د.أبو بكر خليل
في مشاركة سابقة أوضحت جواز – بل ندب – التوسل برسول الله صلى الله عليه و سلم حال حياته و بعد وفاته عليه الصلاة و السلام ، و قد استندت في الحال الأول إلى الحديث الشريف الذي صححه الترمذي و الحاكم و ابن خزيمة و كذا ما جاء في سنن ابن ماجه ،
أما في الحال الآخر : فلأنه لم يرد أي دليل صحيح على تقييده بحياته صلى الله عليه و سلم ، فيبقى جوازه على إطلاقه ، وسواء فيه كونه في حياته أو بعد و فاته عليه الصلاة و السلام ، كما لم ينقل أي خلاف في مشروعيته قبل ابن تيمية ، و لا يصح رفع حكمه في حال إلا بيقين ، و هو ما لم يثبت بحال .
* و المسألة – إخواني الكرام – متعلقة بخصوصية لرسولنا صلى الله عليه و سلم ، فينبغي ألا ننساق وراء قول لم يدل عليه دليل قوي صحيح ، و سيقف كل منا متلهفا و منتظرا شفاعته يوم الهول الأكبر ، يوم الحساب ، فليحضر كل منا حجته ، و ليكن على تثبت منها فيما أخذ أو ترك أو أنكر و نهى .
– و قد وجدت اتفاق المذاهب الفقهية المعتبرة و المشهورة بين المسلمين – من أهل السنة و الجماعة – في مشروعية ذلك التوسل ، و سأنقله لكم فيما يلي إن شاء الله تعالى .
**
– و قد سررت واطمأن قلبي بما وجدته مذكورا في ” الموسوعة الفقهية الكويتية ” في تلك القضية ، فأحببت أن أنقلها هنا ، ليطلع عليها غيري ، و لتعم الفائدة ، و هي منشورة في موقع ” ملتقى أهل الحديث ” – جزى الله كاتبها خيرا – و إليكم نصها :
ملتقى أهل الحديث > المنتدى الشرعي العام
ما مدى صحة القول بجواز التوسل بذات الرسول قبل وفاته وبعدها؟
————————————————————————–
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
فقد جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية الجزء الرابع عشر
مانصّه:
د – التّوسّل بالنّبيّ بعد وفاته :
اختلف العلماء في مشروعيّة التّوسّل بالنّبيّ بعد وفاته كقول القائل : اللّهمّ إنّي أسألك بنبيّك أو بجاه نبيّك أو بحقّ نبيّك ، على أقوال :
القول الأوّل :
11 – ذهب جمهور الفقهاء – المالكيّة والشّافعيّة ومتأخّرو الحنفيّة وهو المذهب عند الحنابلة – إلى جواز هذا النّوع من التّوسّل سواء في حياة النّبيّ أو بعد وفاته . قال القسطلانيّ : وقد روي أنّ مالكا لمّا سأله أبو جعفر المنصور العبّاسيّ – ثاني خلفاء بني العبّاس – يا أبا عبد اللّه أأستقبل رسول اللّه وأدعو أم أستقبل القبلة وأدعو ؟ فقال له مالك : ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى اللّه عزّ وجلّ يوم القيامة ؟ بل استقبله واستشفع به فيشفّعه اللّه .
وقد روى هذه القصّة أبو الحسن عليّ بن فهر في كتابه ” فضائل مالك ” بإسناد لا بأس به وأخرجها القاضي عياض في الشّفاء من طريقه عن شيوخ عدّة من ثقات مشايخه .
وقال النّوويّ في بيان آداب زيارة قبر النّبيّ : ثمّ يرجع الزّائر إلى موقف قبالة وجه رسول اللّه فيتوسّل به ويستشفع به إلى ربّه ، ومن أحسن ما يقول ( الزّائر ) ما حكاه الماورديّ والقاضي أبو الطّيّب وسائر أصحابنا عن العتبيّ مستحسنين له قال : كنت جالسا عند قبر النّبيّ فجاءه أعرابيّ فقال : السّلام عليك يا رسول اللّه . سمعت اللّه تعالى يقول : وَلو أَنَّهُم إذْ ظَلَمُوا أنْفسَهم جَاءوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لهم الرَّسُولُ لَوَجدُوا اللَّهَ تَوَّابَاً رَحِيمَاً وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعا بك إلى ربّي . ثمّ أنشأ يقول :
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه وطاب من طيبهنّ القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم وقال العزّ بن عبد السّلام : ينبغي كون هذا مقصوراً على النّبيّ لأنّه سيّد ولد آدم ، وأن لا يقسم على اللّه بغيره من الأنبياء والملائكة الأولياء ، لأنّهم ليسوا في درجته ، وأن يكون ممّا خصّ به تنبيهاً على علوّ رتبته .
وقال السّبكيّ : ويحسن التّوسّل والاستغاثة والتّشفّع بالنّبيّ إلى ربّه .
وفي إعانة الطّالبين : . . . وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربّي . ما تقدّم أقوال المالكيّة والشّافعيّة .
وأمّا الحنابلة فقد قال ابن قدامة في المغني بعد أن نقل قصّة العتبيّ مع الأعرابيّ : ويستحبّ لمن دخل المسجد أن يقدّم رجله اليمنى . . . إلى أن قال : ثمّ تأتي القبر فتقول . . . وقد أتيتك مستغفراً من ذنوبي مستشفعا بك إلى ربّي . . . ” . ومثله في الشّرح الكبير .
وأمّا الحنفيّة فقد صرّح متأخّروهم أيضاً بجواز التّوسّل بالنّبيّ .
قال الكمال بن الهمام في فتح القدير : ثمّ يقول في موقفه : السّلام عليك يا رسول اللّه . . . ويسأل اللّه تعالى حاجته متوسّلا إلى اللّه بحضرة نبيّه عليه الصلاة والسلام .
وقال صاحب الاختيار فيما يقال عند زيارة النّبيّ . . . جئناك من بلاد شاسعة . . . والاستشفاع بك إلى ربّنا . . . ثمّ يقول : مستشفعين بنبيّك إليك .
ومثله في مراقي الفلاح والطّحاويّ على الدّرّ المختار والفتاوى الهنديّة .
ونصّ هؤلاء : عند زيارة قبر النّبيّ اللّهمّ . . . وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيّك إليك .
وقال الشّوكانيّ : ويتوسّل إلى اللّه بأنبيائه والصّالحين . وقد استدلّوا لما ذهبوا إليه بما يأتي :
أ – قوله تعالى : وَابْتَغُوا إليه الوَسِيلةَ .
ب – حديث الأعمى المتقدّم وفيه : « اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة » . فقد توجّه الأعمى في دعائه بالنّبيّ عليه الصلاة والسلام أي بذاته .
ج – « قوله في الدّعاء لفاطمة بنت أسد : اغفر لأمّي فاطمة بنت أسد ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء الّذين من قبلي فإنّك أرحم الرّاحمين » .
د – توسّل آدم بنبيّنا محمّد عليهما الصلاة والسلام : روى البيهقيّ في ” دلائل النّبوّة ” والحاكم وصحّحه عن عمر بن الخطّاب قال : قال رسول اللّه « لمّا اقترف آدم الخطيئة قال : يا ربّ أسألك بحقّ محمّد لما غفرت لي فقال اللّه تعالى : يا آدم كيف عرفت محمّدا ولم أخلقه ؟ قال : يا ربّ إنّك لمّا خلقتني رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلّا اللّه محمّد رسول اللّه فعلمت أنّك لم تضف إلى اسمك إلا أحبّ الخلق إليك ، فقال اللّه تعالى : صدقت يا آدم ، إنّه لأحبّ الخلق إليّ ، وإذ سألتني بحقّه فقد غفرت لك ، ولولا محمّد ما خلقتك » .
هـ – حديث الرّجل الّذي كانت له حاجة عند عثمان بن عفّان : روى الطّبرانيّ والبيهقيّ « أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان في زمن خلافته ، فكان لا يلتفت ولا ينظر إليه في حاجته ، فشكا ذلك لعثمان بن حنيف ، فقال له : ائت الميضأة فتوضّأ ، ثمّ ائت المسجد فصلّ ، ثمّ قل : اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرّحمة يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّك فيقضي لي حاجتي ، وتذكر حاجتك ، فانطلق الرّجل فصنع ذلك ثمّ أتى باب عثمان بن عفّان ، فجاء البوّاب فأخذ بيده ، فأدخله على عثمان فأجلسه معه وقال له : اذكر حاجتك ، فذكر حاجته فقضاها له ، ثمّ قال : ما لك من حاجة فاذكرها ثمّ خرج من عنده فلقي ابن حنيف فقال له : جزاك اللّه خيرا ما كان ينظر لحاجتي حتّى كلّمته لي ، فقال ابن حنيف ، واللّه ما كلّمته ولكن « شهدت رسول اللّه وأتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره » .
إلى آخر حديث الأعمى المتقدّم .
قال المباركفوري : قال الشّيخ عبد الغنيّ في إنجاح الحاجة : ذكر شيخنا عابد السّنديّ في رسالته والحديث – حديث الأعمى – يدلّ على جواز التّوسّل والاستشفاع بذاته المكرّم في حياته ، وأمّا بعد مماته فقد روى الطّبرانيّ في الكبير عن عثمان بن حنيف أنّ رجلا كان يختلف إلى عثمان . . إلى آخر الحديث .
وقال الشّوكانيّ في تحفة الذّاكرين : وفي الحديث دليل على جواز التّوسّل برسول اللّه إلى اللّه عزّ وجلّ مع اعتقاد أنّ الفاعل هو اللّه وأنّه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن . ]]
انتهى الاقتباس .
و للاطلاع على أصل الكلام ، و كذا بقيته : اضغط على هذا الرابط :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=25357