية، إنه يمكن أن يكون هناك حرس قديم يحاول أن يعرقل خطوات بن سلمان للإصلاح.
غير أن خاشقجي لا يبدو متحمساً لهذا الرأي، حيث يقول: “لا يوجد في السعودية حرس قديم، لقد سيطر بن سلمان على كل شيء، ما يحدث في المملكة اليوم غير مسبوق، إنه لا يمثل البلاد القديمة وإنما يمثل سعودية جديدة”. (الحليج اونلاين)