كصبي صغير، حلم «منير بخش» ببناء طائرة في يوم من الأيام، كان ذلك في أواخر الثمانينات، ولم تكن هناك طائرات يتم بناؤها في المملكة العربية السعودية، وقال «بخش»، الذي نشأ في مساعدة والده الذي يعمل ميكانيكي سيارات: «لم نقم أبدا ببناء طائرة».
واليوم، يقود «بخش» وحدة الملاحة الجوية في شركة «تقنية» المملوكة للدولة، التي أنفقت للتو أكثر من 44 مليون دولار على معدات متطورة لتصنيع قطع غيار الطائرات، وتجميع مروحيات «بلاك هوك» في المملكة، بالشراكة مع شركة «لوكهيد مارتن»، مقاول الدفاع الأمريكي.
ويعد «بخش»، الذي عمل لأكثر من عقدين في الولايات المتحدة كمهندس لشركات مثل «بوينغ» و«غولف ستريم»، وزملاءه جزءا من مهمة لإنشاء صناعة دفاع محلية في بلد يعد أحد أكبر المشترين للأسلحة في العالم.
وتأتي هذه الخطط كجزء لا يتجزأ من جهود ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان» لمساعدة المملكة على تنويع اقتصادها بعيدا عن عائدات النفط.
وتنفق المملكة ما بين 50 و70 مليار دولار سنويا على الجيش، وقال ولي العهد السعودي، الذي يشغل أيضا منصب وزير الدفاع، في مقابلة تليفزيونية العام الماضي: «نحن ثالث أكبر الدول إنفاقا على السلاح في العالم، ويأتي 99% منها من خارج المملكة، وهذه فرصة كبيرة لخلق صناعات وفرص عمل سعودية».
وتأتي المساعي لبناء صناعة دفاع محلية في الوقت الذي تمت فيه إدانة السعودية على نطاق واسع لدورها في الحرب في اليمن المجاورة.
وقد قتل أكثر من 3 آلاف ومئتي مدني على يد قوات التحالف التي تقودها السعودية، بين مارس/آذار عام 2015 وأغسطس/آب عام 2017، وفقا لتقرير الأمم المتحدة عن حقوق الإنسان، وهي حرب كشفت أيضا عن اعتماد المملكة على إمدادات الدفاع الغربية.
وقد واجهت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة انتقادات لتزويد السعودية بالأسلحة التي تسببت في مقتل المدنيين في اليمن، وقالت ألمانيا هذا العام إنها ستمنع صادرات الأسلحة للدول المشاركة في الصراع.
ومع زيارة ولي العهد لواشنطن الأسبوع القادم لمناقشة التعاون في مجال الدفاع، دعا بعض أعضاء الكونغرس إلى فرض قيود مماثلة، ودافع مسؤولون عسكريون أمريكيون عن المهمة السعودية في اليمن.
وكجزء من خطتها الاقتصادية، رؤية 2030، تهدف الرياض إلى إنفاق نصف ميزانيتها العسكرية محليا بحلول ذلك العام.
ومع وضع هذا في الاعتبار، أنشأت المملكة «شركة الصناعات العسكرية السعودية» المدعومة من الدولة، وعينت «أندرياس شاور»، وهو الرئيس السابق للأنظمة القتالية في شركة «رينميتال» الألمانية، رئيسا لها.
كما أنشأت الهيئة العامة للصناعات العسكرية، وهي هيئة حكومية ذات صلاحيات واسعة في المشتريات العسكرية وكذلك البحوث والتطوير.
وتدرك شركات الدفاع الكبرى في العالم أنها إذا أرادت الاستمرار في البيع لأحد كبار المنفقين العسكريين في العالم، فسيتعين عليهم تحديد قدرات المزيد من التصنيع في السعودية.
وتعمل شركات مثل «بي إي إيه سيستمز» في المملكة المتحدة، منذ عقود، على توسيع أنشطة التدريب والتصنيع في السعودية، وتوظف شركة «بي إي إيه» 6 آلاف شخص، ثلثاهم تقريبا من السعوديين، وتقوم بتجميع طائرة «بلاك هوك» في السعودية، وتقوم أيضا ببعض الأعمال على طائرات «تايفون» المقاتلة.
وقد وقعت المملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، على مذكرة نوايا بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني، لشراء 48 طائرة مقاتلة من طراز «تايفون»، وهي صفقة تمت مناقشتها منذ عام 2014.
وقال أحد الأشخاص المطلعين على المسألة إن المفاوضات الصعبة حول المواد الخام والخدمات التي سيتم الحصول عليها محليا ساهمت في تأخير التوصل إلى اتفاق.
وقال «خالد العتيبي»، نائب رئيس قسم التصنيع في فرع شركة «بي إي إيه» في المملكة، إن نقل العمل من أوروبا أو الولايات المتحدة إلى المملكة كان معقدا ومكلفا، واضطرت الشركة إلى ضمان التزام المقاولين المحليين بالمعايير الدولية، واحتاجت إلى تدريب العمال السعوديين، حيث إن الخريجين الشباب يفتقرون إلى المهارات المناسبة للقيام بهذه المهمة.
وقد استفادت البلاد من الناحية التشغيلية دون أدنى شك، وكذلك من مشتريات الأسلحة، وبناء قوات مسلحة قوية، ولكن فيما يتعلق بالتصنيع والتوطين، كان هناك الكثير من النواقص وأوجه القصور.
وقال «ريك إدواردز»، نائب الرئيس التنفيذي لمؤسسة «لوكهيد مارتن»: «لقد كانوا واضحين للغاية في أنهم يريدون النمو بسرعة، ونحن ندعم أهداف رؤية 2030 بالكامل، لكنك لن تصل من 2% من الإنفاق المحلي إلى 50% في غضون بضعة أعوام، هذه عملية طويلة، يجب أن يتم ذلك بطريقة تدير المخاطر».
وبالإضافة إلى تنويع الاقتصاد وخلق فرص عمل، يعد بناء صناعة دفاع محلية أمرا حاسما للأمن القومي، حسب قول خبراء الدفاع السعوديين.
وقال اللواء «بداح العجمي»، الذي يقود الأعمال الهندسية في سلاح الجو: «إذا طلبت قطع غيار من الخارج، فقد يستغرق الأمر شهورا، إن لم يكن أعوام، بينما تكون الحاجة إليها في غضون ساعات، وقد طلبنا نحو 6 آلاف قطعة تم تصنيعها محليا، وتم تسليم بعضها في أقل من يوم واحد».
وإذا كانت الشركات الدولية ستساعد السعوديين على تصميم وبناء الصواريخ، فإن حكوماتهم تحتاج إلى الموافقة على تخفيف القيود المفروضة على تصدير التكنولوجيا.
وقال «إدواردز»: «لن يتم نقل كل التكنولوجيا، هذه هي الحقيقة، سيكون علينا العمل بالتعاون مع حكومة الولايات المتحدة لمعرفة ما إذا كان يمكنها الإفراج عن بعض التقنيات الأحدث من أجل الاستخدام المزدوج».
ويعمل السعوديون بالفعل على تطوير التكنولوجيا الخاصة بهم، ولدى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الذراع الحكومية للبحث والتطوير، 40 مهندسا يعملون في مجال الصواريخ الباليستية قصيرة المدى والقنابل الموجهة بالليزر، حسبما صرح مسؤول لوسائل الإعلام المحلية الأسبوع الماضي.