هذا وإن كان سب الرسول مستنكرًا، ولا يرضاه أى مسلم، فإن الحكم بالقتل على الساب حكمًا صحيًحا فقهيًا معتبرًا شرعيًا اختلف فيه العلماء، حيث أيده الدكتور على جمعة، مفتى الديار المصرية الأسبق، الذي قال: إن سب الرسول -صلى الله عليه وسلم جريمة تستحق القتل حدًا.
وأضاف: المالكية يرون إقامة الحد على من سب الرسول حتى لو تاب، مستدلًا بما ورد عن الإمام الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء»: «قال مالك: لا يُستتاب من سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من الكفار والمسلمين”، وقال القاضى عياض: من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو عابه، أو ألحق به نقصًا في نفسه أو دينه أو نسبه أو خصلة من خصاله، أو عَرَّضَ به، أو شبَّهه بشيء على طريق السبِّ له والإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه أو العيب له فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب يُقتل كما نبينه ولا نستثني فصلًا من فصول هذا الباب على هذا المقصد ولا نمتري فيه؛ تصريحًا كان أو تلويحًا، وكذلك من نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، ومشهور قول مالك في هذا كله أنه يقتل حدًا لا كفرًا، لهذا لا تُقبل توبته، ولا تنفعه استقالته وفيئته.
على الجانب الآخر، فقد استنكر الشيخ الدكتور عدنان إبراهيم، الرأي السابق، ورد كل هذه الأقوال المستقرة ونقدها نقدًا علميًا كاملًا، قائلًا: إن القرآن والسنة الصحيحة ترد كل هذه الأقوال وتهدر حجيتها إذ القرآن يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، ويقول أيضًا: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى. وقال لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ، وقال: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُوَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ.
وأضاف بقوله: القرآن واضح فى الأمر بالصبر، والإعراض عمن يسب ويسىء ويؤذى رسول الله، وكان المنافقون فى المدينة يفعلون ذلك، فهل قتلهم النبى؟، ألم يقولوا عن النبى: سمن كلبك يأكلك، فهل قتلهم؟ أبدًا.. ألم يدخل اليهود على النبى ويقولون له السام أى الموت عليك يا محمد فلما ردت عليهم عائشة غضب رسول الله، وقال كان يكفى وعليكم. فهل يوجد قتل، ومع ذلك نرى كتابًا مثل الصارم المسلول سبعمائة صفحة من الكلام الفارغ، على حد وصفه.
وتابع عدنان إبراهيم : إن ما استدلوا به من الأحاديث عليها انتقادات واضحة، فحديث كعب بن الأشرف أصحها ومع ذلك فقتله كان للخيانة والتجييش ضد المسلمين وليس للسب، وأما باقى الأحاديث فضعيفة غير ثابتة من ناحية السند، معلولة من خلال متونها.