ولم تتردَّد المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، الخميس 10 مايو/أيار 2018، بالقول: “إن الزمن الذي كنا نعتمد فيه بكل بساطة على الولايات المتحدة لحمايتنا، قد ولّى”.
ولم يصدر هذا الكلام عن ميركل إلا بعد أن ضاقت ذرعاً بانتقادات ترمب المتكررة لسياسة ألمانيا الاقتصادية، ورفضها زيادة نفقاتها العسكرية داخل الحلف الأطلسي.
“واشنطن لم تعُد تريد التعاون مع بقية العالم”
كما قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر: “إن واشنطن لم تعد تريد التعاون مع بقية العالم، ووصلنا إلى مرحلة باتت تفرض علينا البحث عن بديل للولايات المتحدة”.
وفي الإطار نفسه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “لم يعُد بإمكاننا القبول بأن يقرر آخرون عنا”.
ومن المتوقع أن يكشف زعماء دول الاتحاد الأوروبي الـ28، مساء الأربعاء 16 مايو/أيار 2018، في صوفيا، عن موقفهم إزاء هذا الملف، عشية قمة مقررة لبحث شؤون منطقة البلقان.
ووعد رئيس المجلس الأوروبي (الذي يمثل دول الاتحاد الأوروبي الـ28)، دونالد توسك، في تغريدة، بأن يعلن الاتحاد الأوروبي في صوفيا عن “مقاربة أوروبية موحدة”.
رئيس “خارج عن السيطرة”
ويرى العديد من الدبلوماسيين والمحللين أن الرئيس الأميركي، عندما قرر الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، بمفرده وخلافاً لرأي حلفائه، سحب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني وفرض عقوبات على الدول والشركات التي ستواصل التعامل مع طهران، إنما وجَّه ضربة قاسية إلى العلاقات المميزة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
واعتبر أنطوني غاردنر، السفير الأميركي السابق في عهد باراك أوباما لدى الاتحاد الأوروبي، أن “العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ستتعرَّض لاهتزاز كبير”.
كما رأى المحلل الروسي ألكسي مالاشنكو أن روسيا التي تعاني علاقات متشنِّجة مع الأوروبيين منذ ضمها القرم، “يمكن أن تستفيد من هذه التطورات الجديدة للتقرب من الاتحاد الأوروبي”.
وقال مسؤول في الاتحاد الأوروبي، سبق أن التقى ترمب خلال زيارته لبروكسل في مايو/أيار 2017، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن الرئيس الأميركي “خارج عن السيطرة ولا يستمع إلى أي رأي آخر”.
وكتبت صحيفة “سوديتشي تسايتونغ” الألمانية، الجمعة 11 مايو/أيار 2018، عن ترمب: “إنه لا يقبل إلا بالذين يخضعون له، وحتى الذين يقبلون بذلك لا يعرفون متى يمكن أن يطيح بهم”.
وبدأت المخاوف الأوروبية تتصاعد مع إعلان ترمب التخلي عن الاتفاق الدولي حول المناخ، واعتباره أن الحلف الأطلسي بات “متقادماً”.
عندها حذَّرت ميركل الأوروبيين من هذا الرئيس المتفلت الذي لا يمكن التبنؤ بما يمكن أن يقوم به، حتى إنه يتلكَّأ حتى الآن في تسمية سفير لبلاده لدى الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وتأكدت مخاوف ميركل مرة جديدة عندما قرر الرئيس الأميركي فرض رسوم على واردات الحديد والألمنيوم، وعندما صعَّد لهجته إزاء الألمان، الذين يعتبر أنهم مسؤولون عن العجز التجاري الأميركي مع أوروبا.
وقد حصل الأوروبيون في آخر لحظة على إعفاء مؤقت من دفع هذه الرسوم حتى آخر شهر يونيو/حزيران 2018.
ويبدو أنه لا الرئيس ماكرون ولا ميركل ولا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون تمكنوا، خلال زياراتهم المتعاقبة إلى واشنطن، من إقناع ترمب بعدم الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، أو بتغيير موقفه من الخلافات التجارية.
والمعروف أن فرنسا وألمانيا وبريطانيا هي من الدول الموقِّعة على الاتفاق النووي مع إيران.
الرد من دون الوصول إلى القطيعة
وقال مسؤول أوروبي، لوكالة الصحافة الفرنسية، الجمعة 11 مايو/أيار 2018، طالباً عدم الكشف عن اسمه: “حان الوقت لكي تنأى أوروبا بنفسها عن الولايات المتحدة، خصوصاً في مجالي الدفاع والتجارة”.
وتدعو فرنسا إلى إنشاء قوة تدخُّل أوروبية تكون قادرة على القيام بعمليات عسكرية خارج إطار الحلف الأطلسي، وبعيداً عن هيمنة الأميركيين.
وقالت وزيرة الدفاع الفرنسي، فلورانس بارلي، السبت 5 مايو/أيار 2018، إن نحو 10 دول، بينها ألمانيا وبريطانيا، مستعدة للمضي في إنشاء هذه القوة، ومن المقرر عقد اجتماع في يونيو/حزيران 2018، بهذا الصدد، لتوقيع إعلان نوايا.
وحاول وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، التقليل من خطورة الخلاف مع الولايات المتحدة عندما قال إن “الاستقلال في الموقف الأوروبي لا يعني القطيعة” مع الولايات المتحدة.
كما قالت إيلي جيرانمايي، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إنه “بات على الأوروبيين الآن أن يفاوضوا بقوة وحزم مع الولايات المتحدة”.
ودعت صحيفة فايننشيال تايمز في افتتاحيتها، الجمعة 11 مايو/أيار 2018، إلى “استخدام سياسة الرد” في حال فرض الأميركيون عقوبات على شركات أوروبية.
وقالت الإيطالية ناتالي توشي، مستشارة وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني: “إن المحكَّ اليوم بالنسبة إلى الأوروبيين هو التحرك من دون الوصول إلى قطيعة بين ضفتي الأطلسي”.