قال مصدر خاص بمدينة تعز للمصدر اونلاين إن الشيخ عمر دوكم توفي اليوم الاثنين في المستشفى متاثراً بجراحه.
وكان دوكم وهو إمام وخطيب جامع العيسائي قد أصيب الجمعة الماضية بجروح خطيرة عقب فتح مسلحين يستقلون دارجة نارية النار عليه عقب خروجه من المسجد، في حين قتل صديقه الذي كان بجانبه.
وكان دوكم أصيب برصاصتين في البطن وأخرى في ساقه وتسببت الرصاصات التي اخترقت بطنه في نزيف داخلي وتمزق أوردة، ورغم إجراء الأطباء عدة عمليات له إلا أنهم عجزوا عن إنقاذه.
وتعد واقعة الاغتيال هذه هي الأولى التي تستهدف خطيب مسجد في تعز بعد سلسلة من عمليات الإغتيال التي استهدفت جنود وضباط في الجيش الوطني.
ودوكم داعية شاب وخطيب يحمل أفكار تنويرية ويقدم أفكار عصرية بطريقة مختلفة جعلته يحقق حضوراً غير عادي في مدينة تعز، كما يكتب مقالات بشكل متقطع في الصحافة المحلية من ضمنها مجموعة من المقالات نشرها في موقع المصدر أونلاين.
المصدر
ظل يردد في أكثر من مقال «أحب اليمنيين جميعاً».. «دوكم» الضوء الذي انطفأ
عمر لم يكن مجرد خطيب تقليدي يعتلي منبر الجامع ليتلوا على مسامع جمهوره خطباً معلبة وأقوالاً مأثورة، بل كان شاباً طامحاً متنوراً مسكوناً بحب اليمن، ومتشرباً قيم الدولة المدنية، ذلك ما توحي به خطبه ومقالاته المنشورة في أكثر من صحيفة محلية.
وبينما كانت علاقة الخطباء بالإعلاميين شبه مقطوعة فإن عمر كان يقيم جسوراً بين كل هذه الفئات وكما كان خطيباً متنوراً ومحبوباً فقد كان أيضاً كاتباً يعبر عن أفكاره من خلال المقالة القصيرة بلغة سلسة وواضحة.
وخلال مسيرة صحيفة «المصدر» بنسختيها الورقية والإلكترونية، نشر عمر دوكم عدداً من المقالات التي كان مضمونها كلها يدور حول التعبير عن طموح جيل جديد في دولة مدنية يعيش في ظلها الجميع دون عنف أو صراعات.
في فبراير من العام الماضي 2017 نشر «المصدر أونلاين» مقالاً لدوكم، وكان مضمونه عن إنسانية ثورة فبراير.
ومما جاء في المقال «أعلنها كيمني ثائر، ينتمي لـ11 فبراير أني أحب اليمنيين جميعاً بلا استثناء؛ بجميع طوائفهم ومذاهبهم وأديانهم؛ بمختلف أحزابهم وجماعاتهم ومناطقهم وأيدولوجياتهم؛ الناصريين والاشتراكيين والإصلاحيين والمؤتمريين.. السلفيين والإخوان والبهرة واليهود.. أصحاب مطلع وأصحاب منزل.. الشماليين والجنوبيين.. الزيود والشوافع .. اليساريين والليبراليين والعلمانيين والإسلاميين.. الجميع بلا استثناء».
وأضاف في المقال الذي يحمل إدراكاً وحساً وطنياً «فقط نوعٌ واحدٌ أستثنيه وأرفضه. وأرفض معه كل من يقف وراءه أو يدعمه بالقول أو القلب أو الفعل، أيّاً كان ومن أيٍّ كانْ. أرفض كل من يتنكر للقيم المدنية التي ضحى اليمنيّون لأجلها بالنفس والنفيس منذ ثورتهم الدستورية 17فبراير 1948 وحتى ثورة 11فبراير2011. وما يزالون».
وعزز فكرته بالقول «أرفض كل من اتخذ الإقصاء له منهجاَ والعنف شريعةً والسلاح أسلوباً لفرض قناعاته وخياراته على اليمنيين».
وما يزال عمر يؤكد على فكرة الدولة المدنية في كل مقالاته المنشورة على قلتها حيث يرى عمر كما في المقال ذاته أن «الدولة المدنية التي خرج الشباب لأجلها تسَعُ الجميع، لكنها – بطبيعتها – ضداً لكل عقيدة عنصرية، وهذا أمر منطقي تماماً؛ إذْ أن أبدهـ بديهيات الدولة المدنية؛ المواطنة، وهذه تتناقض تماماً مع الاستبداد أيّاً كانت لافتته».
عمر قضى حياته يكتب ويخطب عن هموم اليمنيين وأحلامهم وطموحاتهم، وكان واضحاً وصريحاً في تشخيصه للمشكلات الوطنية، وآخر مقال نشره موقع «المصدر أونلاين» في الـ18 من أكتوبر الماضي والذي كان بعنوان «عن الحد الأدنى من التوافق المطلوب».
يقول عمر في مطلع مقاله «إذا تحرك أي مكوِّن من المكوّنات الوطنية خارج إطار الدولة فهو يحكم على نفسه بأن يكون حوثياً بطريقةٍ أو بأخرى.. إذ أن اختلافنا الرئيسي مع الحوثي هو روح العصابات وقطاع الطرق التي تحكم طريقة تفكيره وسلوكه السياسي!.. التحرك خارج إطار الدولة واستخدام العنف والقوة وسيلة وأسلوباً للسطو على إرادة الشعب وثرواته. الكفر بالدولة المدنية والتصرف بمنطق الميلشيا. تقويضه عن سبق إصرار وترصد لكل أشكال العمل السياسي. ومحاولته جر الجميع إلى مربعات الفوضى وفقه الغلبة بمنطق عبس وذبيان».
استقر عمر دوكم خطيباً لجامع العيسائي وهو واحد من أكبر الجوامع في مدينة تعز وكان له حضور غير عادي بما حمله من خطاب جديد ومختلف حسب شهادة كثير ممن استمعوا لخطبه الدينية التي كانت تتضمن تعليمات حية تتعلق بسلوك المجتمع وعلاقات الناس وتعاملهم فيما بينهم.
وشكلت وفاة دوكم صدمة كبيرة لليمنيين في مدينة تعز، أو من الذين عرفوه عن قرب، وشبهوا رحيلة بالـ«الضوء الذي انطفأ»، وتحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى سرادب عزاء.
ونعى الكاتب أحمد شوقي أحمد، دوكم، وقال في تدوينة له على موقع «فيسبوك»، إنه في آخر لقاء بالأخير «بدا نحيلاً ومتواضعاً ومتخففاً بالزهد من شكل الدنيا وثقلها الجاثم على الصدور».
وأضاف «رحل عمر دوكم وأخذ معه بعض من أندر وأجمل ما فينا، هذا الاحترام المبجل لله ودينه وخلقه وصنعه وكرامة الإنسان، وذلك الزهد والبعد عن المطامع واللهاث المرضي خلف المال والسلاح والنفوذ، وتلك الأمانة الفكرية والضمير الصادق والروح المحبة التي لم تعادي أحداً ولا شيئاً سوى الكراهية والأحقاد».
وتابع «إن فقدان رجل كهذا لهو الخسران الكبير، إننا نفقد كل ما انجزه هؤلاء من تراكم صنعوه بالجهد والكد لبناء العقول وحماية الغد من التشوه والإيحال، وهاهم أولاء يتساقطون واحداً فآخر، وكل من هم مثلهم أو أقل منهم بكثير أصبحوا في مرمى القاتل المأجور على بعد بوصات قليلة زمناً ومكاناً من بندقيته».
أما الصحفي محمد عبدالملك فكتب، «قبل أشهر تحدث عمر دوكم عن الاغتيالات وقال نحن نعرف من ينفذها جيدا.. ولهذا السبب تم تصفيته».
ورغم أن حادث إطلاق النار مر عليه 3 أيام كاملة، إلا أن السلطات الأمنية في المدينة الخاضعة لسلطة الحكومة الشرعية، لم تعلن التوصل إلى الجهة المسؤولة عن اغتيال دوكم.
وربما هي واحدة من الأحداث التي ستقيد ضد مجهول، إذ شهدت المدينة عشرات الحوادث المماثلة والتي راج فيها جنود وضباط في القوات الحكومية والمقاومة الموالية لها.
المصدر