عربي 21 :
ما زال الجدل متسعا بمصر حول فكرة دمج الأحزاب السياسية في كيان واحد يقوم بدور الظهير السياسي للرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال ولايته الثانية، بما يمكنه من تمرير التعديلات الدستورية التي تسمح له بالاستمرار بمنصبه دون قيود أو ضوابط.
الفكرة أخذت أشكالا متعددة، منها الاقتراح الذي يروج له المرشح الرئاسي الخاسر ورئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى، الذي دعا لدمج كل الأحزاب في كيان واحد تحت اسم “كيان مصر” يكون بمثابة المنصة الوحيدة للعمل السياسي.
أما الاقتراح الثاني، فتتبناه مجموعة الأحزاب اليسارية والعلمانية والليبرالية بزعامة رئيس حزب الوفد بهاء أبو شقة، بأن يكون الدمج في خمسة كيانات تمثل التوجهات الفكرية والسياسية في صورة أقرب لفكرة المنابر الثلاثة التي أنشأها الرئيس الأسبق، أنور السادات، عام 1979، وكتب بها شهادة وفاة الاتحاد الاشتراكي الذي أسسه جمال عبد الناصر.
خبراء القانون، من جانبهم، أكدوا أنه في كل الأحوال فإن فكرة دمج الأحزاب السياسية بكيان واحد أو كيانات متعددة يحتاج لمراجعة تشريعية شاملة لقانون الأحزاب السياسية وقانون مجلس النواب واللائحة الداخلية للمجلس، حيث لم تتحدث أي من التشريعات الخاصة بهذه الهيئات عن فكرة دمج الأحزاب ذات البرامج المتشابهة، خاصة ما يتعلق بالمادة 110 من الدستور، والخاصة بإسقاط عضوية النائب في حال ترك الحزب الذي نجح على قوائمه في الانتخابات البرلمانية.
من جانبه، أكد عضو البرلمان المصري أحمد رفعت، في بيان وصل “عربي21” نسخة منه، أنه سيتقدم قبل نهاية نيسان/ أبريل الجاري بتعديل تشريعي للبرلمان يسمح بدمج الأحزاب السياسية، بعد أن لاقت الفكرة ترحيبا من أعضاء ائتلاف “دعم مصر” صاحب الأغلبية البرلمانية.
موضحا أن فكرة القانون تهدف لإنشاء لجنة لشؤون الأحزاب السياسية داخل البرلمان تتولى الرقابة على تنفيذ برامج الأحزاب القائمة، وتحديد الأحزاب المخالفة للقانون والدستور، والأكثر تحديدا الأحزاب التي اعتبر أنها تقوم على أساس ديني أو عسكري أو شبه عسكري، وكذلك الرقابة على الأحزاب التي ليس لها مقار على أرض الواقع وليس لها هيكل تنظيمي، ومتابعة الأحزاب التي ليس لها مقاعد بالبرلمان، وبالتالي ليس لها وجود على الأرض الواقع.
وفيما يتعلق بفكرة دمج الأحزاب، قال رفعت إن اقتراحه إما بشطب الحزب الذي ليس له وجود، أو الدمج مع حزب آخر؛ بهدف الوصول لكيان حزبي كبير، أو مجموعة أحزاب تحكم وأخرى تعارض، ما يسهل على الدولة دعم هذه الأحزاب ماليا مع اقتراب إجراء انتخابات المحليات.
“كيان داعم للسيسي”
من جانبه، أكد الباحث في علم الاجتماع السياسي، سيف الدين المرصفاوي، لـ”عربي21“، أن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي سبق أن دعا الأحزاب للتجمع في كيان واحد يستطيع أن يكون ظهيرا سياسيا لنظام الحكم بمصر، وهي الفكرة التي بدأ عدد من الأحزاب الموالية للسيسي وأجهزة المخابرات المختلفة في الترويج لها بشكل كبير بعد فوز السيسي.
وأضاف المرصفاوي أن الهدف من وراء ذلك هو إيجاد كيان سياسي يستطيع أن يكون حائط صد في حالة استعاد تيار الإسلام السياسي عافيته مرة أخرى، بالإضافة إلى أن الدستور الحالي يحرم على رئيس الجمهورية أن يكون له حزب سياسي أو ينتسب لحزب سياسي، وبالتالي فالبديل هو هذا الكيان الكبير، والذي يشبه الاتحاد الاشتراكي الذي كان يسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بمصر منذ منتصف ستينيات القرن الماضي وحتى عام 1979 قبل حله من قبل الرئيس السادات.
وأشار المرصفاوي أن خطورة هذه الفكرة تكمن في أنها تقضي على فكرة التعددية السياسية، حتى لو كان وجودها علي أرض الواقع شكليا فقط، كما أنها تقنن لسيطرة كيان واحد على كل المؤسسات السياسية والتشريعية والنقابية، موضحا أنه في ظل ضعف الأحزاب القائمة، وعددها 104 أحزاب، فإن الكيان سيكون تحت سيطرة الأجهزة الأمنية بشكل كامل.
ويضيف الباحث في علم الاجتماع السياسي أن الهدف الأساسي هو مواجهة الأحزاب والتيارات السياسية الإسلامية، سواء التي على توافق مع نظام السيسي مثل حزب النور والدعوة السلفية، أو التي على خلاف واضح معه وهي جماعة الإخوان المسلمين، أو الأحزاب التي تقف في مسافة وسط مثل مصر القوية والوسط والبناء والتنمية.
ويشير المرصفاوي إلى أنه يجب الوضع في الاعتبار أن احتمالات المصالحة مع الإخوان أمر وارد تحت أي مسمى، وبالتالي يجب تهيئة المجتمع السياسي بما لا يسمح للإخوان أو القريبين منهم بالتواجد في أي من المؤسسات التشريعية أو المحلية أو النقابية بمصر.
وأوضح المرصفاوي أن القضية ليست فقط في السيطرة على المجالس التشريعية والمحليات فقط، وإنما أيضا السيطرة على النقابات المهنية والعمالية، وبالتالي تكتيف المجتمع المدني والأهلي والسياسي بكيان واحد متحكم في كل التفاصيل.