قال البطريرك ثيوفيلوس الثالث، بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس إن كنيسته “تواجه تهديداً شديداً على يد مجموعات معينة من المستوطنين. والمستوطنون مستمرون في محاولاتهم لتقليص وجود المجتمع المسيحي في القدس”.
ونقلت عنه صحيفة The Guardian البريطانية أن “مجموعات المستوطنين المتطرفين تلك مُنظَّمةٌ للغاية. وشهدنا على مدار السنوات السابقة تدنيس وتخريب عدد غير مسبوق من الكنائس والأماكن المقدسة، وتلقِّي عددٍ متزايد من التقارير من القساوسة والمُصلِّين المحليين الذين اعتُدي عليهم أو هُوجِموا. وفي ما يتعلَّق بالسلطات، فإنَّ هذا السلوك يمضي إلى حدٍ كبير بلا قيد ودون عقاب”.
ويقول المسيحيون في البلدة القديمة بالقدس إنَّ وجودهم في القلب الجغرافي لدينهم تحت التهديد بسبب الترهيب والاستيلاء العدواني على الممتلكات من جانب المستوطنين اليهود المتشددين. ووفقاً لقادة الكنيسة، يتعرَّض القساوسة لاعتداءاتٍ لفظية، والبصق، وتخريب الممتلكات.
الكنيسة تتابع التوتر في حارتي النصارى والروم
وتزايدت التوترات هذا العام 2018 في حارة النصارى وحارة الأرمن داخل القدس القديمة المُسوَّرة التي تبلغ مساحتها كيلومتراً مربعاً واحداً، والتي تضم كنيسة القيامة، أقدس المواقع في المسيحية، حيث يُعتَقَد أنَّ المسيح صُلِب وقام من الموت. البلدة القديمة هي أيضاً موطنٌ لمواقع ذات أهمية دينية حساسة لليهود والمسلمين.
وحارة النصارى هي واحد من الأحياء الأربعة الكبرى في مدينة القدس الشرقية، وتقع داخل أسوار مدينة القدس. ويقع الحي المسيحي في الركن الشمالي الغربي من المدينة القديمة، ويمتد من باب جديد في الشمال، على طول الجدار الغربي من المدينة القديمة وصولاً إلى باب الخليل.
الحي المسيحي بالقدس
وتواجه هجوماً على ثلاث جبهات
تقول الكنائس إنَّها تواجه هجوماً على ثلاث جبهات: حرب استنزاف يشنها المستوطنون المتشددون؛ ومطالب ضريبية غير مسبوقة من بلدية القدس؛ ومقترحاً للسماح بنزع ملكية أراضي الكنيسة المعروضة للبيع.
وتشكو مصادر الكنيسة الآن من اقتلاع الأشجار وانتشار النفايات، ورُسِم الغرافيتي على الحجارة، وإلقاء الطلاء داخل الكنيسة الخمسينية القديمة. وقبل ثلاث سنوات، أُحرِق معهدٌ للروم الأرثوذكس في المكان.
تشعر كنيسة الروم الأرثوذكس، التي تُعَد أقدم وجود مسيحي في البلدة القديمة، بالقلق العميق حيال محاولات السيطرة على الممتلكات التي تمتلكها قرب بوابة يافا، المدخل الرئيسي لحيي النصارى والأرمن.
وعند جبل صهيون، الذي يقع خارج أسوار البلدة القديمة مباشرةً، تتعرَّض أرضٌ غير مُطوَّرة تمتلكها الكنيسة ويُشار إليها غالباً باسم “حديقة الروم” للتخريب بانتظام، وذلك وفقاً لموني شامة، وهو راعي كنيسة.
وتنتظر حكماً قضائياً نهائياً يحسم ملف فندقي البتراء وإمبريال
وقبل نحو عام قبلت المحكمة المركزية الإسرائيلية دعوى جماعات المستوطنين ضد البطريركية بما يتعلق بفندقي البتراء وإمبريال ومنزل المعظمية في منطقة باب الخليل داخل البلدة القديمة، لتقرير موقع RT. وباب الخليل، هو الأقرب إلى حارة النصارى في البلدة القديمة في القدس حيث يوجد الكثير من الملكيات العقارية التابعة للكنسية. ومن المتوقع صدور حكم قضائي نهائي في وقتٍ لاحق من العام الجاري بعد أن طعنت الكنيسة في هذا الحكم القضائي.
وتقول الكنيسة إنَّ منظمة عطيرت كوهانيم الاستيطانية تقف خلف شراء الممتلكات ذات الأهمية الاستراتيجية، كجزءٍ من مساعي زيادة الوجود اليهودي في البلدة القديمة. واتُّهِمَت المنظمة، المُكرَّسة لـ“الخلاص المادي والروحي” للبلدة القديمة، كثيراً باستخدام أطراف ثالثة لشراء الممتلكات.
قال أبو وليد الدجاني، الذي أدارت عائلته فندق Imperial ذي الـ45 غرفة على مدار معظم الأعوام السبعين الماضية، إنَّ احتمال تغيُّر الملكية من كنيسة الروم الأرثوذكس إلى منظمة عطيرت كوهانيم يُعدّ “كابوساً”.
وقال دانيال لوريا من منظمة عطيرت كوهانيم: “إنَّ ادعاءات واتهامات بطريركية الروم الأرثوذكس بخصوص ‘المستوطنين المتطرفين’ الذين يستهدفون قساوستها بالاعتداءات اللفظية وإلى ما ذلك عبثية وغير مقبولة ومخزية”.
ونفى أنَّ المنظمة ترغب في مغادرة المسيحيين للبلدة القديمة، ورفض التعليق على مسألة عمليات البيع قرب بوابة يافا. وقال: “تؤمن منظمة عطيرت كوهانيم بالتعايش مع المسلمين والمسيحيين جنباً إلى جنب دون أسوار أو حدود، في أي حيٍ في القدس”.
وترفض دفع ما تصفه السلطات بالضرائب المتأخرة
ويدور الخلاف حول انطباق إعفاء الكنائس من الضرائب على الأملاك، مثل المدارس والمنازل، والتي لا تستخدم مباشرة للعبادة. وطالبت بلدية القدس الكنائس في فبراير/شباط الماضي بدفع حوالي 200 مليون دولار من الضرائب بأثر رجعي، كما ذكر موقعtimes of israel. واحتجاجاً على ذلك، أغلقت الطوائف الكنسية كنيسة القيامة لفترة غير مسبوقة وصلت إلى ثلاثة أيام، لم يتمكن خلالها آلاف الحجاج من الدخول.
ولم تفتح الكنيسة أبوابها إلا بعد تدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي كوَّن لجنةً للنظر في مسألة ضرائب الكنيسة. وأوقف أيضاً مؤقتاً مسار مشروع قانون مُقترح لمصادرة أراضي الكنائس التي يمكن بيعها لمطوري القطاع الخاص.
وتتخوف من مشروع قانون يسمح بنزع ملكية أراضيها المعروضة للبيع
وجاء مشروع قانون الضرائب بعد قرار يفيد بأنَّ الإعفاء الضريبي المُقرَّر لدور العبادة طُبِّق خطأً على الممتلكات التجارية المملوكة للكنيسة. وتقول الكنائس إنَّها تدفع ضرائب على الممتلكات التجارية البحتة، مثل المطاعم والفنادق، ولكن العديد من تلك التي تقول البلدية إنَّها يجب دفع الضرائب عليها تُقدِّم تسهيلات تعليمية وطبية ورعاية اجتماعية للمسيحيين وغيرهم.
ويحظى مشروع القانون بدعم 40 عضواً من أعضاء الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، وهم يقولون إنَّ كنيسة الروم الأرثوذكس تبيع الأراضي بأسعار مُخفََّضة لمطوري القطاع الخاص، وهو الأمر الذي يُعرِّض المُستأجرين للخطر. ويسمح المشروع الجديد بنزع ملكية أراضي الكنيسة المعروضة للبيع.
وتمتلك كنيسة الروم الأرثوذكسي حوالي ثُلث أراضي البلدة القديمة ومواقع رئيسية حول القدس، بما في ذلك الأرض التي بُنيَ عليها الكنيست، والمكاتب الحكومية، ومتحف إسرائيل.
وسافر ثيوفيلوس، وهو بطريرك القدس وسائر فلسطين وسوريا العربية والأردن، في الأشهر القليلة الماضية إلى المملكة المتحدة، والفاتيكان، والولايات المتحدة، وأماكن أخرى للحصول على الدعم من أجل المؤسسات المسيحية الموجودة في قلب الأراضي المقدسة. وهو يريد التزاماً باستمرار الوضع الراهن، وهو اتفاق يُوفِّر الحماية وإمكانية الدخول إلى الأماكن المقدسة في القدس وأماكن أخرى، مما يسمح للمسيحيين بالعيش والعبادة في سلام على الرغم من النزاعات والانقسامات في المنطقة.