على مدى يومين تصاعدت وتيرة التهديدات الغربية وفي مقدمتها الأميركية، لضربة ضد سوريا رداً على بدعة الكيميائي. أمن المنطقة المحيطة بسوريا ومن ضمنها لبنان بات على “كف عفريت”، فمن الممكن أن تتدحرج الأمور إلى حرب شاملة في حال حصول أي حرب أميركية ولو كانت خاطفة، تنفذها واشنطن مباشرةً أو عبر الكيان الصهيوني، وقد رأينا كيف توترت الأوضاع بشكل كبير بعد تنفيذ الطائرات الإسرائيلية غارات على مطار T4 انطلاقاً من لبنان.
هذه الاعتداءات الصهيونية على سوريا انطلاقاً من لبنان تكررها الطائرات الإسرائيلية، في خرق واضح للسيادة اللبنانية، دون رقيب وكأن سماء لبنان مباحة أمامها لتنفذ ما تريده من اعتداءات بحق سوريا، التي حذرت من العواقب الوخيمة التي ستجرها هذه الاعتداءات، سيما أن هذه العواقب في حال أي مغامرة صهيونية لن تنحسر في حرب سورية _ إسرائيلية بل أن لبنان سيكون جزءاً من هذه الحرب مع اعتبار أن ما يسعى إليه الكيان الإسرائيلي هو استهداف محور المقاومة الذي يشكِّل حزب الله جزءاً أساسياً فيه.
الإشكالية التي تطرح أمام ما يحصل تتفرع إلى سؤالين:
أولاً: أين مدعو السيادة من خرق العدو الصهيوني للسيادة اللبنانية التي تكفلها كل القوانين؟
ثانياً: لماذا ترضى الدولة اللبنانية باستخدام أراضيها كمنصة لاستهداف سوريا ولمَ لا تتحرك الحكومة إزاء ما يحصل؟ هل يكفي إصدار بيان من وزارة الخارجية بهذا الإطار في حين أن ما يحصل قد يؤدي إلى حرب شاملة؟
“إسرائيل” أساس العمل العدواني
لقد تكررت أعمال “اسرائيل” العدوانية، هذه الأعمال التي يعرفها القانون الدولي بأنها الضربة الأولى من قبل طرف ضد آخر، وهذا أمر طبيعي من جانب الكيان الذي لم يرضح يوماً للقوانين والأعراف الدولية، وما برح ينتهك السيادة اللبنانية، فالعدو دائماً ما يخرق قرار مجلس الأمن 1701 الذي حظر عليه الخروقات الجوية والبحرية والبرية للسيادة اللبنانية، وليس اخر هذه الخروقات استخدام لبنان كقاعدة لضرب سوريا، وهذا ما يعتبر خرقاً فادحاً لسيادة الدولة اللبنانية، التي يؤكد عليها ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية منه وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلاناتها، إذ نص القرار 2131 كانون الأول 1965 على إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها.
أين السيادة اللبنانية؟
هذه السيادة أكدتها ايضاً القرارات 2734 ـ 16 كانون الأول 1970 (الإعلان الخاص بتعزيز الأمن الدولي)، والقرار (155/32/ A/RES 19 كانون الأول 1977، (إعلان تعميم، وتدعيم الانفراج الدولي)، وغيرها ايضاً.
وقد أكد الدستور اللبناني في مقدمته أن لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، وشدد على ضرورة المحافظة على السيادة اللبنانية وسيادة القانون في لبنان، حيث نصت المادة الأولى من الدستور على أن “لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة”، كما تشير المادة 2 من الدستور على أنه “لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه”.
وهنا نعود لنسأل مجدداً، أين الحكومة اللبنانية مما يحصل، لماذا لا نسمع أصوات عدد كبير من المسؤوليين اللبنانيين تعلو في وجه هذه الخروقات والاعتداءات؟ هل من المسموح عند أصحاب السيادة هؤلاء استخدام الأراضي اللبنانية لأن المستهدف سوريا؟ أين تحركاتهم الدبلوماسية ضد هذه الخروقات؟ ألم يؤكد الدستور اللبناني على السيادة الوطنية التي تستخدم من قبل البعض في الخطابات الانتخابية خاصةً خطابات فريق الخرزة الزرقاء التي يستباح في ظلها لبنان؟
متى تحترم اتفاقية التعاون؟
لقد قال الرئيس ميشال عون الذي هو رئيس لكل لبنان، أن الرئيس الأسد هو حالياً رئيس لبلاده وعلينا التعامل مع الحكومة الموجودة في سوريا، وهذا يعني أن سوريا ليست على عداوة مع لبنان، وبالتالي يثبّت وجود الاتفاقات بين الطرفين، ويمنع جعل لبنان مطية لاستهداف سوريا.
لماذا إذا لا يتحرك أصحاب السيادة لمنع استهداف سوريا عبر لبنان، سيما أن بين البلدين معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بينهما والتي تنص فيها المادة الثالثة ـ بأن “الترابط بين أمن البلدين يقتضي عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا، وسوريا لأمن لبنان في أي حال من الأحوال، وعليه فإن لبنان لا يسمح بأن يكون ممراً أو مستقراً لأي قوة أو دولة أو تنظيم يستهدف المساس بأمنه أو أمن سورية، وإن سورية الحريصة على أمن لبنان واستقلاله ووحدته ووفاق أبنائه، لا تسمح بأي عمل يهدد أمنه واستقلاله وسيادته” ـ ، فإذا كانت سوريا لا تسمح لأحد باستهداف لبنان عبر أراضيها وكان هناك نموذج الجماعات الإرهابية فلماذا يسمح لبنان باستهداف سوريا من العدو دون تحرك؟
وفي حال كان يوجد من يرفض التعاون مع سوريا، فإن ذلك لا يسمح له بالسكوت عن خرق السيادة اللبنانية وتشكيل خطر على لبنان من العدو، ثم لا يحق له القبول باستهداف سوريا من الأراضي اللبنانية، سيما أن ذلك يسيء إلى العلاقات التاريخية بين بيروت ودمشق ويخرج لبنان من عروبته الحقيقية، ويدخل لبنان في أتون الفتنة الصهيونية التي قد تكون عبر حصول حرب وشيكة سيقوم خلالها العدو الإسرائيلي باستهداف سوريا وبالتالي إستهداف لبنان من أجل ضرب المقاومة.
لذلك يجب التحرك سريعاً على الأقل من خلال الضغط على الكيان الصهيوني عبر الأمم المتحدة وأصدقاء لبنان لمنع هذه الخروقات الصهيونية.