في عيون أخبار الرضا عليه السلام ما ورد من شهادة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام:
” وروي أن الرشيد فكّر في قتل موسى عليه السلام فدعا برُطبٍ فأكل منه، ثم أخذ صينية فوضع فيها عشرينَ رُطبة وأخذ سِلكاً فتركه في السم، وأدخله في الخياط وأخذ رطبة من ذلك الرطب وأقبل يردد السلك المسموم بذلك الخيط من رأس الرطبة إلى آخرها، حتى علم أن السّم قد تمكن فيها. واستكثر منه ثم ردها في الرطب وقال لخادم له: إحمل هذه الصينية إلى موسى وقل له: إن أمير المؤمنين أكل من هذا الرطب وتنغص لك (اختار) وهو يقسم عليك بحقه إلا ما أكلته عن آخره فإني اخترتها لك بيدي، ولا تتركه حتى لا يبقي منه شيئاً، ولا يطعم منه أحداً، وقال إبراهيم بن سعد: أُدخل إلى موسى بن جعفر عليه السلام سباع لتأكله فجعلت تلوذ به وتبصبص له وتدعو له بالإمامة، وتعوذ به من شرّ الرشيد، فلما بلغ ذلك الرشيد أطلق عنه وقال: أخاف أن يفتنني ويفتن الناس ومن معي “.ثم دعا الإمام الكاظم عليه السلام المسيب، وذلك قبل وفاته بثلاثة أيام وكان موكلاً به، فقال له: يا مسيب، قال: لبيك يا مولاي. قال: “إني ظاعنٌ هذه الليلة إلى المدينة مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأعهد إلى عليٍّ ابني ما عهده إليَّ أبي، وأجعله وصييّ وخليفتي، وآمره أمري“!
فقال لي: إرفع رأسك يا مسيب،” واعلم أني راحل إلى الله عزّ وجل في ثالث هذا اليوم”! قال: فبكيت، فقال لي: لا تبكِ يا مسيب، “فإن علياً ابني هو إمامك ومولاك بعدي فاستمسِك بولايته، فإنك لن تضل ما لزمته”. فقلت: الحمد لله. قال: ثم إن سيدي دعاني في ليلة اليوم الثالث فقال لي: إني على ما عرفتك من الرحيل إلى الله عز وجل، فإذا دعوت بشربة من ماء فشربتها ورأيتني قد انتفخت وارتفع بطني واصْفَرَّ لوني واحْمَرَّ واخْضَرَّ وتلون ألواناً، فخبر الطاغية بوفاتي، فإذا رأيت بي هذا الحدث فإياك أن تظهر عليه أحداً ولا من عندي إلا بعد وفاتي! قال المسيب بن زهير: فلم أزل أرقب وعده، حتى دعا بالشربة فشربها، ثم دعاني فقال لي: “يا مسيب إن هذا الرجس السندي شاهك سيزعم أنه يتولى غسلي ودفني، هيهات هيهات أن يكون ذلك أبداً”! فإذا حملت إلى المقبرة المعروفة بمقابر قريش فألحدوني بها، ولا ترفعوا قبري فوق أربع أصابع مفرجات، ولا تأخذوا من تربتي شيئاً لتتبركوا به، “فإن كل تربة لنا محرمة إلا تربة جدي الحسين بن علي عليه السلام، فإن الله تعالى جعلها شفاءً لشيعتنا وأوليائنا”. قال: ثم رأيت شخصاً أشبه الأشخاص به جالساً إلى جانبه، وكان عهدي بسيدي الرضا عليه السلام وهو غلام، فأردت سؤاله فصاح بي سيدي موسى عليه السلام فقال: أليس قد نهيتك يا مسيب؟ ! فلم أزل صابراً حتى مضى وغاب الشخص ! ثم أنهيت الخبر إلى الرشيد، فوافى السندي بن شاهك، فوالله لقد رأيتهم بعيني وهم يظنون أنهم يغسلونه فلا تصل أيديهم إليه، ويظنون أنهم يحنطونه ويكفنونه وأراهم لا يصنعون به شيئاً! ورأيت ذلك الشخص يتولى غسله وتحنيطه وتكفينه وهو يظهر المعاونة لهم وهم لا يعرفونه ! فلما فرغ من أمره قال لي ذلك الشخص: “يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكنَّ فيَّ فإني أمامك ومولاك وحجة الله عليك بعد أبي”، يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق، ومثلهم مثل إخوته حين دخلوا فعرفهم وهم له منكرون ! ثم حُمِل عليه السلام حتى دُفن في مقابر قريش، ولم يُرفع قبره أكثر مما أمر به، ثم رفعوا قبره بعد ذلك، وبنوا عليه. عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة حليف السجدة الطويلة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام.
المصدر: موقع المركز الإسلامي للتبليغ