رأي اليوم :
إذا كانت المَعركة العَسكريّة بين الوِلايات المتحدة الأمريكيّة وإيران مُؤجَّلة حتى تَنضُج أسبابها مَيدانيًّا على الأرضِ السُّوريّة، فإنّ مَعرَكةً سياسيّةً بَدأت، ولكن على الأرضِ العِراقيّة، انعَكَست في الانتخاباتِ البَرلمانيّة الأخيرة ونتائِجها التي جاءَت مُفاجَئةً للكَثيرين.
تَقدُّم الكُتَل الإصلاحيّة، وتَحالُف “سائِرون” الذي يَتزعَّمُه السيد مقتدى الصدر، على الأحزابِ ذاتَ الطَّابَع الإسلاميّ، بشَقَّيه الشِّيعيّ والسُّنيّ، في سابِقةٍ هي الأُولى من نَوعِها مُنذ 15 عامًا، يُؤَكِّد أنّ الشَّعب العِراقيّ، أو مُعظَمه، باتَ يَرفُض “الطَّائِفيّة”، ويَضع ثُقله خَلف الأحزاب ذات البَرامِج الإصلاحيّة التي تُطالِب باجتثاثِ الفَساد والفاسِدين من هَياكِل الدٍّولة العِراقيّة ومُؤسَّساتِها ووظائِفها الرَّئيسيّة.
السيِّدان حيدر العبادي، رئيس الوزراء الحالي، ونوري المالكي خَصمه ومُنافسه ورئيس الوزراء السابق، كانا وحزب الدعوة الذي يُمثِّلانِه من أكبر الخاسِرين في هذه الانتخابات، الأوّل بسبب هَزيمة قُوَّاتِه أمام تنظيم “الدولة الإسلاميّة”، والثَّاني بسبب تَحالُفِه مع الولايات المتحدة، وعدم اتِّخاذ قراراتٍ شُجاعةٍ تُؤَدِّي إلى اجتثاث الفساد.
السيد مقتدى الصدر الذي اتَّخَذ مواقِف مُعادِية للطائِفيّة علانَية، وللوجود الأمريكي في العِراق، وأدان بِشِدَّة العُدوان الثُّلاثي على سورية حَصل على 54 مِقعدًا بالمُقارنة مع 47 مِقعدًا لتَحالُف “الفتح” الذي يَتزعَّمه السيد هادي العامِري، و43 مِقعدًا لتَحالُف “النَّصر” بقِيادَة السيد العبادي الذي يَجعل مِنه، أي السيد الصدر، صانِع المُلوك، والأحَق باختيار رئيس الوزراء المُقبِل سواء كان من داخِل تيَّارِه، أو مِن بين حُلفائِه.
وهذا لا يَعني انعدام فُرَص السيد العامري، زَعيم الحشد الشَّعبيّ القَريب من إيران في تَشكيلِ الحُكومة القادِمة، وهُناك كَثيرون يَرون فيه “الحِصان الأسود”، خاصَّةً إذا تحالَف مع دَولة القانون بِزَعامة السيد المالكي (25 مِقعدًا)، وتيّار الحِكمة (19 مِقعدًا)، وربّما الحِلف الدِّيمقراطي الكُردستاني بِزعامَة مسعود البارزاني، الذي يُريد الثًّأر من هَزيمتِه واستفتاء الاستقلال على يَد السيد العبادي.
الفائِز بأكبَر عَددٍ من المقاعِد، وتَكتُّل “سائِرون” الصَّدريّ على وَجه الخُصوص، من المُفتَرض أن يُشَكِّل الحُكومة القادِمة، ولكن هذهِ القاعِدة الدُّستوريّة جَرى اختراقها في الانتخابات قبل الماضِية، عندما سُحِب هذا الحَق مِن الدكتور إياد علاوي، زعيم كُتلَة “الوَطنيّة”، لصالِح حزب الدَّعوة وائتلافِه بزَعامَة السيد المالكي.
السيد الصدر اكتسب شَعبيّةً كُبرى في أوساط العِراقيين لأنّه كان يُطالِب بهَويّة عِراقيّة مُستقلَّة، ويُعارِض الوُجود الأمريكي في العِراق ويُطالِب بطَردِه (هُناك 6000 جندي أمريكي في العِراق حاليًّا)، وقادَ مَسيراتٍ ضَخمة إلى المِنطًقة الخضراء لإظهار مُعارَضته لحُكومَتِها التي انبثَقِت من رَحِم الاحتلال، والسُّؤال الذي يَطرَح نفسه حاليًّا ما إذا كان سيُحافِظ على هَذهِ المَواقِف ويَتمسَّك بِها، أم أنّه، وبسبب الضُّغوط الإقليميّة يتنازَل عن بًعضٍ مِنها، وخاصَّةً العَداء لإيران؟
ربّما من السَّابِق لأوانِه الإجابة على هذا السُّؤال، فالنَّتائِج النِّهائيّة للانتخابات لم تُعلَن بعد، والشَّيء نفسه يُقال عن المُشاوَرات الوِزاريّة، ولكن الأمر المُؤَكَّد أن السيد الصدر وتحالفه، أحد أبْرَز المَحاوِر في المَرحلةِ المُقبِلة.
إجراء الانتخابات، وَسط اتِّهاماتٍ مُتصاعِدة بالتَّزوير، ولا يعني أن العِراق سيَخرُج من أزماتِه، ويُواصِل مسيرته على طَريق التَّعافي، فهُناك ألغامٌ عديدةٌ وسَريعةُ الانفجار في طَريقِ النُّخبةِ السِّياسيّة بفِعل تَغيُّر المَزاج العام، والتَّدخُّلات الإقليميّة، والصِّراع الإيرانيّ الأمريكيّ المُتأجِّج.
الوُقوف في الخَندق المُقابِل للوُجود الأمريكي، وتَخفيف حِدَّة العَداء لإيران، ومُواصَلة مَسيرة الإصلاح، ربّما تَكون المُعادَلة الأكثَر نَجاعةً بالنِّسبة للسيد الصدر إذا أراد فِعلاً أن يَفرِض زعامته على كُل العِراق.. والله أعلم.
“رأي اليوم”