العرب :
رام الله – تعمل السلطات الإسرائيلية على التخطيط للمستقبل الديموغرافي لدولة إسرائيل على نحو يستبق “خطورة” تناقص الحجم الديموغرافي لليهود على أرض فلسطين التاريخية. وتجتهد تل أبيب للحفاظ على التفوق العددي لليهود في هذه المنطقة بغية التمسك بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل التي باتت، وفق إحدى خلاصات مؤتمر هرتسليا للأمن الاستراتيجي، تعتبر أن القنبلة الديموغرافية العربية هي أكثر خطورة من قنبلة إيران النووية.
وتشير التقارير إلى أن وزارة الشتات الإسرائيلية بقيادة نفتالي بينيت تعمل على إطلاق خطط ترمي ضمن استراتيجية قصيرة وطويلة الأمد إلى إعادة الوصل مع من تعتبر إسرائيل أنهم ملايين من اليهود بغرض ربطهم بإسرائيل وتقوية روابطهم بالدين اليهودي.
وتهدف الخطط إما إلى تهويد كتل ديموغرافية جديدة ودفعها للهجرة إلى إسرائيل، وإما إلى ضمها لجانب إسرائيل من خلال حملات تجنيد إعلامية وتثقيفية داخل صفوفها.
ونشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، الثلاثاء، تقريرا عن المشكلة الديموغرافية، بعد صدور تقرير في إسرائيل يتحدث عن أن الكتلة الديموغرافية العربية ذاهبة إلى تجاوز حجم الكتلة اليهودية في فلسطين التاريخية.
ويرى مراقبون للشأن الإسرائيلي أن تل أبيب، التي استنفدت قدرات المؤسسات الصهيونية على استجلاب يهود من العالم باتجاه إسرائيل، تبحث حاليا في أرجاء العالم عن أي كتل بشرية واجتماعية وأنساب ملتبسة لادعاء صلة لها بالدين اليهودي أو بإسرائيل لتنظيم عمليات تهويد كبرى تستهدف ردم الهوّة القادمة، مع تزايد أعداد العرب الفلسطينيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية.
وكان تقرير صادر عن لجنة معينة من قبل وزير الشتات الإسرائيلي قد قدّر أن هناك ما يقارب 60 مليون شخص في العالم يتحلّون بروابط وصلات ما مع إسرائيل والدين اليهودي، مما يسهّل إمكانات نقل أعداد منهم بعد أن يتم تهويدهم بشكل كامل.
وحسب تقرير تلك اللجنة، فإن هناك “فرصة تاريخية” لم تلحظها الحركة الصهيونية سابقا للتواصل مع جماعات ذات روابط مع الشعب اليهودي ودفعها إلى تطوير تلك الروابط باتجاه التهويد الكامل في مرحلة أولى، ثمّ الانتقال والإقامة في إسرائيل في مرحلة لاحقة.
وبحسب التقرير، فإن الدوائر المرصودة تشمل جماعات ذات روابط يهودية لا يشملها “قانون العودة” الإسرائيلي، مثل اليهود الذين تحولوا عن اليهودية، أو المجتمعات التي تصرح بانتمائها إلى الشعب اليهودي ولكنها ملزمة بعملية التهويد مثل “الفلاشمورا” في إثيوبيا و”بني منشي” في الهند، أو أنسال الذين “أجبروا” على التحول عن اليهودية إلى المسيحية في إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وأميركا اللاتينية وجنوب غرب الولايات المتحدة، و”أنسال الحمر” في أوروبا الشرقية الذين أخفوا يهوديتهم عن النظام الشيوعي، ومجموعات في أفريقيا وآسيا تدعي وجود علاقة بعيدة مع اليهودية، ومجموعات أخرى في أنحاء العالم تطمح لربط علاقة مع إسرائيل تقوم على التقارب الفكري والروحي.
وتقول هآرتس إن اللجنة لخصت في تقريرها خارطة طريق للعمل تقترح إجراء مسح شامل للمجتمعات التي ترتبط بصلة ما مع إسرائيل، مع تحديد تعريف جديد للروابط المسماة يهودية بهدف توسيع دائرة من يشملهم التهويد والهجرة. ويقترح التقرير وضع خطة تسمح بإجراء تدقيق ينقل إلى “الدولة” من هم منسجمون مع يهوديتها ومن هم ملائمون لهدف الحفاظ على الأغلبية اليهودية في فلسطين.
وكانت الصحيفة قالت قبل صدور التقرير إن اللجنة التابعة لوزارة الشتات الإسرائيلية ستدافع عن خطة تقضي بالسماح لجماعات ذات روابط معينة بالدين اليهودي بالإقامة في إسرائيل لمدد طويلة بغية التدقيق في إرثها وتراثها، متجاوزة بذلك الشروط التي يفرضها “قانون العودة” على المهاجرين إلى إسرائيل.
ورغم نشر التقرير، فإن وزارة الوصاية أعلنت أن التقرير لم يُعتمد وما زال يخضع للنقاش، رغم إقرارها بوجاهة مضمون التقرير لجهة توسيع فضاءات استجلاب المهاجرين لتشمل من لهم علاقة باليهود وإسرائيل.
ولمّحت وزارة الشتات إلى أن الخطة لا تنادي بالتهويد العشوائي الجماعي بل بتشجيع دوائر ذات روابط مع إسرائيل بتعزيز التصاقها ودعمها لتل أبيب.
وكشف التقرير عن توصيات قصيرة الأجل تدعو خلال هذا العام إلى استكشاف هذه المجتمعات والتواصل معها ونسج روابط دائمة معها ونشر قواعد اللغة العبرية في صفوفها.
ويضيف التقرير في توصياته بضم هذه الجماعات إلى مؤسسات ودوائر ومنابر وأنشطة تكافح معاداة السامية في العالم وتدافع عن موقف إسرائيل وسمعتها.
وتقول المعلومات إن اللجنة التي شكلتها وزارة الشتات الإسرائيلية عام 2016 قد قدمت تقريرها إلى الحكومة الإسرائيلية الاثنين الماضي.
وتضيف المعلومات أن حوافز تشكيل اللجنة قد أثّر مباشرة على خلاصات التقرير وتوصياته. فقد كُلّفت اللجنة رسميا ببحث سبل واستراتيجيات وإمكانات التواصل مع “جماعات بشرية” تمتلك روابط وصلات ما مع اليهودية وإسرائيل. واعتبر المراقبون أن الطبقة السياسية الإسرائيلية باتت مدركة للخطر الديموغرافي الذي يتهدد يهودية الدولة الإسرائيلية على نحو يدفعها إلى استكشاف مخارج حتى لو كانت تتطلب تخفيفا من شروط الهجرة المرتبطة بنقاء “العرق” اليهودي.
ويتحدث التقرير عن كتلة بشرية يصل تعدادها إلى عشرات الملايين من الأشخاص القابلين ليكونوا سندا لإسرائيل وجزءا من دولة اليهود. وانتقد التقرير عجز إسرائيل عن رصد التكتلات البشرية في العالم واستكشاف حساسياتها اليهودية وقراءة الخرائط البشرية التي تلامس اليهودية وترتبط بشكل ما بدولة إسرائيل.
غير أن مراقبين إسرائيليين اعتبروا أن التقرير يعبر عن هواجس العدد والهوية داخل إسرائيل على نحو ينذر بأخطار تفتك بالبنية المجتمعية الإسرائيلية. ويرى هؤلاء أن هذا المنحى هو من العوامل الطاردة لليهود من إسرائيل وأن الاضطرار إلى طرق أبواب أنسال لا تتمتع بنقاء يهودي يطرح علامات استفهام حول نجاعة التمسك بيهودية الدولة طالما أن تلك اليهودية آيلة للوهن حتما في الأجل الطويل.