٥٠٠ كتاب سنى تبيح زواج «ملك اليمين»!
كما ادعى أن فى الزواج بملك اليمين إحياء للسنة النبوية مستدلا بالعديد من الكتب القديمة التى يرى أنه تبيحه.
ويتم الزواج بملك اليمين بأن تقول المرأة للرجل:«ملكتُك نفسى على كتاب الله»، فيقول الرجل:«قبلتُ» ،ثم يقرأ عليها سورة الإخلاص ويقبلها أمام الحاضرين.
هذه القنبلة التى فجرها «عون» فى وقت يختلط فيه الحابل بالنابل ،ويتعرض الاسلام فيه لهجوم ممن يكرهونه بالسليقة ، أزعجت علماء الازهر ومجمع بحوثه الذين أجمعوا على أن زواج «ملك اليمين»، زنا مقنع وتحايل على الشريعة الإسلامية التى تحافظ على حق المرأة .
تنقية التراث
الدكتور أحمد هلال أستاذ الطب النفسى والمهتم بالشأن الإسلامى قال : إن أكثر من 500 كتاب ومرجع سنى تتحدث عن زواج ملكات اليمين باعتباره مباحا رغم أن الإسلام تدرج فى تحريمه وكل ماتتضمنه هذه الكتب ينال كثيرا من الاسلام والمسلمين ويحط من قدرهم. هلال طالب الهيئات الإسلامية المعنية بضرورة التحرك فورا لتحرير الفقه الإسلامى وكتب التراث من هذه الخزعبلات التى هى أشد خطرا على الإسلام من ألد خصومه،معتبرا البقاء عليها وعدم المساس بها إساءة متعمدة للإسلام .
زنا وتحايل على شرع الله
الشيخ على أبو الحسن «رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالازهر والمتخصص فى شئون فتاوى الأسرة» شدد فى سياق تعليقه على هذه القضية على أن زواج ملك اليمين،ليس زواجا،بل زنا.
وقال لـ«فيتو»: إن الاسلام يلعن هذا الزواج،واصفا من يروجون له الآن بأنهم يفتحون بابا للخراب والفوضى والفتنة.
موضحا ان الاسلام تدرج فى محاربة الرق كما تدرج فى محاربة الخمر وغيرها من الامور المشينة الاخرى ,ومنها زواج ملك اليمين الذى لا يقره الإسلام ولا يبيحه. وفتح أبو الحسن النار على المرأة التى تقبل على نفسها الزواج بــ«ملك اليمين» .
وأكد أنه ليس فى الإسلام ان تهب نفسها للرجل واصفا من يقدمون على ذلك بـ«الزناة» المسيحية تحرمه أيضا.
«النظرة وراء الشهوة خطيئة ،والسيد المسيح طلب منا ألا نشتهى فلا ينسحب القلب وراء النظرة الخاطئة» ..
هكذا عبر الدكتور القس عبد المسيح إسطفانوس أستاذ العقيدة بكلية اللاهوت الإنجيلية فى سياق تعليقه على هذا الموضوع وعما إذا كانت المسيحية تبيحه، وقال لـ«فيتو»: إن زواج ملك اليمين كان فى اليهودية، ومن يطالبون بإحيائه الآن يريدون إعادتنا إلى زمن الوثنية وممارسة الرجس حيث كانوا يقومون بقص شعر وبقلم أظافر وخلع ثياب ملكات اليمين حتى يكون شكلها سيئا جدا وحينئذ يتزوجها بدون إذن والديها ..
محاكمة «عون»
وحقوقيا اعتبرت الحقوقية نهاد أبو القمصان رئيس المنظمة المصرية لحقوق المرأة تلك الدعوة عودة إلى عصر الجاهلية الأولى التى كانت تشهد إذلال المرأة وسلب حقوقها، ورأت أن إثارة قضية « ملك اليمين» -فى هذا التوقيت – بالونة اختبار لعبودية المرأة .
وتساءلت: كيف بأزهرى أن يناقش هذه القضية المخزية فى وقت حرم فيه الإسلام هذا الزواج باعتباره رقا وعبودية؟ وأكدت أبو القمصان أن كل القوانين والمواثيق الدولية تحرم الاسترقاق وتقييد حرية الإنسان ،مطالبة بمحاكمة «عون» ومن على شاكلته.
قراءات في مفاهيم ملك الأيمان
لا شك أن الفهم الموروث لمفهوم ملك اليمين أنهن الجواري كما هو موجود في كل كتب التفاسير قد نتج عنه الكثير من التعدي على حدود الله و منها أن الرق و الإستعباد حلال و أنه يحق للرجل أن يمارس الجنس مع من يشاء من جواري يملكهن. فيما يلي أضيف فهما مختلفا لملك اليمين و أطرحه للنقد العلمي و للنقاش التحليلي بعيدا عن تقليد و تكرار الموروث, إلا إذا أعتبرنا الموروث كما يجب أن نعتبره, تاريخ بشري قابل للنقد و النقض.
قبل أن أطرح إجتهادي لفهم “المعاني” المقصودة بملك الأيمان يجب أن أسرد ما هو مطروح كتفسيرات بين يدينا و نرى مدى قرب هذه التفسيرات للحقيقة. و هذه التفسيرات هي ثلاث, التفسير القديم و هو ان ملك اليمن هم أو هن الجواري, التفسيرين الأحدثين هما أن ملك اليمين هن الفتيات المسيحيات و اليهوديات (أهل الكتاب) و هو ما طرحه الباحث عدنان الرفاعي. و التفسير الأخر هو أن ملك اليمين هن من تمت خطبتهن. أي الخطيبة التي تخطب و يعقد عليها القران قبل أن تستقل ببيت الزوجية. وهذا التفسير البارع هو تفسير الباحث إبن قرناس.
سأطلب من القاريء تذكر المصطلحات التالية: الأمة, الموالي, اليمين, النكاح (و سأبين ان النكاح ليس كلمة تعني العملية الجنسية بل النكاح هو العقد), و الأهل.
أما فيما يتعلق بالفهم القديم بأن ملك اليمين هي المملوكة, فأنا لا أراه بل أرى أننا حين نتبناه فسوف نصطدم بالآيات التالية التي تسمي الجارية المملوكة بالأمة:
“وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” النور
نلاحظ هنا التفريق الواضح بين الإماء, و بين ملك اليمين! يجب ان أؤكد هنا أن الله ذكر كلمة العبد و الأمة في مواضح كثيرة لتعني الأحرار. لكن هنا أتت الكلمات مع ضمائر الملكية, عبادكم و إماءكم. و في الآيات يحثنا الله أن نساعد كل غير المتزوجين, أو العزاب (الأيامى) و بالإضافة إلى الصالحين من عبادنا و إمائنا على الزواج (النكاح). و نرى أن الآيات تذكر ملك اليمين بنوع من الخصوصية بحيث أن هذه الفئة لها إعتبارين, الإعتبار الأول هو الإشراف على عملية الزواج. لنلاحظ أن الفئة الأولى نساعد لا نشرف, أي كأننا نقول لعبد/أمة ذلك الزمن, أنت شخص مشهود لك بالإستقامة, أختر لك زوج أو زوجة و أنا أساعدك. أما الفئة الثانية فالمسألة أكثر تعقيدا حيث أن الإشراف يعني تقصي الإستقامة السلوكية لمن يبتغي عقد قرانه على ملك اليمين, فأن ثبت أن سمعته حسنة يوافق عليه. أما الإعتبار الثاني فهو الإنفاق على عملية الزواج بالمال الخاص! و الآية التالية تؤكد على الإعتبار الثاني:
“وَاللَّـهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ” النحل. فهل للعبيد حق في مال أسيادهم اذا أردنا أن نتبنى المفهوم القديم لملك اليمين؟
و قد فسر المفسرون أن الإكراه على البغاء بمعنى أن أهالي ملك اليمين (أو بالمفهوم القديم, أسيادهن) يكرهونهن على البغاء أي الوقوع في الفاحشة بأجر. و لكن الآية عامة بمعنى أن لا تمنعوهن من الزواج و بالتالي تمنعوهن من متعة الإستئناس بالرفيق من الجنس الآخر و تمنعوهن من متعة الجسد فيصبحن عرضة للوقوع في الخطأ بسبب الحرمان. و لماذا يمنع الله شيئا ممنوعا أصلا؟ الزنا محرم بكل أشكاله سواء كان ممارسه عبدا أم حرا, فاعلا له أو محرضا عليه.
و سيرى القاريء لماذا ركزت على مسألة حق ملك اليمين في النفقة حينما يتذكر أن الصدقة على الرقاب أي العبيد بإعتاقهم (فك الرقبة) بدون ذكر لملك اليمين في هذه الآيات: “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ“. التوبة.
من هنا بدأ يتضح لنا أن ملك اليمين هم/هن أشخاص لنا عليهم حق (عهد), أشخاص هم منا, لهم إعتبارات خاصة:
“وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” النساء
و بعد أن قارب نقدنا للفهم القديم على النهاية–أقول هنا نقدنا لا نقضنا لأن جهدي يحتمل الصواب و الخطأ– يجب أن أعود و أنقض مصيبة الموروث التي صدقها اتباعه و صدقها معهم من يهاجم الدين و يتهمه أنه دين يحلل الجنس الغير مشروع بعقد. و قبل ذلك يجب أن نفهم أن كلمة نكاح هي عقد الزواج و ليس العملية الجنسية:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا” الأحزاب.
بكل وضوح يذكر الله أن النكاح شيء و أن العملية الجنسية “أن تمسوهن” شيء آخر.
فحين يذكر الله: “وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ” لا يُعنى هنا الجنس بدون نكاح لأننا حين نتعامل مع القرآنية كوحدة متكاملة غير مجتزأة و مرتلا ترتيلا نستوعب أن ملك اليمين لا يمكن إلا أن يتم الزواج بهن قبل مسهن كما يتضح من الآيات التالية: “إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍۚفَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ” يتضح لنا تماما أن ملك اليمين لا تتخذ إلا زوجة, لا سفاح و لا إختدان.
و ملك الأيمان في الآيات أعلاه هو عقد زواج خاص يرتبط فيه اثنان، شاب و فتاة لا يملكان مالا يمكنهما من الاستقلال ببيت (حصن) يسكنان به. و هذا ما يسمى بالخطوبة الرسمية مع كتب الكتاب أو الملكة (عقد الزواج) في يومنا هذا.
كما أن القرآن يذكر التخيير بين أمرين لا الجمع بينهما بإستعماله “أو” في “إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ” بمعنى أما الممارسة مع زوجة بعد نكاح أو, ملك يمين بعد نكاح أو عقد قران كما تبين لنا. و بذلك تتساقط فتاوى الجنس الجماعي مع زوجات و جواري كما يتساقط البناء الهش الأركان.
و الله يحدد للنبي ممن يتزوج “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۗ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” و حتى من تهب نفسها للنبي, يُعقد عليها عقد نكاح. و قد أغنى الله نبيه كما نعلم, و كان الرسول يتكفل برعاية و نفقة العديد ممن كن يحتجن للرعاية و النفقة بسبب الطلاق أو الترمل بعد حرب فبذلك يكن ممن تعهد الرسول برعايتهن المعنوية و المادية (بدأت تتضح معالم ملك الأيمان)
بالنسبة لتفسير ملك اليمين أنهم فتيات من أهل الكتاب فالمسألة سهلة النقض, لأن الله نظم الزواج من أهل الكتاب بهذه الآيات التي تغنينا عن أي تشريعات أخرى:
” الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ” كما أن إستعمال مؤمنات في هذا الموضع للتفريق بين المسلمة و الكتابية نستطيع و الله أعلم تعميمه على الفتيات المؤمنات مما ملكت أيماننا.
أما فيما يتعلق بالتفسير البارع لإبن قرناس بأن ملك اليمين هن الفتيات اللواتي نخطبهن فهو تفسير جميل و لكنه يصطدم منطقيا بلفظ الجمع الذي تستعمله الآيات لتجعل من ملك اليمين وصف عام و مجتمعي كما نرى هنا “ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ”فلو طبقنا هذا الفهم فهل نستطيع أن نسمح لخطيباتنا (من ملكت أيماننا) أن يكتتبن على غيرنا؟ هذه الآية لا تضعف تفسير الخطيبة بقدر ما تضعف حصر التفسير بالخطيبة. سيلاحظ القاريء أن ملك الإيمان مفهوم يشمل عدة فئات من المجتمع لا فئة واحد. لا شك أن الخطيبة, خاصة من يعقد عقد النكاح عليها و يصبح خطيبها مسؤول عنها و منفق عليها حتى يستقلان ببيت الزوجية هو تفسير يصلح ضمن سياقات معينة. خاصة في هذا السياق: “وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا” وهذا يعني أن من يغقد عليهن القران يعاملن معاملة الزوجة حتى لو لم يحدث تواصل جسدي بين الطرفين. و الفقه الإسلامي يؤكد على وراثة المرأة أو الفتاة لمال من عقد عليها حتى لو لم يحصل تواصل جسدي بينهما.
تفسيري لملك اليمين طالما هم ليسوا الجواري أو العبيد, و ليسوا أهل الكتاب من النساء, ينص على أن ملك الأيمان هم كل من نقطع على أنفسنا عهدا(أيمانا) لهم بالرعاية و الحماية. هذا يشمل اليتامى أو من نكفل بأموالنا, و يشمل من يعيشون معنا مقابل الإهتمام ببيوتنا كالعاملات المنزليات, يشمل من نخطبهن قبل أن ينتقلن لبيت الزوجية, و يشمل من نتبناهم من ذكور و إناث، و يشمل الأبناء و البنات في الرضاعة. كل هؤلاء يمثلون فئات محتاجة للرعاية, فئات غير قادرة على الإستقلال بذاتها, فئات تحتاج لرعاية مجتمعية, أي أن يتحمل المجتمع ككل رعايتهم مع كفالة خاصة لمن يتعهد عهد خاص (أيمان) بهم.
سيقول لي قائل أن التبني محرم في الإسلام, و أن المتبنين أسمهم الأدعياء. سأقول لهم أن التحريم لعادة إنسانية سامية كالتبني هي بدعة فقهية لا قرآنية. القرآن حرم أن يُنسب (يُدعى ل) المتبنى لراعيه, أو لمن التزم برعايته, لمن قطع على نفسه أيمانا بحماية و نفقة و رعاية المتبنى فأصبح من يتبناهم مواليه. و لنتذكر مصطلح الموالي لأننا سنعود له فيما بعد. “مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا“
إذن الله يحرم أن ننسب من نتبناهم (موالينا) لأنفسنا بأن ندعوهم بأسمائنا. و اليتامى فئة اهتم بها القرآن حيث سمح للرجال بتعدد الزواج فى حالة واحدة فقط هي لزواج أرملة ذات اطفال “وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع”.
لنقرأ الآيات التالية الآن لنبدأ في ترجيح فهم الموالي أو من نتكفل لهم بالرعاية و نسقطه على مفهوم ملك الأيمان أو اليمين:
“إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ“
أصبح مصطلح ملك اليمين أو ما ملكت أيماننا أكثر وضوحا مع قراءة الآيات. هو العهد الذي نقطعه على أنفسنا و نجعل عهدنا مع الله كفالة علينا ببره و الوفاء به. و بذلك نتكفل برعاية من نتبنى كما فعل زكريا مع مريم “وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا” الذي دعى ربه أن يرزقه بمن يرعى الموالي الذين خاف عليهم زكريا من بعده, “وَإِنِّي خِفْتُالْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا“
يجب أن أنبه على أن كل ذكر في القرآن يحمل مصطلح ملك الإيمان يتطلب مراعاة السياق الذي يرد به.
فمثلا الآية التالية تتكلم عن فئة لا يبدو أن لنا الحق في الزواج بها, أي محرمة فئة علينا نحن مسؤولون عن إيجاد أزواج لهن من غيرنا, “ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ” هذه الآيات تنطبق على من نتبناهم من ذكور وإناث. فحين يتبنى الرجل طفلة أنثى و حين تتبنى المرأة طفلا ذكرا نستطيع أن نستنتج أن التبني يحرم الزواج بمن نتبنى, و هذا ما يطبق في أوروبا و يطبق في معظم الولايات الأمريكية. و منع الزواج هذا يشمل الام و الأب بالتبني و لا يشمل الأخوة و الأخوات إلا اذا كان هناك أخوة رضاعة. و الدليل على ما أطرح هي الآية التالية التي وردت في نساء الرسول: “لَّا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ ۗ وَاتَّقِينَ اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا”.
لنعود للآيات التي تتكلم عن ملك الأيمان:
“حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا. وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۖ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ۚ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا. وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” النساء
نلاحظ هنا أن الإحصان بداية هو حق أنثوي لكل أنثى بالغة جسديا و وصلت من الرشاد العقلي ما يؤهلها أن أن تكون مستقلة بنفسها و صاحبة القرار في تحديد مصيرها. أي أن الحصانة هي حق التصرف بالذات و الجسد, الحق الإنساني المكفول لكل مرأة و لكل إنسان. العفة حصانة, و الزواج حصانة, العقل و الرشاد حصانة, و الإستقلال المادي حصانة (لنتذكر أن المصادر التاريخية تنص أن خديجة أرادت الزواج من النبي)
كما يبدو أن هذه الفئة التي تحتاج رعاية و غير مستقلين بأنفسهم/أنفسهن تخفض العقوبة الموقعة عليهم أن أخطأوا لأنهم لازالوا غير مسؤولين تماما عن أنفسهم. ألا يجب أن ننظر لقوانين العقوبات الشرعية على الفتيات و الشبان الذين يعيشون مع أهاليهم نظرة مختلفة مقارنة بمن هم مستقلين معنويا و ماديا؟.
و الآيات التالية تؤكد على أن ملك اليمين هم ممن نرعاهم يستحقون جزءا مما نترك ليرثوه, و نرى الربط هنا بين الموالي و مما عقدت عليهم أيماننا (عهد الرعاية و التربية): “وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا“. المواريث وردت في حق الزوجات و الأبناء و البنات و غيرهم من بعد وصية يوصى بها. هذه الآية تؤكد على حق من نكفلهم بالرعاية في حياتنا أن تستمر هذه الرعاية بعد الممات في التوريث. و هي تأكيد للآية السابقة التي تؤكد على حق ملك اليمين بالمال أو رزق أهاليهم. و أنا أستخدم مصطلح الأهل الذي ورد مقترنا بالأهل الذين يجب أن يُستأذنون قبل أن يعقد القران على ملك اليمين.
و هنا قد يقال لي أن الأهل هم من توجد رابطة دم أو زواج بيننا و بينهم. بمعنى أن الزوجة و الأولاد هم أهل برابطة زواج أدت إلى رابطة دم بعد الإنجاب. هنا أقول أن الأهل هي رابطة معنوية عامة تعني التبعية و لا تعني بالضرورة الدم ككلمة آل التي تعني بالضرورة رابطة الدم. و دليلي من القرآن. حين نعود لقصة النبي نوح مع ابنه نرى أن الأهل ليست رابطة دم بل رابطة إنتماء و تبعية معنوية, “وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقّ و أنت أحكم الحاكمينُ قال يا نوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ” هنا سلخ الله إبن نوح عن أهل نوح لأنه هجر أباه النبي المرسل و آثر عدم إتباعه. أما تلك الأقاويل أن إبن نوح هو إبن زنا فهذا مفهوم خاطيء بشكل كارثي! كيف لا يكون إبنه و الله في الكتاب إعترف ببنوة إبنه لنوح؟ “وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ“
و بذلك فأن الأهل هم من يتبعوننا في الحال و المصير و يتلقون منا رعاية معنوية أو مادية. أما الآل فهم من ينتمي لنا برابطة الدم.
و يؤسس القرآن لنظام إجتماعي ينظم علاقتنا بمن نرعاهم من يتامى و متبنين و من نكفلهم ممن هم محتاجين للرعاية المادية و المعنوية أو بمن يكونوا موالينا:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ“. النور
بيوت الناس آنذاك كانت عبارة عن حجرة أو حجرتين, فيها يأكلون و يشربون و ينامون. الآيات هنا تنظم التعامل الإجتماعي بين سكان القرية أو المدينة الواحدة. كان الأطفال ضمن المجتمع الواحد يدخلون على الناس بدون رقيب. أذكر في طفولتي أننا كنا نطوف على الجيران في كثير من الاوقات خاصة في النهار فإذا جاء وقت الوجبات أكلنا معهم و إذا جاء وقت القيلولة كل منا يذهب لبيته. هنا يتبين أن هناك أوقات لأهل البيت فيها خصوصيات لا يجب أن تخترق إلا بعد الإستأذان. هذه الآيات تخاطب من هم خارج إطار أهل الأسرة من زوار. و لنتذكر, ملك اليمين مسؤوليتهم على المجتمع عامة و خاصة. بمعنى أن المجتمع ككل مسؤول عن ملك الأيمان أو الموالي و يشترك شراكة جمعية عامة في رعايتهم.
و قد نظم القرآن كيفية تعامل من نرعاهم و نتعهد بالوصاية عليهم مع أهل البيت, و بالذات من النساء و لنقرأ الآية المشهورة التالية: ” وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ“
كانت هذه الآية يستعان بها بأن المرأة تكشف على عبدها من جسدها كما يذكر القرطبي في تفسيره ” أو ما ملكت أيمانهن ظاهر الآية يشمل العبيد والإماء المسلمات والكتابيات . وهو قول جماعة من أهل العلم ، وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهما – . وقال ابن عباس : لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته“
و أنا أقول هنا كيف لعبد بالغ يُشترى بالأمس أن يرى من المرأة ما لا يراه سوى أخوتها و زوجها و غيرهم؟ المعنيين هنا و الله أعلم هم موالي المرأة من الذكور, أي ممن تبنت المرأة و زوجها فأصبح حكمه في رؤيتها هو حكم المحرم عليها. و لنتذكر أن زكريا عليه السلام كان يدخل على مريم و هي في خلوتها مع الله تتعبد في المحراب “كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” و يستغرب وجود ما تاكله مع أن لا أحد عندها.
قد يقول لي قائل أن ملك اليمين هنا أنثى لأن ذكر ملك اليمين في الآيات السابقة غلب عليه التانيث. هنا أقول أن ذكر “نسائهن” عم على كل الإناث البالغات, كما أن ملك اليمين أو الأنثى بالتبني تحسب من النساء أذا تقدمت بالبلوغ كما ذُكر هنا: “ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ”
هذا ما وصلت إليه و لا أحتكر لنفسي الصواب. إتضح لي أن ملك الأيمان مفهوم يطلق على فئة من المجتمع كان لها تخصيص إنساني. و رعاية عامة على المجتمع و خاصة على الكفلاء. إعتبار حاني و خاص و كأن الله أراد لهؤلاء ان يكون لهم قدر أكبر من الإهتمام يصل أن يكون لهم نصيب من الإرث. رأينا إرتباط عهد الأيمان بالموالي و الكفالة أمام الله. رأينا تشجيع على خطبتهن حين يصبحن فتيات بالغات حتى يستطيع الشاب أن يتكفل برعايتهن الكاملة حين يتحصنّ ببيوت أزواجهن. ملك الأيمان عهد رعاية ينطبق على فئات تفتقد لراعي و كفيل يكون له دور إرشاد الأب و حنان الأم.