أعلن الأزهر، الأسبوع الماضي، تأسيس فريق فني غنائي من الشباب والفتيات، للمرة الأولى في تاريخه، على هامش فعاليات مهرجان “الأزهر الأول للفن والإبداع”، الذي انطلق نهاية نيسان/ أبريل الماضي.
وخلال هذا المهرجان، قدم طلاب وطالبات الأزهر مجموعة من العروض الفنية، تنوعت بين الغناء والتمثيل والشعر، في محاولة لتقديم صورة مغايرة لما يعرف عن المؤسسة الدينية الأبرز في مصر والعالم الإسلامي.
ويقول مراقبون إن الأزهر يحاول من خلال هذه الخطوة نفي الاتهامات التي يروجها علمانيون مصريون ووسائل إعلام مؤيدة للنظام بمسؤوليته عن انتشار التطرف والإرهاب في مصر؛ بسبب الفكر المتشدد الذي يدرسه للطلاب.
فرقٌ مختلطةّ!
وكان لافتا للنظر أن الفرقة الغنائية كانت مختلطة، على الرغم من أن الأزهر يفصل في جامعته ومعاهده بين البنين والبنات.
وقدمت الفرقة مجموعة من الأغاني الرومانسية والوطنية المتنوعة لأُم كلثوم وعبد الحليم حافظ، بحضور مجموعة من قيادات الأزهر ووكيله ورئيس الجامعة، حيث أكدت إدارة الجامعة أنها من اختيار الطلاب أنفسهم، وأنها لم تتدخل في اختياراتهم.
كما تكرر الأمر ذاته في فرق التمثيل والإنشاد الديني، حيث تلقى الطلاب والطالبات تدريبات مشتركة في الغناء والتمثيل على أيدي متخصصين من دار الأوبرا المصرية.
عربي 21
“لا تعارض مع مبادئ الأزهر”
وتعليقا على هذا الانفتاح والتحول الواضح في فلسفة الأزهر، وإبداء اهتمامه بالفنون المختلفة، والسماح لطلابه بتقديم عروض مسرحية دون قيود، قال وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان، إن هدف المهرجان هو إيصال رسائل الأزهر الفكرية من خلال المحتوى الفني، مشيرا إلى أن الشباب يمكن من خلال مواهبهم في الغناء والتمثيل أن يكونوا سفراء للأزهر في مواجهة أصحاب الفكر المتطرف.
وأضاف شومان، في تصريحات صحفية، إن اشتراك الفتيات مع الشبان في العروض التمثيلية والغنائية لا يتعارض مع مبادئ الأزهر وطريقة عمله، لافتا إلى أنه سبق أن تم عرض فقرات فنية وعروض مسرحية داخل جامعة الأزهر والمعاهد الأزهرية في إطار الأنشطة الطلابية.
وشدد على أن هناك صورة خاطئة عن الأزهر يرسمها من يتهمونه زورا بأنه يقف ضد الفن، موضحا أن الأزهر يدعم كل أشكال الفنون التي ترتقي بالذوق العام وتعمل على وحدة المجتمع.
“وما المانع؟”
وتعليقا على هذه الخطوة، قال عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، الدكتور محمد عبد العاطي، إن الأزهر هو رائد الوسطية في العالم الإسلامي، مؤكدا أن الأزهر يدعم الفن الهادف الذي يرتقي بالمجتمع ويتماشى مع ثقافتنا وقيمنا.
وأكد عبد العاطي، في تصريحات لـ”عربي21“، أن الإسلام ليس ضد الفن والذوق الرفيع، لافتا إلى أن الإسلام ينظر إلى المسلم، وإلى الإنسان بشكل عام، على أنه كائن مليء بالمشاعر والوجدانيات، ويحتاج إلى الترويح عن النفس؛ للتخلص من ضغوط الحياة.
وأضاف أنه لا يوجد انفصال بين الفن المحترم والهادف وبين الالتزام بتعاليم الإسلام، مشيرا إلى أنه يمكن للفن والإبداع أن يتناغم مع الجهود الفكرية والعلمية والثقافية للأزهر.
وحول تكوين فرقة غنائية تابعة للأزهر، قال عبد العاطي: “وما المانع في تشكيل هذه الفرقة للتعبير عن المعاني الرفيعة وتقدم الأناشيد الإسلامية والأغاني الوطنية، دون ابتذال أو إسفاف؟ موضحا أن الأزهر يقف في وجه الإسفاف والانحطاط ومداعبة الغرائز؛ عبر تقديم البديل الجيد.
“رد على العلمانيين”
من جانبه، قال الأمين العام للجنة العليا للدعوة والإفتاء بالأزهر الشريف، الشيخ محمد زكي بدار، إن هذا التوجه ليس جديدا على الأزهر، مشيرا إلى أن الأزهر حريص دائما على المزج بين متطلبات الروح ومتطلبات العقل والنفس، في غير فتنة مضلة، وفي إطار المحافظة على الهوية الإسلامية والعربية.
وأضاف بدار، في تصريحات لـ”عربي21“، أن هذه الخطوة لم تتأخر كما يعتقد البعض، موضحا أن المعاهد الأزهرية في جميع المحافظات تنظم لطلابها العديد من الأنشطة الفنية والثقافية والرياضية، لكن المهرجان الأخير تم تسليط الضوء عليه، وحظي بتغطية إعلامية مكثفة؛ لأنه مهرجان دولي شاركت فيه العديد من الوفود الدولية.
وأكد أن الأزهر طوال تاريخه لا يعرف التجمد ولا الجمود، مشددا على أن هذه الفلسفة الأصيلة تعكس فهما صحيحا للدين الإسلامي ومقاصده العليا.
وأكد أن هذا المهرجان الفني حمل رسالة إلى العالم أجمع، وإلى الليبراليين الذين يكيلون الاتهامات الباطلة للأزهر بأنه يروج للإرهاب ويساهم في تفريخ المطرفين، حيث شاهدوا بأنفسهم تطبيقا عمليا لمفاهيم الاعتدال والوسطية والانفتاح التي يعلمها الأزهر للملايين من أبنائه.
وشدد على أن من ينتقدون الأزهر من العلمانيين والمتغربين لهم توجهات خبيثة منذ عقود، حيث يريدون هدم الأزهر، والتشويش على رسالته الخالدة ودوره العالمي.
وكان الأزهر أعلن، في بيان له، أن المهرجان عقد تحت رعاية أحمد الطيب شيخ الأزهر، وشمل العديد من الفعاليات المختلفة، كأكبر دلالة على عدم اقتصار دور الأزهر الوسطي على المجالات العلمية والشرعية فقط، بل يتبنى أبناءه وبناته المتميزين الذين يتصفون بالابتكار والإبداع.
وأدى الفريق الغنائى، المكون من 8 طلاب ومثلهم من الطالبات، أغاني وطنية ورومانسية لـ«أم كلثوم، وعبدالحليم حافظ، وفايزة أحمد، ومحمد عبدالوهاب، وسيد درويش»، وذلك بحضور وكيل الأزهر الشريف، الدكتور «عباس شومان»، ورئيس الجامعة، وعدد من علماء الأزهر.
ومن الأغاني التي أداها الفريق: «شباكنا ستايره حرير ـ يا أغلى اسم في الوجود ـ الحلو داير شباكها ـ ليه تشغل بالك ليه»، و«يا شاغلي بالحب».
وقال أحد أعضاء الفريق، «عبدالله سعد» لصحيفة «الشروق» (خاصة يومية)، إن الفريق تشكل عقب مسابقة «إبداع» التي نظمتها وزارة الشباب والرياضة.
ويتراوح عمر أعضاء الفريق بين 19 و23 عاما، ودربه قائد فرقة عيون مصر المايسترو «حسن فكري»، وأشرف عليه الأستاذ فى كلية التربية الموسيقية بجامعة حلوان، «نهلة بكير».
وعلقت الطالبة فى كلية الدراسات الإنسانية، «أميرة علي»، على الحفل بالتأكيد على أن «الأزهر لم يضع شروطا للأغاني وهو من طلب منا المشاركة، ونحن أول فريق تشكل بعد منافسة 100 أزهري».
ويعزف الفريق بعود وبيانو ودُف فقط، بحسب الطالب فى كلية تربية الأزهر «عمر جمال».
وللأزهر فريق للفنون الشعبية لكنه لم يشارك فى المهرجان هذا العام.
ومن آن لآخر يتعرض الأزهر الشريف لحملات انتقاد عنيفة تشنها وسائل إعلام حكومية، تحمله مسؤولية انتشار التطرف.
وكثيرا ما يدعو الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي»، المؤسسات الدينية في البلاد، إلى ما يسميه «تجديد الخطاب الديني».