رأي اليوم :
أمريكا “تَبتزّ” السُّودان وتَشتِرط قَطع علاقاتِه التِّجاريّة مع كوريا الشَّماليّة كشَرطٍ لرَفع اسمِه من قائِمة الإرهاب.. وبَرلمانِيّون يُطالِبون رئيسهم البشير بسَحب قُوّاتِه من اليَمن.. هَل يَرضَخ للابتزاز الأمريكي والضُّغوط البَرلمانيّة والشَّعبيّة؟ إليكُمُ الإجابة
يُواجِه الرئيس السُّوداني عمر البشير ضُغوطًا شَديدةً هَذه الأيّام قد تَدفَعُه إلى اتّخاذ قراراتٍ ربّما تَنعكِس سَلبًا على حُكومَتِه، ويُمكِن حَصرها في ثَلاثَة:
ـ الأوّل: ضُغوط برلمانيّة وشَعبيّة مُتصاعِدة تُطالِبه بسَحب حواليّ سِتّة آلاف جُندي سوداني يُقاتِلون تَحت رايَة التَّحالُف العَربيّ في اليَمن بعد تَزايُد أعداد الخَسائِر في صُفوفِها، وعدم وُجود مَوعِدٍ قَريبٍ لإنهاء هَذهِ الحَرب.
ـ الثَّاني: ضُغوط أمريكيّة ابتزازيّة تَشترِط رَفع العُقوبات الاقتصاديّة وإزالَة اسم السُّودان من قائِمة الإرهاب بِقَطع كُل علاقاتِه التِّجاريّة والتَّسليحيّة مع كُوريا الشَّماليّة.
ـ الثَّالِث: تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، وتَراجُع أسعار العُملة السُّودانيّة، وتَراجُع المُساعَدات خاصَّةً من دُوَل “التَّحالف العَربي” بسبب تَعاطُف الرئيس البشير مع دولة قَطر في الأزمةِ الخليجيّة.
الرئيس السُّوداني قرَّر إرسال قُوّات سودانيّة خاصَّة للمُشاركة في الحَرب اليمنيّة دُون الرُّجوع إلى البَرلمان، وتحت عُنوان حِماية الحرمين الشريفين، ووقف تَمَدُّد النُّفوذ الإيراني في المِنطقة العربيّة، ولكن هذهِ الأسباب لم تكن مُقنِعة للشَّعب السُّوداني الذي أبدَى تَعاطُفًا مع الشَّعب اليمني، ويُعارِض غالبيّته الحَرب التي تُشَن ضِدَّه، وتَقتُل العَديد من أبنائِه إثر القَصف الجَويّ والحِصار الخانِق.
ولَعلَّ مُطالبة مَسؤولٍ أمريكيٍّ كبيرٍ للسُّودان بإنهاءِ أيِّ علاقَةٍ تِجاريّة مع كوريا الشماليّة لرَفع اسمه من قائِمة الإرهاب، ورَفع العُقوبات عنه بالتَّالي تُشَكِّل قِمَّة الإذلال والتَّدخُّل بالشُّؤون الدَّاخِليّة لهذا البَلد العَربيّ المُسلِم الذي وَقف دائِمًا في خندق الكَرامة والعِزَّة.
لا تُوجَد علاقات دِبلوماسيّة بين الخَرطوم وبيونغ يانغ، ولا حتّى تِجاريّة، والخارجيّة السُّودانيّة أكَّدت ذلك أكثر من مِرّة، ولكن الحُكومة الأمريكيّة التي يستعد رئيسها دونالد ترامب للجُلوس على مائِدة المُفاوضات مع الرئيس الكُوري الشَّمالي في الأسابيع القَليلة المُقبِلة، يرى عَكس ذلك تمامًا، ويُريد الرئيس ترامب إذلال الخرطوم وتَركيع الشَّعب السُّوداني انتقامًا لمَواقِفه الرَّافِضة للتَّطبيع مع دَولة الاحتلال الإسرائيلي.
الرئيس البشير كان ضَحيّة خِدعة أمريكيّة تَمثَّلت في إقناعِه بالتَّوقيع على صَك انفصال الجَنوب إذا أراد علاقات طبيعيّة مع أمريكا والعالم الغَربي، ووقف الحَرب وحَل مشاكِل السودان الاقتصاديّة، وعِندما وَقَعَ في هَذه المِصيَدة، وخَسِر السُّودان حواليّ ثُلث أراضيه، و75 بالمِئة من عوائِده النِّفطيّة تَنكَّر له الأمريكان، واستمروا في فَرض العُقوبات عليه، ووَضعِه على قَوائِم الإرهاب.
نَسأل كيف يَقطع السُّودان علاقات تِجاريّة غير موجودة أساسًا مع كوريا الشماليّة، حتى تَرضى عنه إدارة الرئيس ترامب ومن خَلفِها حُكومة إسرائيل؟ حتّى لو قَطعها فِعلاً، وأقسَم على أستار الكَعبة أنّه فَعل ذلك، ما هِي التُّهم الجَديدة “المُفبركَة” المَفروض عليه إثبات بَراءته تُجاهها أو تَلبِية مَطالبٍ جديدة بشَأنِها على غِرار ما حصل للرئيس العِراقي صدام حسين والعَقيد معمر القذافي؟
لا نَعرِف ما إذا كان الرئيس البشير سيَتجاوب مع هَذه الضُّغوط البَرلمانيّة والأمريكيّة، ويَقطع علاقات غير مَوجودة أساسًا مع كوريا الشماليّة ويَسحب قُوَّاتِه مِن اليَمن التي بات وُجودها يُشَكِّل إحراجًا له وحُكومته ويتناقض كُلِّيًّا مع قِيَم الشَّعب السُّوداني الطَّيِّب المُتسامِح الشَّهم، وتاريخِه المُشَرِّف في الانتصار للقَضايا العادِلة، والشُّعوب المُضَّطَهدة، وكل ما نَعرِفه أنّ جميع رِهاناتِه على الوُقوف في الخَندق الأمريكي وحُلفائِه العَرب عَرَّضَهُ لمَواقِف ابتزازيّة مُهينة ومُذِلَّة، ودُون رَفع العُقوبات.
وَضع الحُكومة السُّودانية الحالي مِثل وَضع الغُراب الذي أراد أن يُقَلِّد طائِر الحَسُّون، فَلم يبق غُرابًا، ولم يُصبِح حَسُّونًا.. واللهُ أعلَم.
“رأي اليوم”