«لو لم يتغير الوضع من ناحية تحسين الاقتصاد وتوفير فرص عمل للمواطنين في الأعوام المقبلة؛ فسينفذ صبر المصريين على الرئيس عبدالفتاح السيسي».
هكذا توقعت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية، في تقرير لها، معتبرة أن الولاية الثانية لـ«السيسي» ستكون بمثابة امتحان لقدرته على مواجهة التحديات، وستقيس الدعم الذي يتمتع به داخل المؤسسة العسكرية.
وقالت الصحيفة: «لو تدهورت الأوضاع الاقتصادية والأمنية والسياسية؛ فهناك سابقة أن يقوم الجيش بالإطاحة بالسيسي لصالح خيار أفضل»، معتبرة أن «جيش موحد قد يجبر السيسي على الخروج بسرعة كما تخلى عن (الرئيس الأسبق حسني) مبارك عن الحكم في 2011»، حسب ترجمة صحيفة «القدس العربي».
وأضافت: «كما يمكن للسيسي أن يظل يعرج من أزمة إلى أخرى حتى تحرقه واحدة».
صبر ينفذ
وأفادت الصحيفة الأمريكية بأن غالبية المصريين وافقوا على «شد الأحزمة» لصالح منح «السيسي» الفرصة لتطبيق الإصلاحات، التي طلبها صندوق النقد الدولي للموافقة على منحه رزمة إنقاذ، لكن لم يتغير الكثير على حياة المصريين.
ومن أهم المخاطر التي يواجهها، كما يقول المحللون، الاقتصاد الضعيف، وما يرتبط به من غياب الاستقرار والأمن.
ولفتوا إلى أنه حتى هذا الوقت منح المصريون -وبصبر- «السيسي»، الوقت كي ينجز الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد، ووافقوا على شد الأحزمة من أجل البلد، ولم تخرج تظاهرات في البلد الذي يشدد الأمن قبضته عليه.
إلا أنهم قالوا إنه لو لم يتغير الوضع من ناحية تحسين الاقتصاد وتوفير فرص عمل للمواطنين في الأعوام المقبلة؛ فسينفذ صبر المصريين.
انتفاضة مقبلة
وفي هذا الصدد، يقول الخبير بمؤسسة الجزيرة العربية في واشنطن، «عبدالله الهندواي: «غالبية المصريين فقراء، ومعظمهم يعانون من آثار التضخم، وهم المتأثرون بالإجراءات، والأكثر استعدادا للتعبئة، خاصة أن لا شيء لديهم يخسروه».
ويضيف: «الانتفاضة المقبلة لن تكون مثل عام 2011، حول المظالم السياسية والعدالة الاجتماعية، بل ستحدث لأن الناس متعبون ومجهدون ويائسون وهذا وضع خطير».
ويشير «الهنداوي» إلى حالة اللامبالاة التي طبعت الانتخابات الأخيرة الشهر الماضي، وقال: «رغم فوز السيسي بنسبة 97% في انتخابات لم يشارك فيها أحد سواه، إلى جانب مرشح رمزي، إلا أن نسبة المشاركين في التصويت لم تتجاوز عن 41% مقارنة بـ47% في انتخابات عام 2014».
ويربط المراقبونحالة عدم الاهتمام بالانتخابات بين المصريين بحالة الاقتصاد.
معاناة اقتصادية
يشار إلى أنه بعد دفعه للاصلاحات الاقتصادية التي طلبها صندوق النقد، مقابل قرض 12 مليار دولار، لم يتحسن الوضع الاقتصادي، بل هو في حالة أسوأ مما كان عليه عام 2014.
إذ زاد التضخم من 10.3% عام 2014 إلى 33% منتصف عام 2017، ورغم استقراره حاليا إلا أنه لا يزال يراوح فوق نسبة 15%.
ورغم تراجع نسبة البطالة في ظل «السيسي» من 13.2% إلى 11.8%، إلا أن نسبة 30% من الشباب بدون وظائف، فيما انخفض النمو في القطاع الخاص كل شهر خلال العامين الماضيين.
وبناء على مطالب صندوق النقد، رفع «السيسي» ضريبة القيمة المضافة على البضائع والأعمال، وعوم الجنيه المصري، وقطع الدعم عن الوقود، وسيقوم بخفضه مرة ثانية في يونيو/حزيران المقبل.
وفي ظل المعاناة الاقتصادية، فإن الحد الأدنى من الأجور، استمر على حاله أي 1200 جنيها مصريا في الشهر، لكن القيمة الحقيقية انخفضت من 170 دولارا عندما وصل «السيسي» للسلطة عام 2014 إلى مجرد 68 دولارا في 2018.
أزمة أمنية
الأمر لم يقف عند الاقتصاد فحسب، بل كانت سنوات «السيسي» الأربع الماضية، غير مستقرة أمنيا.
ففي أثناء رئاسته، شهدت مصر عمليات إرهابية أكثر من تلك التي شهدتها فترة «مبارك» التي استمرت 30 عاما؛ حيث صعد الجماعات معظمها مرتبط بتنظيم «الدولة الإسلامية» هجماتها، ليس فقط في سيناء (شمال شرق) بل القاهرة (وسط) والإسكندرية (شمال).
وفي الوقت الذي يستبعد فيه المحللون قدرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، على إدارة مناطق في سيناء كما فعل في العراق وسوريا، إلا أن استمرار الحرب ستستنزف الجيش، وتهز ثقته في قدرات «السيسي».
الدعم الخارجي
ومن التحديات الأخرى التي تواجه «السيسي»، حسب الصحيفة، هي الدعم الأجنبي؛ حيث اعتمد حكمه على الدعم الدولي للاقتصاد، خاصة عندما حصل على عشرات المليارات من السعودية والإمارات العربية والكويت.
ومع استمرار انخفاض أسعار النفط، وتقديم دول الخليج الأولوية للمصالح المحلية، فقد يواجه «السيسي» مخاطر خفض الدعم له أو انتهائه كليا.
ويقول الزميل في المعهد الإيطالي للشؤون الدولية، «روبرت سبرنغبورغ»: «قرار السعودية بتقديم المال للسيسي بات معناه زيادة أسعار الكهرباء في الرياض أو تقديم مال قليل للسيسي والحفاظ على سعر الكهرباء كما هو».
وفي ظل هذه الظروف فمن الصعب على مصر الحصول على التمويل، كالسابق.
اصطفاف الجيش
تحدي آخر ومهم يواجه «السيسي»، وهي المعارضة من داخل المؤسسة العسكرية التي دعمته.
وفي الحملة الانتخابية الأخيرة، واجه «السيسي» مرشحان منها، وهما رئيس هيئة الأركان الأسبق «سامي عنان»، ورئيس الوزراء الأسبق «أحمد شفيق»، قبل أن يجبرا على الخروج من سباق الترشيحات بعد حملة مضايقات واعتقالات.
ويشير المراقبون إلى أن هناك نقد داخل المؤسسة العسكرية، ليبقى سؤال يطرحه «الهندواي»: «هل يدعم الجيش السيسي بشكل مطلق؟»، مجيبا: «لا أعتقد هذا».
ويلفت إلى أن «دعم الجيش للسيسي سيكون موضع اختبار؛ فبعد أيام من انتخابه بدأ أنصاره والإعلام الموالي له والبرلمان بالدفع لتعديل الدستور بشكل يمنحه ولاية مفتوحة».
ويضيف: «الخطة تبدو على الورق سهلة؛ فنواب البرلمان كلهم من الموالين وكذا القضاء الذي أصبح مسيرا.. لكن تحركا كهذا قد يؤدي إلى توحيد المعارضة والطبقة المتوسطة وطبقة رجال الأعمال، والجيش الذي لا يريد تكرارا لما حدث في عهد مبارك وثورة كعام 2011».
ويقول الباحث بمجموعة الأزمات الدولية «إيسندر العمراني»: «مع كل الإشارات التي تشير لحذف مدة ولاية الرئيس، فهناك إمكانية للمواجهة مع الجيش بشأنها».
ويضيف: «قد تجد في الجيش من يدعم ولاية ثانية من أجل الاستمرارية والاستقرار، لكن ليس حكما مدى الحياة، ويريدون تجنب ترشحه لولاية ثالثة تؤدي للانقسام».