عربي بوست، ترجمة
وبينما كان نجيب عبد الرزاق يكافح في الانتخابات التي أنهت الفترة المثيرة للجدل التي قضاها رئيساً لوزراء ماليزيا، دخل مسؤول سابق من حزبه السياسي، بهدوء، إلى مركز اعتقال فيلاوود بأستراليا لزيارة أحد السجناء، في قضية تُعتبر من كبرى فضائح فترة حكم نجيب.
وقد سافر داتوك خيرول أنور رحمات، الرئيس السابق للجناح الشبابي في حزب منظمة المالايو المتحدة، منذ يومين، إلى سيدني ليذهب مباشرة، بعد استئذان وزارة الداخلية الأسترالية، ليلتقي على انفرادٍ سيرول أزهر عمر، ضابط العمليات الخاصة السابق والقاتل المحترف، بحسب تقرير لصحيفة The Guardianالبريطانية.
سيرول كان قد أُدين في ماليزيا عام 2009، وحُكِم عليه بالإعدام؛ لارتكابه جريمة مثيرة، قتل فيها امرأة منغولية تُدعى ألتانتويا شاريبو، وهي قضيةٌ اشتُبه في ارتباطها بنجيب على نطاق واسع. وقال مصدر لصحيفة The Guardian، إنَّ الزائر الماليزي كان في أستراليا ليوصِّل رسالة للسجين، مفادها: “لا تقل أي شيء”.
ويخضع سيرول لضغطٍ من السلطات الأسترالية لإثبات أنه لم يكن العقل المدبر وراء جريمة القتل، وأنه لا يمثل تهديداً للمجتمع الأسترالي؛ لمنحه تأشيرة حماية. ومن المقرر تداول قضيته خلال شهور، وما تزال الأسئلة قائمة حول ما إذا كان سيرغب في توريط آخرين ليضمن الحرية بأستراليا لنفسه أم لا، بحسب الصحيفة البريطانية.
قتل ألتانتويا شاريبو
وكان سيرول وأحد الأعضاء الآخرين في فريق النخبة الأمنية لنجيب قد اختطفا ألتانتويا شاريبو وقتلاها في إحدى ليالي شهر أكتوبر/تشرين الأول 2006.
وقد كانت ألتانتويا، وهي مترجمة منغولية، الحبيبة السابقة لمستشار نجيب وأمين سره، رزاق باغيندا.
اختُطِفت شاريبو من أمام منزلها في كوالالمبور واقتيدت إلى مكانٍ ناءٍ في ضواحي المدينة. وهناك أُطلق عليها الرصاص ودُمرت جثتها بمتفجرات عسكرية.
وقد أُدين سيرول وزميله الضابط بالجريمة عام 2000، لكن لم يتم إثبات أي دافع للجريمة؛ ذلك أنَّ أحداً منهما لم يلتقِ ألتانتويا حتى اللحظة التي دفعاها فيها إلى مؤخرة السيارة. وقد اشترك كلاهما مباشرة، بإيعاز من باغيندا، في منعها من مضايقته بطلب 500 ألف دولار، زعمت أنه مَدين لها بها بعد مساعدتها إياه في التفاوض على صفقة غواصة فرنسية.
وقد أثرت هذه الجريمة على فترة نجيب في منصبه، لكنَّ رابطاً مباشراً بينه وبين الجريمة لم يُكتشف قط؛ إذ واظب نجيب على إنكار أي تورُّط له أو معرفة بألتانتويا.
“يا رئيس، أنا أواجه الصعوبات ها هنا”
وقد فرَّ سيرول إلى أستراليا في أواخر عام 2014 عندما كان خارج السجن بكفالة، في انتظار حكم الاستئناف ضد إدانته. وعندما أيَّدت المحكمة الفيدرالية الماليزية الإدانة والإعدام في شهر يناير/كانون الثاني 2015، ألقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية القبض على سيرول في كوينزلاند بعد إنذار من الإنتربول. كان سيرول قد تجاوز مدة تأشيرته السياحية، ونُقل لاحقاً إلى فيلاوود.
وكما جاء في برنامج “الجزيرة إيست 101″، عام 2016، فإنَّ سيرول لما غادر مسرعاً، ترك وراءه خيطاً كثيفاً من الأدلة. وكشفت صفحةٌ وراء أخرى من صفحات يومياته اتصالات بأشخاص نافذين في الحكومة، مثل رئيس أمن رئيس الوزراء ومسؤولين بارزين آخرين في مكتب نائب رئيس الوزراء، بحسب الصحيفة البريطانية.
وكان سيرول قد أرسل، قبل 3 أيام من احتجازه في أستراليا، رسالة نصية إلى مساعد مقرب ذي علاقات بوكالة الاستخبارات الماليزية.
نص الرسالة: “تحياتي يا رئيس. أنا أواجه الصعوبات هاهنا. أريد مليوني دولار أسترالي قبل أن تأتي لمقابلتي… بعد ذلك أريد 15مليوناً… لن أعود إلى ماليزيا أبداً يا رئيس. ولن أُسقط رئيس الوزراء”.
وبعد 4 ساعات ونصف الساعة من ذلك، ردَّ الرجل: “إنهم يريدون النقاش”.
وقد كان الصحفيون قادرين على زيارة سيرول في الأيام الأولى لسجنه. لكن بعد أسابيع من إلقاء القبض عليه، قيل إنه قال لصحيفة إلكترونية ماليزية تُدعى Malaysiakini: “لقد نفَّذت الأوامر. الأشخاص المهمون من أصحاب الدافع (لقتل ألتانتويا) ما يزالون أحراراً”. وقال لصحيفة سيدني مورنينغ هيرالد: “أنا كبش فداء”، بحسب الصحيفة البريطانية.
وبعد اعتقال سيرول، قيل إنه كان يعتزم قول “كل شيء” في مقابلة يجريها خلف أسوار فيلاوود. لكن بعد ذلك بوقت قليل، لم يعد سيرول متاحاً للصحفيين. ورفضت الحكومة الأسترالية طلبات متعددة من صحيفة The Guardian للقائه.
ومع ذلك، فقد سمحت الحكومة لمسؤولين ماليزيين ووسطاء تابعين لهم بلقائه بشكل منتظم.
وظهرت، في أوائل عام 2016، 3 تسجيلات فيديو لسيرول على موقع صحيفة Malaysiakini. أنكر سيرول في هذه التسجيلات شهادته السابقة وبرَّأ نجيب.
وقال سيرول: “إنني أفهم وجود نية لدى بعض الأوساط للإطاحة بشخص ما… وإنني أقسم أنَّ رئيس الوزراء الأكثر شرفاً، نجيب عبد الرزاق، لم يتورط قَط وليست له أي صلة بهذه القضية”، بحسب الصحيفة البريطانية.
نجيب كان يحاول البقاء.. ولكن!
وقد كان نجيب، وقت نشر هذه الفيديوهات، يكافح للبقاء؛ إذ حدث ذلك في ذروة فضيحة شركة “إم دي بي” التي وصلت قيمتها لمليارات الدولارات، حين اكتُشف تحويل 681 مليار دولار من صندوق استثمار الدولة إلى الحسابات الشخصية لرئيس الوزراء. وزعم نجيب أنَّ هذا المبلغ كان هدية من العائلة المالكة السعودية، بحسب الصحيفة البريطانية.
وقد برّأ نجيب نفسه من أي مخالفة، لكن يمكن الآن، بعد الإطاحة به من السلطة، استجوابه ومحاكمته؛ لدوره في هذه الفضيحة.
وقال الخبير في الشؤون الماليزية بجامعة وسترن أسترالياز موردوخ، غريغ لوبيز، إنَّ الحكومة الجديدة في كوالالمبور من المحتمل أن تعيد فتح قضية ألتانتويا.
وقال لوبيز: “إنَّ حقيقة عدم وجود دافع وراء جريمة القتل يثير الشك في أنَّ هذه كانت جريمة برعاية الدولة، وهو أمر بحاجة إلى تفحُّصه بعناية. وقد يجد نجيب نفسه في موقف شديد التزعزع”.
ويعتقد لوبيز أنَّ رئيس الوزراء الجديد، مهاتير محمد، سوف يسعى إلى تخفيف عقوبة سيرول وإعادته إلى ماليزيا، بحسب الصحيفة البريطانية.
وفيما يتعلق بوجهة النظر الأسترالية، قال لوبيز: “ثمة أسئلة بحاجة إلى إجابات، فيما يتعلق بالعلاقة بين الحكومة الأسترالية ونجيب. كيف يمكن السماح لفرد تعرَّض للمحاكمة على جريمة قتل في واحدة من أكثر القضايا أهمية بالمنطقة أن يذهب إلى أستراليا بتأشيرة سياحية؟ ولماذا سُمح للمسؤولين الماليزيين بزيارته في محبسه والتلاعب به كما هو واضح؟ هذه الأسئلة لم تجب عنها الحكومة قَط بطريقة مُرضية”.
“ابنتي لم تفعل شيئاً سيئاً”
وبحسب صحيفة The Guardian، قبع سيرول 3 سنوات في أشد مراكز الاحتجاز الأسترالية أمناً، بتكلفة لا تقل عن 800 ألف دولار.
وكان سيرول قد تلقى إخطاراً رسمياً من دائرة الهجرة وحماية الحدود، عام 2017، بأنَّ استمارته للحصول على طلب اللجوء ربما تم رفضها؛ نظراً إلى ارتكابه جريمة غير سياسية قبل دخوله أستراليا. ونص الخطاب أيضاً على أنَّ الدائرة قد تلقت “معلومات غير ملائمة لا تدعم طلبك”.
وقد عُقدت، في الأسابيع الأخيرة، لقاءات عن بُعد بين المحامين الأستراليِّين لسيرول ودائرة الهجرة وحماية الحدود. وقد تحدد الآن الجدول الزمني لسماع قضيته في محكمة الاستئناف الإدارية. وينبغي لسيرول أن يقدم “أي دليل إضافي ينوي الاعتماد عليه وتصريحاً بالقضايا والحقائق والادعاءات”.
ويتعيَّن على الدائرة الردُّ بحلول الـ30 من مايو/أيار 2018. وينبغي لكل من سيرول والدائرة “تقديم شهادة استماع”، بحلول الأول من يونيو/حزيران 2018، يسردان فيها الشهود والخبراء وممثليهم القانونيين، بحسب الصحيفة البريطانية.
بالنسبة لسيرول، فإنه لا يستطيع البقاء صامتاً أكثر من ذلك لو كان يريد نفي “عدم تأهله للحصول اللجوء السياسي”.
ومن غير الواضح أيضاً سبب زيارة داتوك خيرول منذ أسبوعين، لكن من المعروف أنّه منذ حبس سيرول، كان داتوك يزوره 3 أو 4 مرات في العام، وكانت زيارته السابقة في شهر فبراير/شباط 2018 فحسب. وبقي هذه المرة ساعة ونصف الساعة، بحسب الصحيفة البريطانية.
وكان ستيف شاريبو، والد ألتانتويا، وهو الآن أستاذ متقاعد بجامعة أولانباتار المنغولية، ما يزال يحاول عام 2016، التصالح مع ما جرى؛ إذ قال لبرنامج “الجزيرة إيست 101″: ابنتي لم تفعل شيئاً سيئاً (لماليزيا)، ربما أغضبت أحدهم أو أحنقته، لكنها لم تكن إرهابية. لم تقتل أي شخص، لم تعبر الحدود بشكل غير قانوني. لا بد أنَّ ثمة مبلغاً طائلاً، أو سُلطة أو حتى عمليات حاسمة، تقف وراء هذا الأمر. هذا أمر واضح. لقد أُخذت حياة ألتانتويا.. لقد أُعدمت! يوماً ما سوف يعاقَب أولئك الذين ارتكبوا هذه الجريمة”