القدس العربي – لندن :
انتخابات أكبر أحزاب المعارضة: تصويت لصالح الاستقرار وإنهاء نهج «مقاطعة الانتخابات»
بسام البدارين
عمان- «القدس العربي»: الزيارة التي قام بها القياديان في جبهة العمل الإسلامي الأردني قبل نهاية الأسبوع الحالي الشيخ محمد الزيود والشيخ مراد العضايلة إلى زميلهما الشيخ زكي بني أرشيد بعد الانتخابات الأخيرة الداخلية لها ما يبررها سياسياً وإنسانياً والأهم لها ما يبررها تنظيمياً ايضاً.
لا يريد مطبخ الحركة الإسلامية وعندما يتعلق الأمر بأهم مؤسسات جماعة الإخوان وهو حزب الجبهة أن يثار نقاش خارج صندوق المنطق ويحاول الغرق في تأويلات وتحليلات قد لا يكون لها علاقة مباشرة في الظروف الداخلية التي اقصت في واحدة من مفاجآت الانتخابات داخل أكبر أحزاب المعارضة رمزاً بحجم الشيخ زكي بني أرشيد لصالح الشيخ الزيود حيث تنافس الرجلان على موقع الامين العام للجبهة فحظي بها الثاني على حساب الأول.
الجناح الذي حسم هذه الانتخابات بعد ممارسة ديمقراطية معتادة يريد أن لا يصاب كادر الحركة الإسلامية وجمهورها وأصدقاؤها بأي «هلع» من أي نوع. ويريد في الوقت نفسه منع الاسترسال في الانطباعات التي يمكن أن تتخيل لاحقاً اعتزال أو عزلة لاعب اساسي من وزن الشيخ بني ارشيد مع ان الاخير سارع قبل غيره للقبول بنتائج الانتخابات والتسليم بها مهنئا زميله الفائز ومطالبا مجددا بالتركيز على وحدة صف الحركة.
«مبايعة الشيخ»
الحرص على رسائل من هذا النوع قد يؤدي في المستقبل القريب إلى مبايعة الشيخ بني ارشيد تنظيمياً ومنعاً للتأويلات والتكهنات على موقع متقدم في قيادة الجماعة حرصاً حتى من التيار الذي دعم الشيخ الزيود على الحلقة الباقية من الاستقرار التنظيمي.
ورغم أن الشيخ بني ارشيد دخل أصلاً في مجازفة عندما سعى إلى موقع تنفيذي متقدم في قيادة حزب الجبهة إلا انه تقبل الخسارة وعلناً بروح رياضية وان كانت في النتيجة خسارة يرى مراقبون مختصون وخبراء بانها ستضعف دوره النافذ والمتنفذ في فعاليات الحركة الإسلامية، وقد تؤثر سلباً على التنظيم. وليس سراً ان الشيخ بني أرشيد أكثر شخصية غير مرغوب فيها في قيادة مؤسسات التيار الإسلامي بالقياسات الرسمية والبيروقراطية وفي بعض الأحيان الأمنية.
وليس سراً ان الجناح المتخاصم او المختلف معه في الاجتهاد داخل التيار لا يتخيل مؤسسات الجماعة بدونه وإن كان لا يرغب في التصعيد ضد الدولة والموقف الرسمي الذي طالما اتهم بني أرشيد والمقربون منه بالسعي لاختطاف جماعة الإخوان المسلمين.
«لا يوجد اختطاف ولا ما يحزنون».. هذا ما يقوله القيادي البارز في الحركة الإسلامية الشيخ مراد العضايلة وهو يعتبر الجماعة ومؤسساتها على قلب رجل واحد حتى عندما يتعلق الأمر في الاختلاف و الاجتهادات. العضايلة يعيد السخرية من تلك التصنيفات «الصحافية» التي لا تعكس الواقع وهي تتحدث عن تيارات وأجنحة وتركيبات إفتراضية.
فيما يبدو عضايلة وآخرون اجتهدوا خلال الأيام التي أعقبت الانتخابات الثلاثاء الماضي في منع بناء صورة عن الرهان على احتمالية انقسامها الجديدة أو السماح باجتهادات تعبث بالتوازنات من خلال توهم حصول عملية إقصاء أو إبعاد او حتى ما سماه البعض باغتيال سياسي للشيخ بني أرشيد الذي كان قد تحدث بدوره وقبل الانتخابات الأخيرة وبشكل موسع» لـ»القدس العربي» عن جملة من المراجعات الفكرية والذهنية والسياسية التي يهتم بها.
عندما شارك بني أرشيد في الانتخابات التي خسرها قبل أيام عدة كان مهتماً بموقع متقدم في المستوى التنفيذي لأكبر احزاب المعارضة منطلقا من تراثه الحزبي والوطني كشخصية عميقة من الشخصيات القليلة التي دخلت السجن لأسباب سياسية مؤخراً. لكن غالبية المصوتين كان لها رأي آخر.
مرونة كبيرة
وبعيداً عن التصويت والأسماء اظهر الشيخ بني أرشيد مرونة كبيرة في تقبل وتتبع مسار الاحداث وان كان دون وأكثر من غيره من رموز جماعة الإخوان المسلمين في الحالة الأردنية يحظى بمكانة متقدمة على الصعيدين العربي والدولي خصوصاً بعد مشاركاته في سلسلة مراجعات مغلقة وذهنية لمرحلة ما بعد الربيع العربي وما حصل في مصر. وبكل حال الكادر المحلي في حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني كانت ميوله التصويتية في الاتجاه المعاكس للمشروع الذي يحتفظ به الشيخ بني أرشيد.
لكن نتائج انتخابات الحزب الأخيرة لا تقف فقط عند هذه الحدود في بعدها الأعمق فالتصويت مجدداً لتكرار ولاية الشيخ الزيود قد يكون في حقيقته تصويتاً لصالح المدرسة التي ترفع شعار «لا تفريط ولا تنازل ولا تصعيد» في وجه السلطة وحالة ما يسميه عضو البرلمان المخضرم والإسلامي الدكتور عبد الله العكايلة بالاستعصاء في الحوار مع الدولة. وينظر هنا للشيخ الزيود دوماً بصفته شخصية مرنة استطاعت في الماضي التعامل مع رموز السلطة وفق معادلة لا تعلي من شان الصدام والتحدي والاستفزاز ولا تسمح في الوقت نفسه بالتهميش والإقصاء والتفاوض على الثوابت.
الانتخابات نفسها عززت تيار المشاركة السياسية ففي عهد الزيود خاض حزب الجبهة ثلاث نسخ من الانتخابات المحلية وأهمها البرلمانية وبقائمة وطنية وبالتالي يمكن اعتبار التصويت الأخير تفويض على المضي قدما ببرنامج انهاء مقاطعة الانتخابات. وفي الوقت نفسه يميل رموز الجبهة لاعتبار النتائج الإشارة الأبرز على التصويت لاستقرار التنظيم وتجنب المفاجآت والمنزلقات والتغيير لكي تصبح عملية التقييم لاحقاً منطقية أكثر.
وبالرغم من أهمية مثل هذه الاستدلالات قد يكون من المبكر الحديث عن نتائج ايجابية تماماً وبكل الأحوال للمواجهة التي انتهت بابتعاد شخصية مهمة جداً ولها ثقل بالداخل والخارج مثل الشيخ بني أرشيد عن قيادة المؤسسة الحزبية الأهم لجماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي قد يبرر لاحقاً مبادرات تحاول استقطاب الشيخ أرشيد بعد تسجيل الانتصار الانتخابي عليه والاستثمار فيه.
وهي مبادرات مرسومة على أساس ان أرشيد والزيود ومن ناصرهما أصلاً في الصراع الانتخابي يشكلون معاً تلك الفرقة الناجية والتي استطاعت الحفاظ على الإخوان المسلمين وثقلهم بعد سلسلة من الانشقاقات التي تم «تسمينها» رسمياً.