فقد تحدث البعض عن وجود خلافات بين قاعدة سوريا، وتحديدا بين القائد العام “أبو الهمام السوري”، والمسؤولين الأردنيين، لا سيما وانهم يتحفظون من وجود قيادة سورية عليهم نظراً لتجاربهم السابقة سواء مع الجولاني أو غيره. إضافة الى وجود خلافات حول المرجعية الشرعية للتنظيم، ففيما يطلب الاردنيون اعتماد “ابو محمد المقدسي” ، يرفض “ابو همام الشامي” ذلك.
أهداف القاعدة في سوريا
وعلى اي حال، ما هي الاهداف التي يسعى تنظيم القاعدة لتحقيقها من التنظيم الجديد لا سيما في هذه الظروف بالذات حيث تقهقر الفصائل المسلحة ويجري تحجيمها جغرافيا بشكل كبير؟
يمكن الحديث هنا عن نقاط عدة:
1- أهمية الساحة السورية: منذ انطلاق الازمة في سوريا تحولت سوريا الى ساحة هامة في اطار الصراعات التي تعصف بالمنطقة، لا سيما بسبب ارتباطها الجغرافي مع أهم الصراعات فيها. من هنا فإن غياب القاعدة عن هذه الساحة المشتعلة يمثل تقصيرا وابتعادا عن بؤرة محورية.
2- تراجع “داعش”: قد يعتبر تنظيم القاعدة ان انهزامات “داعش” وانحسار نفوذه قد يمثل فرصة كبيرة للتنظيم في مجال استقطاب العناصر الفارة والمنهزمة من تنظيم داعش، وبالتالي اعادة تشكيل عسكري قوي لتنظيم القاعدة.
3- اجانب “هيئة تحرير الشام”: لقد أدى فك ارتباط الجولاني مع القاعدة من جهة، ومحاولات الجولاني “سورنة” الهيئة من جهة ثانية ما يعني تهميش الاجانب فيها، أدى الى امتعاض العنصر الاجنبي في الهيئة وبروز حالات انشقاق كبيرة. هذا الحراك ينظر اليه تنظيم القاعدة كفرصة متاحة لاستقطابهم.
4- اذا كانت الفصائل قد راقبت ما يجري لداعش بعين الاستفادة من انفراط عقده، وبالتالي كسب عناصره، فإن تنظيم القاعدة يرى أن ملامح ما يجري على “هيئة تحرير الشام” يشابه الى حد كبير ما جرى على داعش، وان استهداف “الهيئة” و”فرطها” هي مسألة اسابيع أو اشهر في اقصى الاحوال وبالتالي التهيئة لوراثة “الهيئة”.
5- ان معظم الساحات التي ينشط فيها تنظيم القاعدة هي مناطق فقدت عنصر جاذبيتها “الجهادية” اما بسبب ابتعادها عن قلب العالم الاسلامي تاريخياً ( افغانستان وباكستان وغيرهما) او بسبب تقلص الفاعلية بسبب الصراعات فيها (اليمن) او بسبب ضعف نفوذ التنظيم وتغلغله فيهما (السعودية، والعراق). ومن هنا يرى التنظيم ان العمل في الساحة السورية يمثل له عودة الى قلب العالم الاسلامي.
6- يهتم التنظيم من جديد بملف الصراع مع “إسرائيل” اذ يعتبره عنصرا داعما في اعادة تلميع صورة التنظيم العالمية بعد سلسلة الاخفاقات المتتالية. من هنا تشكل جبهة الجنوب نافذة براقة لهذه العودة. ولذلك ينشط التنظيم لمحاولة الدخول الى الجنوب السوري. وكان لافتاً اشتراط الجولاني عدم دخول تنظيم القاعدة الى الساحة الجنوبية. ولا يمكن فهم اشتراط الجولاني لهذا الأمر الا من خلال منظارين: الاول: معرفة الجولاني بجاذبية الجبهة الجنوبية مع وجود “اسرائيل” فيها. والثاني: طبيعة العلاقة والدعم الذي يتلقاه الجولاني من “اسرائيل” هناك ما يلزمه بمنع دخول اي طرف غير مأمون الطرف. ولعل هذا الاهتمام بالجبهة الجنوبية هو الذي يبرر مساعي القاعدة تشكيل فرع لها في درعا، مستندة الى علاقات “أبو جليبيب الطوباسي” هناك، إذ إن الأخير كان قد عمل كقائد “لجبهة النصرة” في الجنوب السوري.
التحديات
من الواضح أن طريق تنظيم القاعدة في سوريا لن يكون معبداً بالورود، ولعل أهم التحديات التي سيواجهها هي:
1- الوضع الداخلي للتنظيم: اذ يعاني التنظيم منذ مقتل زعيمه “اسامة بن لادن” من أزمة قيادة. وبعيدا عن الاعتراضات التي واجهت الظواهري، فإن الاصوات المتعلقة بتقديم جنسية على أخرى لم تعد خافتة. واذا كان عماد التنظيم في سوريا سيكون اردنياً، فإن الاصوات المعترضة على تأمير غير اردني قد ترتفع بشكل كبير. خاصة وان رموز القاعدة من الأردنيين لم يكونوا راضين عن تسمية “أبو الهمام” أميرا للقاعدة، ثم قبلوا به على مضض. الا اذا توصل الاطراف لحل وسط يعطي المرجعية الدينية للمقدسي.
2- اذا تم الاتفاق على جعل “ابو محمد المقدسي” بمثابة المرجعية الدينية للتنظيم، ومع وجود الاخير في الاردن وخضوعه لرقابة الامن الاردني (على فرض براءته من التعاون معه) فإن “فتاوى” المقدسي ستكون خاضعة في كثير من الاحيان لاعتبارات امنه الشخصي ووجوده على الاراضي الأردنية، ما لم نقل انها ستكون خاضعة لإملاءات الاستخبارات الاردنية والاميركية.
3- العلاقة مع “هيئة تحرير الشام” وزعيمها الجولاني: مبادرة الصلح التي تم اطلاقها بين الطرفين هشة، ومن المحتمل أن تنفجر في أي وقت، خاصة مع تعنت كل من الجولاني من طرف “الهيئة” و”التيار الأردني” من طرف القاعدة. على أن الرغبة الشديدة للقاعدة بالدخول الى الساحة الجنوبية سيقصّر من عمر الاتفاق مع “الهيئة” خاصة في نقطتها المتعلقة بعد محاولة القاعدة الدخول الى الجنوب.
4- تغير الخارطة الميدانية: ان الساحة السورية اختلفت جذريا عما كانت عليه عام 2016 (عام انفكاك النصرة عن القاعدة). فالمساحة الجغرافية التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة تقلصت كثيرا، فيما عدد العناصر المنتشرة في بقعة جغرافية صغيرة نسبية اصبحت كثيفة ما يعقد المشهد، ويرفع من نسب احتمالات الصدام.
5- مع تقلص المساحة الجغرافية، تقلصت معها الموارد المالية، وهو أمر سيرفع من اسهم الصدامات كحالة صراع على الموارد.
6- تقلص البقع الجغرافية المرنة، وأعني بها تلك الجغرافيا التي تسمح بنوع من المناورة بعيدا عن تجاذب الاطراف وضرورة الارتباط بطرف دولي لتأمين الغطاء. اذ باتت الساحة السورية منقسمة الى أربع مناطق رئيسية: منطقة الشرق التي تسيطر عليها قسد (المدعومة أميركيا) ومنطقة الشمال التي تديرها تركيا، ومنطقة الجنوب التي تسعى “اسرائيل” للسيطرة عليها. ومنطقة الوسط والساحل وبعض الجنوب والشرق الخاضعة لسلطة الحكومة السورية. ففي أي ساحة سيستطيع تنظيم القاعدة ان يلعب دون أن يرتبط بجهة مرجعية له؟
هذه أهم التحديات التي سيواجهها “تنظيم حراس الدين” القاعدي، لكنها تحديات تفترض استقلالية التنظيم وعدم ارتباطه الخارجي، وعدم خضوعه لاختراقات اميركية لا سيما في قياداته الاردنية، حيث أثبتت التجارب السابقة طول يد الاستخبارات الاردنية-الاميركية داخل التنظيم لا سيما في امتداده العراقي والسوري.
للعودة الى الحلقة الأولى من المقال اضغط على الرابط التالي:
https://alahednews.com.lb/161894/88