وفي ذلك التقرير قام معهد التمويل الدولي، بحذف ميزان الاقتراض الخارجي للسعودية من حساباته، وذلك للتوصل إلى معرفة حجم رؤوس الأموال التي تهرب من هذا البلد سنوياً، وحول هذا السياق قال “غريغ باسيلي”، كبير المحللين في معهد التمويل الدولي: “لم يكن لدى السعودية أي قروض أجنبية حتى وقت قريب ولهذا، قمنا بإزالة ميزان الاقتراض الخارجي لهذا البلد من حساباتنا لمعرفة ما إذا كانت رؤوس الأموال قد غادرت السعودية خلال السنوات الماضية أم إنها دخلت إلى هذا البلد”.
ولقد كشفت هذه الدراسة بأن هنالك الكثير من رؤوس الأموال قد غادرت السعودية خلال السنوات القليلة الماضية ووفقاً لبعض البيانات والمعلومات التي تم جمعها خلال نهاية الربع الثالث من عام 2017، فإن هناك أكثر من 64 مليار دولار من رؤوس الأموال غادرت هذا البلد ولقد ارتفع هذا الرقم خلال الأشهر القليلة الماضية ووصل إلى 55 مليار دولار ولا تزال رؤوس الأموال إلى وقتنا هذا تغادر السعودية ومن المتوقع أن يهرب ما يعادل 26 مليار دولار إضافية خلال نهاية هذا العام.
أسباب هجرة وهروب رؤوس الأموال من السعودية؟
هل تم إدراج جميع ممتلكات الأمراء وغيرهم من أفراد الأسرة المالكة التي تم احتجازها خلال الأشهر الماضية في تقرير معهد التمويل الدولي؟ ربما لا.
حول هذا السياق قال “ماركوس شينفيكس”، المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في شركة “ TS Lombard” المالية في لندن: “خلال السنوات الماضية لم يكن لمصادرة الأصول والأموال أي تأثير على مغادرة رؤوس الأموال”.
وأضاف “شينفيكس” إن سبب ذلك بسيط جداً وهو أنه تم القبض على الأمراء السعوديين ونتيجة لذلك، لم يتمكنوا من سحب أصولهم من السعودية إلى الخارج”. وقال متسائلاً أيضاً: “هل تم سحب رؤوس الأموال من السعودية على الفور؟ ربما لا “.
والآن وبعد أن انتهى موسم اعتقال الأمراء في فندق “ريتز” الرياض، فإنه من المرجّح أن يتم هروب المزيد من رؤوس الأموال من السعودية وذلك لأن جميع المعتقلين أصبحوا الآن أحراراً ويمكنهم سحب رؤوس أموالهم من البلاد بكل حرية.
وأضاف هذا المحلل: “النقطة المهمة هنا، هي أن هناك أشخاصاً آخرين لم يتم اعتقالهم خلال الفترة السابقة والآن سيكون لديهم حافز أكبر لسحب أصولهم وأموالهم من السعودية وبعبارة أخرى، يمكننا القول هنا بأن الأثرياء السعوديين سيقومون خلال الفترة المقبلة بسحب رؤوس أموالهم بشكل كبير من البلاد إلى الخارج خوفاً من مصادرتها من قبل الحكومة السعودية”.
وأعرب هذا المحلل أيضاً بأن من أهم الأسباب الأخرى التي ستجبر أولئك الأشخاص على سحب رؤوس أموالهم من السعودية، هي الاقتصاد المحلي الباهت الذي يعاني من الكثير من الأزمات داخل البلاد وعلى الرغم من الجهود الأخيرة التي قامت بها الحكومة السعودية للحدّ من اعتمادها على صادرات النفط، إلا أنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على مجموعة متنوعة من أسواق الطاقة الدولية.
ووفقاً لما جاء في كتاب الحقائق العالمية الصادر عن وكالة الاستخبارات المركزية، فإن الطاقة البترولية ومنتجاتها لا تزال تشكّل 87٪ من ميزانية الحكومة السعودية أي ما يعادل 90٪ من إجمالي صادرات هذا البلد ونتيجة لذلك، فإن اقتصاد السعودية يتضرر بشكل كبير عندما تنخفض أسعار النفط في السوق العالمية وهنا تشير البيانات الواردة من موقع “Trading Economics.com” إلى أن النمو الاقتصادي للبلاد قد تقلّص وانخفض فعلياً بمعدل سنوي يزيد عن 10٪ في عام 2011 والسبب في ذلك يرجع إلى انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في عام 2014 وصل سعر برميل النفط إلى أكثر من 100 دولار، لكنه انخفض ووصل إلى 26 دولار للبرميل في فبراير عام 2016.
وفي ارتباطٍ وثيق مع الانخفاض في أسعار النفط، فلقد انخفضت ميزانية الحكومة أيضاً وتراجعت عائداتها النفطية ولقد بلغ معدل الإنفاق الحكومي ذروته في عام 2014 ولكنه انخفض في عام 2015 وكذلك في عام 2016، ولقد كان لانخفاض معدل الإنفاق الحكومي أثر سلبي على مستوى نمو الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المفارقات الساخرة أن الرياض تسعى إلى تنويع اقتصادها بعيداً عن النفط وفقاً لرؤية ولي العهد “2030”، لكن لتنمية القطاع غير النفطي تتطلب رؤوس أموال من ولي العهد توفيرها من الخارج.
وحول هذا السياق أعرب “شينفيكس”، قائلاً: “عندما انخفضت ميزانية الحكومة السعودية في عام 2014، تضررت العديد من الصناديق المالية وبنوك الاستثمار”. وأضاف، الآن يرغب هؤلاء المستثمرون في استثمار أموالهم بشكل أوسع في استثمارات جديدة وبمعنى آخر، يبحثون عن استثمارات لا تعتمد على النفط.
الحاجة إلى رؤوس الأموال
إن الحقيقة المُرّة تُظهر بأن هناك الكثير من رؤوس الأموال السعودية تقوم بشكل مستمر بمغادرة هذا البلد وذلك بسبب اعتماده على عائدات النفط بشكل كبير ولهذا فإن ولي العهد السعودي يسعى جاهداً إلى تطوير البلاد وتنويع الاقتصاد والحد من اعتماد بلاده على العائدات النفطية.
ولهذا، فإن هذا الأمير سيحتاج إلى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى داخل السعودية لتنمية القطاعات غير النفطية وهذا الأمر يتطلب من الشركات والأشخاص أن يخاطروا برؤوس أموالهم من خلال استثمارها في السعودية ومن المؤكد بأنه سيكون من المستحيل تنويع اقتصاد البلاد وتقليل اعتماده على النفط والطاقة من دون رؤوس الأموال تلك، وإن أحد أركان استراتيجية التنويع في الاقتصاد السعودي التي تنوي الحكومة القيام بها، هو بيع جزء من أسهم شركة النفط الحكومية “أرامكو” والتي من المحتمل أن يتأخر البيع فيها إلى بداية عام 2019.
وفي هذا السياق أعلنت مؤخراً شركة استشارات المخاطر السياسية “Eurasia Group” في تقرير أعدته، حيث قالت:” الخصخصة جزء مهم من تلك الجهود التي تبذلها الحكومة السعودية من أجل إعادة البناء ولا تهدف إلى جمع الكثير من الأموال”. ولفتت شركة الاستشارات تلك إلى أن سوق النفط القوي يعتبر القطاع الأول في بناء اقتصاد قوي ولكن إذا هبطت أسعار النفط مرة أخرى، فإن خصصة شركة ” أرامكو” لن تكون أمراً جيداً.
وأخيراً.. لقد أعربت هذه الشركة الاستشارية بأنه إذا استطاع ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” ومستشاروه بيع أسهم شركة “أرامكو” بنجاح، فإن هذا الأمر سيشجع الكثير من المستثمرين على وضع الكثير من الخطط الاستثمارية لتحديث الاقتصاد السعودي وجذب العديد من رؤوس الأموال الأجنبية.
وقالت تلك الشركة أيضاً: “بأن الهدف الكبير هو رفع مستوى دعم المستثمرين لمقترحات ولي العهد السعودي الذي سعى جاهداً إلى إحداث تغييرات وإصلاحات داخل الاقتصاد السعودي وجذب الكثير من المستثمرين الأجانب إلى هذا البلد للعمل على تنويع الاقتصاد بدون الاعتماد على العائدات النفطية”.
وطالما لم يتم تحقيق هذا النجاح من الناحية العملية، فمن المرجّح أن يظل المستثمرون متشائمين من الوضع الاقتصادي داخل السعودية وسوف تستمر عملية هروب وهجرة رؤوس الأموال من هذا البلد.