في حواره مع مجلة “أتلانتيك” الأميركية، يذهب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان إلى أبعد من زيارة الكيان الصهيوني، وإذا كان الجدل لم يحسم تماماً بشأن الأنباء التي تردّدت عن قيامه بزيارة سرية إلى”إسرائيل” قبل عدة أشهر، فإنه بهذا الحوار يكون قد وقف على كل أبواب الصهاينة، من حاخامات التطرّف إلى جنرالات العدوان، مروراً بصقور الكنيست وحمائمه، موزعاً قبلاته وهداياه المجانية.
كل ما حول بن سلمان أعداء أشرار، باستثناء الكيان الصهيوني، وما يسمى “محور اعتدال” المكون من رباعي الحصار على قطر، وتوابعه.
يتحدث بالعربي، ويفكّر بالعبري، هكذا ظهر بن سلمان في الحوار، في فقرة لافتة (نقلاً عن ترجمة الصحف السعودية كي لا يتهمنا أحد بالتجنّي) يقول نصاً “فنحن في منطقةٍ لا تحيط بها المكسيك وكندا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي. بل لدينا تنظيم داعش والقاعدة وحماس وحزب الله والنظام الإيراني، وحتى قراصنة”.
يبدو هذا النص مأخوذاً من خطاب الصهاينة عن أنفسهم، حين يصوّرون إسرائيل واحة للديمقراطية والحداثة والتعايش، تحيطها غاباتٌ من الهمجية والتخلف والتطرف والإرهاب، ولو دققت في مضمون الفقرة لن تحتاج كثيراً من الجهد، لتكتشف أن قائمة الأعداء الخطرين، من منظور ولي العهد السعودي، مطابقة لما يتحدث به قادة الاحتلال الصهيوني، ما يعني باختصار أن كل من هو ضد إسرائيل يعتبره الأمير الصغيراً عدواً شريراً وخطراً محدقاً.
حتى حين يريد بن سلمان الحشد ضد إيران، فإنه يلجأ إلى أدبيات خطاب الابتزاز الصهيوني، فيستدعي شبح هتلر ويضعه على وجه مرشد إيران، ويصوره تجسيداً لنازيةٍ تريد الهيمنة على العالم، وهي الرواية الإسرائيلية للتاريخ، من دون زيادة أو نقصان.
تساءلت في مقال قبل أيام: السيسي وبن سلمان.. تابع ومتبوع أم تابعان. وفي هذا الحوار، يقدم ولي العهد السعودي الإجابة، إذ يبدو فيما يخص التقرب من إسرائيل سائراً على خطى صاحب الريادة في هذا المجال، عبد الفتاح السيسي، الذي أدرك، منذ وقت مبكر، أن عسل العلاقة مع إسرائيل أهم كثيراً من أرز السعودية والإمارات، فقرّر أن يعيش على الأرز بالعسل.
ومن هنا، يمكن النظر في جوهر صفقة جزيرتي تيران وصنافير التي تتجاوز كونها عملية تربح اقتصادي، من خلال التنازل عن أراضٍ مصرية لصالح السعودية، ليكون الهدف في النهاية إقامة جسر سياسي مباشر للتطبيع بين الرياض وتل أبيب.
ولعل هذا ما يفسر غبطة الإسرائيليين بهذه الصفقة التي تقحم السعودية في علاقة مباشرة مع الكيان الصهيوني، تتعدّى التنسيق المشترك بشأن الحدود البحرية، إلى التعاون والشراكة السياسية والاقتصادية المباشرة، كما لخصها بن سلمان بقوله “تشكل إسرائيل اقتصاداً كبيراً، مقارنةً بحجمها، كما أن اقتصادها متنامٍ. ولعل هناك الكثير من المصالح الاقتصادية المحتملة التي قد نتشاركها مع إسرائيل، متى كان هناك سلام مُنصف، فحينها سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول كمصر والأردن”.
لم يكتف بن سلمان بذلك، بل يمنح الاحتلال الصهيوني اعترافاً سخياً بالحق التاريخي في أرض فلسطين العربية، متقمصاً شخصية سير بلفور، فيقول “إن الإسرائيليين لهم “حق” في أن يكون لهم وطن”، ويساوي بين الصهيوني والفلسطيني، حين يضيف “أؤمن أيضا بأن الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة بهم”.
حسناً، بهذا المعيار، يفتح بن سلمان الباب لأي صهيوني، للادعاء بأن له حقاً تاريخياً في أراضي المدينة المنورة، ولن يجد أفضل من تصريحات ولي عهد السعودية حجةً قانونية، يستند إليها مطالباً بحصة من الأرض في يثرب، حيث كان هناك يهود لهم مساكنهم وحياتهم، فماذا يمكن أن يحصل وقتها؟
الآن عرفنا أن المدون الصهيوني بن تزيون لم يصل إلى الحرم النبوي متسللاً، أو مخترقاً، بل كان مدعواً لنقل رسالة، كانت مشفرة، والآن صارت واضحة حد الابتذال.
* وائل قنديل كاتب صحفي مصري.