“العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، والصبر زينة البلوى، والتواضع زينة الحسب، والفصاحة زينة اللسان، والعدل زينة الإيمان، والسكينة زينة العبادة، والحفظ زينة الرواية، وخفض الجناح زينة العلم، وحسن الأدب زينة العقل، وبسط الوجه زينة الحلم، والإيثار زينة الزهد، وبذل المجهود زينة النفس، وكثرة البكاء زينة الخوف، والتقلل زينة القناعة، وترك المنّ زينة المعروف، والخشوع زينة الصلاة، وترك ما لا يعني زينة الورع، و أشرف الغنى ترك المُنى”
نهج البلاغة
قال الإمام علي (عليه السلام): العفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنی.
الحديث المتقدم يشير الی ظاهرتين متضادتين، ولكنهما متجانستان في التعامل، انهما الفقر والغنی، لقد جعل الحديث الفقر والغنی متضادين، ولكن اخضعهما لسمة واحدة هي (الزينة) أو الحسن، وهذا هو تجانسهما. بيد أن المطلوب هو: معرفة ما تعنيه (الزينة) لكل منهما. ان الزينة هي: التجمل أو الحسن في المظهر الخارجي للشيء: كالزينة في الملابس الخارجية مثلاً، والحديث عندما يجعلهما (اي: الفقر والغنی) خاضعين للزينة انما يحدثنا عن نمط التعامل مع الفقر والغنی، فالفقير وهو لا يملك ما يتزين به خارجياً، اي في الملبس مثلاً، حينئذ فان ما يمتلكه داخلياً، اي النفس او شخصيته من حيث القناعة او الصبر علی ما يعانيه، تجعله متزيناً بالعّفة، اي: الامتناع عما لا يحل له: كأن يمتنع من السرقة او من الاستجداء بحيث يحسبه الناس غنياً من التعفف، وهو قمة الكرامة او العز الذي ينبغي ان تختصه الشخصية المؤمنة.
واما الغنی فان التزين المرتبط به هو الشكر لله تعالی علی النعمة التي اغدقها تعالی علی العبد، فيكون الشكر زينة او جمالاً او حسناً تتلبس الشخصية به ولعل الحديث عن البلاغة التي تطبع الحديث المتقدم، يسعفنا علی توضيح الدلالة بشكل أكثر.
لقد انتخب الامام علي (عليه السلام) (الزينة) لكل من الغنی والفقر، والسر الكامن وراء ذلك ان ما لاحظناه في النص القرآني الكريم القائل بما مؤداه: ان الفقراء الذين لا يمدون ايديهم الی الآخرين، يحسبهم الناظر اليهم بأنهم (اغنياء) من التعفف بمعنی ان الناظر انما هو متجه بنظره الی هيكل الشخصية من حيث تصرفها اللغوي مع الآخر، او مد اليد، وكلاهما مظهر خارجي يتناسب مع الزينة التي هي: هيئة وملبس ومظهر جميل وحسن منطق، رصين متعفف.
اذن التناسب بين الزينة التي هي: المنظر الحسن، وبين الفقر الذي هو تعفف للناظر الی الفقير يظل من الطرافة بمكان.
واما بالنسبة الی (الزينة) وعلاقتها بالشكر من حيث صدوره عن الغنی، فأن الشكر – وهو تعبير لغوي – يظل متناسباً مع الزينة، لان الشكر هو حسن او تعبير جميل عن تقدير الشخصية لخالقها الذي انعم عليها بالغنی، انه – اي الشكر – مظهر خارجي منطوق، وحتی الشكر الداخلي اي القلبي فانه لغة ايضاً، وعلماء النفس والفن طالما يشيرون الی ان ما يخطر في القلب انما هو لغة او حوار داخلي غير مسموع: كما هو بين.